أطماع إسرائيل بسيناء.. مخاوف لا يبددها "السلام"

An Israeli soldier speaks on the phone near the border fence between Israel and Egypt next to a military ambulance October 22, 2014. Attackers on Egypt's Sinai peninsula opened fire on Israeli soldiers across the border on Wednesday, wounding two, the Israeli military said. Islamist militants are active in the peninsula, which borders southern Israel, though assaults across the fenced frontier are rare. The attackers fired guns and an anti-tank missile at the Israelis, the military said in a statement. REUTERS/ Amir Cohen (ISRAEL - Tags: POLITICS CIVIL UNREST MILITARY)
رويترز

تقوم هذه المقالة على فرضيتين: الأولى هي أن علاقة مصر بإسرائيل تتسم بالوئام منذ كامب ديفد ولم يعكرها إلا فزع إسرائيل من تداعيات ثورة 25 يناير، ثم ذهب عنها الروع بالثورة على الإخوان في 2013، أما الفرضية الثانية فهي أن عين إسرائيل على سيناء.

الفرضية الأولى قد تكون عارضة لكن الفرضية الثانية ثابتة وهي التي يفحصها هذا المقال، رغم العلاقة الظاهرة بين الفرضيتين في التحليل الأخير وفي حسابات إسرائيل وربما اضطرت مصر إلى قبول الربط ولو واقعيا.

فعين إسرائيل الثابتة على مصر ومدخلها سيناء، وعلى من يريد التثبت من هذه الحقيقة فليدرس مذكرات الساسة اليهود والمصريين خاصة المتصلين مباشرة بالمسألة، وأخص بالذكر الدكتور محمد حسين هيكل الجزء الثالث والجمصي ومحمد إبراهيم كامل وإسماعيل فهمي وكمال حسن علي، وفاتتنا رؤية أسامة الباز التي لم يكتبها.

وقد احتلت إسرائيل سيناء مرتين في زمن العداء، فهل تشفع علاقات السلام والوئام بتبديد المخاوف من أطماعها؟ وهل يظل هذا الوئام شرطا لكف يدها؟

الخطة الثابتة لإسرائيل هي أن سيناء في النهاية لها وتستشعر فرص تحقيق أهدافها دون أن يقيدها شيء، ولكنها تلقي من حين لآخر إشارات متناثرة لا يلبث تزاحم الأحداث أن يتجاوزها، وآن الأوان أن نضعها في سياقها

الخطة الثابتة لإسرائيل هي أن سيناء في النهاية لها وتستشعر فرص تحقيق أهدافها دون أن يقيدها شيء، ولكنها تلقي من حين لآخر بإشارات متناثرة لا يلبث تزاحم الأحداث أن يتجاوزها، وآن الأوان أن نضعها في سياقها.

بين البداية والنهاية صلة عضوية وفق منظور معين مدروس. آخر المشاهد هي التصريح الإسرائيلي في الأسبوع الثالث من يوليو/تموز 2015 بأن إسرائيل تفكر في إنشاء منطقة آمنة للوقاية من الإرهاب في سيناء، بعد أن سبق لها اتخاذ عدد من الإجراءات الأمنية الحدودية ومنها الجدار الحدودي.

القصة من أولها هي أن إسرائيل تخطط على أساس أن سيناء بالغة الأهمية لها ما دامت جزءا مهملا من القاهرة وأنها منطقة صحراوية لا تحتاجها مصر ومعظم أراضيها صحاري، كما أن سيناء ضعف مساحة فلسطين وبها كل الخيرات الاقتصادية وتستطيع أن تحل مشاكل مصر كلها كما يمكن أن تكون دولة قائمة بذاتها.

في زمن التفتيت يصبح التحذير أكثر إلحاحا، إذ يجب أن نعطي انتباها خاصا لهذه المسألة. فقد احتلت إسرائيل سيناء بمناسبة العدوان الثلاثي على مصر وأعادتها بعد أن صار لها الحق في المرور في خليج العقبة تحت إشراف قوات الطوارئ الدولية.

فلما أمر عبد الناصر بسحبها دون تبصر في أواخر مايو/أيار 1967 كان ذلك هو المقدمة الضرورية لضرب الجيش والوطن في مقتل، ثم أعادتها إسرائيل هذه المرة بمقابل باهظ عكسته الأوضاع المحيطة باتفاقية السلام. فالعلاقات بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة وضعها السادات في حزمة واحدة وترتبت عليها أوضاع استمرت طيلة هذه العقود.

ولم يكن الخطأ في المعاهدة وإنما في الإرادة المنكسرة من جانب مصر حيث انفسح معها المجال للمشروع الصهيوني ضد مصر ومصالحها ومنطقة نفوذها العربية، رغم أن إسرائيل لا تأمن جانب مصر وتتفنن في خلق الأذى لها، بينما تعتبر مصر إسرائيل صديقا وربما حليفا في مواجهة عدو مشترك وهمي.

فـسيناء في مرمي أطماع إسرائيل، وهي مكشوفة في الوقت ذاته، ولذلك حذرنا عشرات المرات بمختلف السبل من أن لإسرائيل صلة ومصلحة بالإرهاب في سيناء على الأقل منذ عام 2004 في حادث طابا، ثم 2005 في حادث شرم الشيخ ثم 2006 في حادث دهب، وقلنا يومها إن الإشارات والنذر كافية لتكوين هذا الاعتقاد رغم التنسيق الأمني بين وزارتي الداخلية في البلدين ورغم أن نتنياهو كان يتناول وجبة الأسماك الشهية على مائدة الرئيس في شرم الشيخ.

أما النقطة الثانية فهي أن إسرائيل كانت تدفع مصر إلى الاعتقاد بأن القاعدة هي التي تقوم بهذه العمليات وبالفعل صدر تصريح من وزير الداخلية حبيب العادلي بعد دقائق من تفجير شرم الشيخ بأنه يشتبه في أن القاعدة لها علاقة بالتفجير. ويبدو أن الرجل أدرك المخاطر فلم يتمسك بالاتهام.

وخطورة أن تكون القاعدة هي المفجر أن سيناء قد أصبحت خطرا على إسرائيل وأن مصر لا تستطيع أن تواجه القاعدة في سيناء فتدخل سيناء ضمن مسارح الإرهاب العالمية التي زعمت الولايات المتحدة منذ مسرحية 11 سبتمبر أنها تقود الحرب ضد القاعدة فيها.

طورت إسرائيل هذه النظرية بعد ذلك من خلال تصريحات كبار المسؤولين وتوصيات أجهزة الأمن القومي والمؤتمر السنوي للإستراتيجيات الأمنية الذى يتحدث فيه صراحة كل الرموز السياسية والأمنية في إسرائيل علانية حول المخاطر التي تهدد أمن إسرائيل فتبلورت النظرية الإسرائيلية من خلال هذه المصادر.

سيناء جزء من أطماع إسرائيل، وهي مكشوفة في الوقت ذاته، ولذلك حذرنا عشرات المرات من أن لإسرائيل صلة ومصلحة بالإرهاب في سيناء على الأقل منذ عام 2004 في حادث طابا، ثم 2005 في حادث شرم الشيخ ثم 2006 في حادث دهب، وقلنا يومها إن الإشارات والنذر كافية لتكوين هذا الاعتقاد

ومؤدى هذه النظرية هو: أن الإرهاب يهدد مصر وهي عاجزة عن مواجهته وخاصة في سيناء، والحال أنه لم يظهر إلا بعد أن تركت إسرائيل سيناء، ما يعني أن الإرهاب جاء بديلا عن الفراغ الأمنى والتنموي الذي تركه غياب إسرائيل، ولم تملأه الدولة المصرية التي لم تظهر لسيناء سوى العصا الأمنية. توجه هذه النظرية النظر إلى المقارنة بين سيناء تحت الاحتلال الإسرائيلي وبين سيناء تحت الإدارة المصرية قبل الاحتلال وبعده.

تضيف هذه النظرية أمرين خطيرين: الأول، أن إسرائيل أولى بسيناء من مصر لأن العبرة هي بمن يعرف قدر المكان وطريقة التعامل معه تطبيقا لنظرية كارل ماركس الأرض لمن يزرعها والكتاب لمن يقرؤه. وهو نفس المبدأ الذي بررت به إسرائيل والدول الاستعمارية استعمار فلسطين وغيرها أي بنظرية الفراغ والبقاء فيها للأقوى.

الأمر الثاني، هو أن إسرائيل يجب عليها أن تدخل سيناء لكي تحارب الإرهاب فيها قبل أن يستفحل خطره ويصل إليها. ولا تتورع إسرائيل من أن تطوع نظريات القانون الدولي بما يسند مزاعمها على الأقل فيما يتعلق بنظرية التدخل الاستباقي وهي التي أسست لهذه النظرية عام 1967 ضمن محاولتها تطوير نظرية الدفاع الشرعي، وأن الإسهام الإسرائيلي كان الأساس الذي قامت عليه نظرية بوش في الضربة الاستباقية التي أعقبت مسرحية 11 سبتمبر.

وما دام الإرهاب خطرا عالميا فقد تمكنت إسرائيل من الربط بينه وبين الإسلام والمقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان، رغم أنها لم تربط بين الإسلام والإرهاب عندما كانت المقاومة الفلسطينية تقوم بها فتح وبقية الفصائل العلمانية، ورغم أن نتنياهو نفسه أنشأ في واشنطن معهد مكافحة الإرهاب عقب مقتل أخيه قائد عملية عنتيبي 1976.

لا شك أن إسرائيل قد استغلت أزمة التيار الإسلامي في مصر والعالم لكي تقول صراحة في الأسبوع الثالث من أغسطس/آب 2015 إن أعداء إسرائيل هم أعداء العرب والمسلمين جميعا، وإنهم (إسرائيل والعرب) في خندق واحد ضد هذا العدو المشترك الذي استخدم الإرهاب ستارا له، وهذا العدو المشترك كما تقول إسرائيل هو حماس وحزب الله وداعش (تنظيم الدولة الإسلامية)، رغم أن الصحيح هو أن أعداء العروبة والإسلام هما داعش وإسرائيل واحتمالات العلاقة بينهما واردة.

استغلت إسرائيل في هذه النظرية أن داعش عدو الجميع ولو نظريا، وأن المقاومة الإسلامية لا تحظى الآن -فيما يبدو- بالإجماع العربي والدولي. ولذلك شددت إسرائيل على أن الإرهاب هو الرابط بين هذه الأطراف، وأن مقاومة هذا الإرهاب يجب أن يكون هو الرابط بين الأطراف المسالمة التي يستهدفها هذا الإرهاب.

تضيف النظرية أنه كلما زادت وتيرة الإرهاب وهددت الأوطان العربية زادت كراهية الشعوب لهذه الأطراف، وأصبحت إسرائيل في مأمن من غضب هذه الشعوب ما يسمح لها بإبادة الشعب الفلسطيني ما دام مقاوما ضد البطش الرسمي ومن قطعان المستعمرين اليهود الذين أحرقوا الأطفال أحياء وضاع صدى الكارثة في تضاعيف الكوارث التي صنعتها إسرائيل لبقية الأوطان العربية.

وما دامت سيناء مشتعلة والجيش منهمكا ضد الإرهاب، فإن إسرائيل ستزيد الإرهاب اشتعالا، طالما أن معركة الإرهاب تتصدر أولويات النظام في مصر بحق وتعفيه من أي تقصير حتى يتابع هذه القضية التي تعرض الجيش وسيناء لأقصى المخاطر.

إن إعادة النظر في ملف سيناء وملف الإرهاب وطرق مواجهته والحفاظ على سيناء من المؤامرة، يمثل تأكيدا عمليا على أن سيناء وأهلها جزء عزيز من هذا الوطن، وهو أساس الإستراتيجية المطلوبة لأن الخطر يحيق بالوطن بأكمله وبسيناء وبالجيش المصري

إن الرؤية المتكاملة لحل أزمة سيناء مطلوبة، والمواجهة العسكرية يجب أن تكون جزءا من حزمة إجراءات، ونأمل أن تساعد في ذلك الإجراءات الواردة في قانون تنمية سيناء الصادر في 15 أغسطس/آب 2015 والذي يحتاج إلى المزيد إسهاما في هذا الاتجاه.

وكنا قد أشرنا بما نؤكده اليوم من أن إسرائيل التي أنشأت الإرهاب في جنوب سيناء أولا قد نقلته إلى شمال سيناء، لسبب واضح وهو الربط بين مسرح الإرهاب المصري وبين غزة ودفع أصابع الاتهام نحو حماس. ونصحنا بالخروج السريع من عقدة الإخوان وحماس والانتباه إلى ملف سيناء والمحافظة على الجيش بوضع إستراتيجية شاملة لتنمية سيناء وفق جدول زمنى، ومواجهة الإرهاب بطرق متنوعة حتى لا يتحمل الجيش وحده محاربة عدو معقد، وأن يكون العدو هو الواجهة للعدو الأكبر والأبدي وهو إسرائيل.

والخلاصة هي أن إعادة النظر في ملف سيناء وملف الإرهاب وطرق مقاومته والحفاظ على سيناء من المؤامرة، يمثل تأكيدا عمليا على أن سيناء وأهلها جزء عزيز من هذا الوطن، وهو أساس الإستراتيجية المطلوبة لأن الخطر يحيق بالوطن بأكمله وبسيناء وبالجيش المصري الذى يفقد الزهور الوطنية التي ندخرها ليوم نذود فيه عن أرضنا الطاهرة خاصة في سيناء حيث تدفع إسرائيل الإرهاب لإنهاك الجيش فإذا حانت ساعة المواجهة -وهي قادمة حتما- سهل عليها اجتياح سيناء.

بقيت نقطة أخيرة هل التفريعة الجديدة للقناة تسعد إسرائيل أم تعوق تقدمها إلى القاهرة كما نقل إعلامنا، وهل التضييق على غزة ومعاداة حماس وتفريغ رفح يفيد في دعم مصر ضد أطماع إسرائيل أم العكس، ولماذا يصرح نتنياهو على أن الأوضاع الحالية في مصر مثالية لإسرائيل؟

باختصار هل يدرك النظام في مصر مطامع إسرائيل وخططها لخنق مصر وإنهاك جيشها وأطماعها في سيناء؟ ولماذا لم تدع حتى الآن أن تراث موسى في مصر ملك لليهود كما ادعت في فلسطين والجولان؟ أم إنها تعتبر سيناء العامرة ومصر وما فيها غنيمة مضمونة وقت اللزوم؟ فهل تغني النذر؟ ألا هل بلغت اللهم فاشهد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.