بيان الهيئة الشرعية للإخوان.. ما الجديد؟

Supporters of the Muslim Brotherhood and Egypt's ousted president Mohamed Morsi chant slogans as they demonstrate in Egypt's northern coastal city of Alexandria on August 14, 2013, against security forces clearing two pro-Morsi protest camps in Cairo. The clearance operation began shortly after dawn when security forces surrounded the sprawling Rabaa al-Adawiya camp in east Cairo and a similar one at Al-Nahda square, in the centre of the capital. AFP PHOTO / STR
الجزيرة

لم يعد ثمة شك في أن جماعة الإخوان المسلمين قد اختارت الوسائل غير العنيفة في مواجهة الأنظمة المستبدة في بلادها منذ عقود طويلة، على الرغم من كل ما يقال عنها الآن في وسائل الإعلام المعادية لها.

لكن يبدو أن الأجيال الإخوانية التي عاشت محنة الخمسينيات والستينيات في مصر، وشاركت بالخطب والترتيبات الإدارية في صناعة طفرة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي قد اعتادت هذا النمط من المقاومة، حتى إنها لا تستطيع أن تتحول عنه إلى غيره مهما تغيرت المعطيات والظروف.

ومن هنا جاء هذا الجدل بين الأجيال الجديدة والقديمة في الجماعة بشأن الوسائل الملائمة لكسر الانقلاب العسكري في مصر، وهو الجدل الذي لم يعد خافيا على أحد، وإن كان قد أخذ في داخل الجماعة شكلا فريدا من نوعه؛ وذلك أن أصحاب الرأيين بقيا يتجادلان سرا وعلنا ويعملان -في الوقت نفسه- في نطاق الجماعة الواحدة، وإن كان الاضطراب باديا في أداء الإخوان لهذا السبب.

الجدل بين الأجيال الجديدة والقديمة في الجماعة بشأن الوسائل الملائمة لكسر الانقلاب لم يعد خافيا على أحد، وإن كان قد أخذ في داخل الجماعة شكلا فريدا من نوعه؛ فأصحاب الرأيين بقيا يتجادلان سرا وعلنا ويعملان في الوقت نفسه في نطاق الجماعة الواحدة

وقد أجرى بعض المواقع الإلكترونية تحقيقا صحفيا ذا دلالة مهمة هنا حول أسباب احتفاظ كثير من عناصر جماعة الإخوان المسلمين بعضوية الجماعة على الرغم من اعتراضهم على كثير من سياساتها، وانتقادهم لها سرا وعلنا أحيانا. وتولى بيان هذه الأسباب بعض هذه العناصر وبعض زملائهم الذين تخلوا عن عضوية الجماعة تماما.

وقد جاءت الإجابات كما يلي: لأنها الأفضل حاليا ولا بديل عنها، لأن كل تجارب الانشقاق لم تثمر، لوجود إيمان شديد بالحاجة إليها، لأن من خرج منها لم يفعل شيئا، لأنها الحائط الصلب أمام قوى الفساد، لأنها كيان بشري يصيب ويخطئ، لأن الانتماء للفكرة وليس للأشخاص، لأن الإصلاح من الداخل أولى من الترك، لوجود علاقة وطيدة بينها وبين المنتسبين إليها، لأن الجماعة لم تنته صلاحيتها بعد، لأن كدر الجماعة خير من صفو الفرد.

وتبدو هذه الأسباب عاكسة لعنصرين مهمين في الجماعة ونهجها:

الأول: الجو شبه العائلي الذي توفره لأفرادها، وهو ما يبدو حتى في تسمية المكون الأساسي في الجماعة باسم "الأسرة"، وفي توارث الأجيال داخل الجماعة للخبرات الإدارية والمعرفية بعضهم عن بعض في صورة احتكاك مباشر ومعايشة طويلة في الحل والسفر.

والعنصر الثاني: هو الشمول الذي يميز منهج الجماعة في فهم الدين والتعامل مع الواقع بحيث تتماس مع كل قضايا الواقع والحياة الإسلامية، وتجد لها مجالا للعمل في كل أصقاع الدنيا.

ولهذه الأسباب تشبه مسألة الخلاف داخل صفوف الجماعة في أغلب الأحيان خلاف الولد مع أبيه أو جده؛ إذ مهما اختلفا في الرأي، فإنه يبقى ابنا لهذا، وحفيدا لذاك! وإن كنا شهدنا أيضا في خلاف الجماعة مع أعضائها السابقين حالات نادرة من التهاجي الشديد حتى بين الأصهار والأقارب على صفحات الجرائد، كما حدث إبان مشكلة حزب الوسط في تسعينيات القرن الماضي، وما المواقف الحالية للدكاترة محمد حبيب وكمال الهلباوي وعبد المنعم أبو الفتوح منا ببعيد.

وبالعودة إلى عنوان المقال، فإن الهيئة الشرعية المشار إليها فيه هي مجموعة من العلماء والباحثين في العلوم الشرعية، ينتمي بعضهم إلى جماعة الإخوان المسلمين دون بعضهم الآخر، وإن كانت تجمعهم معاداة الانقلاب العسكري والدعوة إلى كسره بوسائل أكثر جدية وحزما.

وقد قام على تشكيل هذه الهيئة خارج مصر "حزب الحرية والعدالة" الجناح السياسي للإخوان في مصر، واعتبرها الحزب مستشاره الشرعي في القضايا التي تعرض له وتحتاج إلى رأي شرعي مستند إلى القرآن والسنة وأصول الإفتاء المقررة عند الأصوليين منذ قرون طويلة.

والبيان الذي صدر عن الهيئة مؤخرا هو تلخيص لدراسة قام بها أعضاؤها قبل أشهر تحت عنوان "فقه المقاومة الشعبية للانقلاب"، وحاولوا بها الإجابة عن أسئلة ملحة تتعلق بمواجهة الانقلاب العسكري الذي بطش بمعارضيه بطشا لم تعرف مصر له مثيلا طوال عمر الدولة المصرية الحديثة منذ أنشأها محمد علي باشا قبل قرنين من الزمان.

وتضمنت الدراسة والبيان مجموعة من المواقف والأفكار التي حاولا تأصيلها شرعا، وأهمها ما يلي:

1- أن السيسي ليس حاكما متغلبا، لكنه خرج على الحاكم الشرعي صاحب البيعة، فوجبت لذلك مقاومته والسعي إلى إنهاء حكمه وحكم الانقلاب. ولو كان خروجه على متغلب مثله، أو على مبايَع تنازل له، أو فرّ من البلاد ناجيا بنفسه تاركا الأمور له، فدخل الناس في طاعة المتغلب، وحُفظ به الأمن، واطمأنت به البلاد، وراعى أحكام الشريعة الإسلامية، لكان لعدم الخروج عليه مسوغه الشرعي؛ ولذلك فإن "شروط العلماء الذين قبلوا بولاية المتغلب لم ولن تتحقق في الانقلابيين"، كما خلصت الدراسة.

2- أن "الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي أشنع من الخروج المسلح على الحاكم، والمذكور في كتب الفقهاء؛ لأنه خروج لتنحية الشريعة، وكان الخوارج يخرجون لتحكيم الشريعة -وإن أخطؤوا الطريق- كما أن الانقلاب يربو على الخروج المذكور بخسيسة الخيانة والنكث بالعهد، وكفى بالخيانة عارا في الدنيا والآخرة.

لا بد من ملاحظة تترس أصحاب الخيار الثوري في مواجهة الانقلاب بالجناح السياسي للجماعة(حزب الحرية والعدالة)، وهو ما قد يبدو حلا مؤسسيا في اتجاه يفصل -في نطاق جماعة الإخوان المسلمين- إدارة الشأن السياسي عن إدارة الشأن الدعوي، أو الميداني عن التفاوضي والإعلامي

3- "أن الوصف الشرعي لهؤلاء الانقلابيين أنهم أخس من الخوارج والبغاة، وأشد ضررا على الأمة من المحاربين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، كما ينطبق على الآحاد منهم وصف الصائل الذي يهجم على الناس لترويعهم وأخذ أموالهم".

4- "أن الحكم الشرعي فيهم هو وجوب المقاومة بكل أشكالها وأنواعها (مع مراعاة الضوابط الشرعية عند التنفيذ)؛ لأنها فطرة وحق وواجب شرعي، وبها تتحقق سنة التدافع التي بدونها تفسد الأرض. إن المقاومة بدايتها إحداث للنكايات وإن قلت الإمكانات، ثم بعد ذلك توازن الخوف والرعب، ثم بعد ذلك النزال والحسم".

5- "قرئت هذه الدراسة كلمة كلمة أمام الإدارة، واعتمدتها، ونزلت لجميع الإخوة والأخوات فاستحسنوها وأقروها، وكانت سببا في قوة الصف وتماسكه، ورفعت الروح المعنوية له، فكان أداؤه رائعا في موجة 25 يناير الماضي".

ولعلنا نلاحظ أن الدراسة ليس فيها جديد تقريبا، ولا تختلف كثيرا عما سمي "نداءات الكنانة"، إلا في العناية الزائدة بتفصيل المسائل والتأصيل الفقهي لها، والتأكيد على أن هذا رأي جماعة الإخوان المسلمين الذي استقرت عليه بعد التشاور والنظر.

إلا أن الدراسة والبيان في الحقيقة تعبير عن الروح الإخواني الجديد الذي يريد أن يخطو بمقاومة الانقلاب العسكري في مصر خطوات إلى الأمام، ولا يقبل أي لون من التفاوض معه، كما يرى أنه لا يكفي أن ننتظر حتى يقع الخلاف في صفوف الانقلاب، أو أن تؤثر فيه عوامل التآكل الذاتي؛ لما في ذلك من تأكيد لعجز الثوار عن المبادرة والحسم، وافتقادهم الروح الفاعلة الجسور القادرة على التأثير في الأوضاع القائمة وتحريكها في اتجاه الانتصار للحرية والثورة.

وأما الروح القديم في هذه المسألة، فقد انتقده بصورة متزامنة مع البيان أحد شباب الإخوان على فيسبوك معترضا على مواقف أحد قادة الحركة في أوروبا قائلا: "الدكتور… يقول: العمليات النوعية تسبب لنا حرجا بالغا في اجتماعاتنا مع المسؤولين الغربيين!"

ثم علق الناشط الإخواني قائلا "يصعب على رجل قضي الكثير من فترات عمره في عاصمة الضباب (لندن) أن يحلق بعيدا عن الخطوط الحمراء للمجتمع الدولي! هو كل ما يشغله الدعشنة ومنظمة شباب محمد والإرهاب! كل تلك المصطلحات الغربية لتفسير إشكاليات الشرق الأوسط المعقدة، ومع ذلك لو ترك الإخوان المسلمون عملياتهم النوعية (الضعيفة إلى حد كبير) فإن النظام الانقلابي عازم على القضاء عليهم لا محالة, والمعركة الآن صفرية، والنظام لن يتراجع خطوة إلا بعد القضاء على الإخوان بشكل كامل هذه المرة.

"ليت الدكتور… يستشعر الحرج من المكلومين وأهالي الشهداء والحرائر في السجون, كما يستشعر الحرج من قادة ومنظمات المجتمع الغربي!"

وبالعودة إلى البيان، نجد أنه لا يخفى ما فيه من انفراد إخواني بتقديم وجهة النظر "الجديدة"، وهو ما يدل على أحد أمرين:

الأول: أن التيارات الأخرى -مثل الجماعة الإسلامية والشباب الثوري اللامنتمي حركيا والمؤيد لشرعية الرئيس محمد مرسي- قد فرغت من هذه المسألة؛ أي أنه لحسم الصراع في مصر فلا بد من توظيف بعض وسائل العنف الرادعة للانقلابيين بدون عسكرة للثورة. إلا أن هذه التيارات تنتظر موقف الإخوان؛ لأنها لا تقدر على الحسم بدونهم.

الأمر الثاني: أن هناك "أخونة" تلقائية للحراك ضد الانقلاب؛ أولا بسبب انفراد الجماعة من بين شركائها الآخرين في دعم الشرعية ومقاومة الانقلاب بالقدرة على الحركة المنظمة والتواصل الدقيق بين أعضائها، وثانيا للكثرة العددية التي يتمتع بها الإخوان بين صفوف داعمي الشرعية.

إن الخيار العسكري والمواجهة الشاملة للانقلاب -إضافة إلى صعوبتها- سيدفع ثمنها الفادح كل مصري ومصرية، وربما ينجو منها فقط الجنرالات المتربعون على عرش البلاد، وقد يستتب لهم الأمر بسببها فوق أشلاء وطن في نهاية المطاف

وأخيرا، لا بد من ملاحظة تترس أصحاب الخيار الثوري في مواجهة الانقلاب بالجناح السياسي لجماعة الإخوان؛ أعني "حزب الحرية والعدالة"، وهو ما قد يبدو حلا مؤسسيا في اتجاه يفصل -في نطاق جماعة الإخوان المسلمين- إدارة الشأن السياسي عن إدارة الشأن الدعوي، أو الميداني عن التفاوضي والإعلامي، كما هو شأن الحركات والأحزاب المناضلة لأجل الاستقلال أو في مواجهة الأنظمة المستبدة في كثير من دول العالم.

وبهذا لا تبقى إشكالية الحالة المصرية في البيانات والدراسات الشرعية نفسها، ولكن في حاجتها إلى صف إخواني أولا وثوري ثانيا يتكلم بصوت واحد ولو بعيدا عن الإعلام، وإلى دراسات ميدانية ومراجعة فعلية لقدرات الشارع الإخواني والثوري في مصر، وقدرة على ضبط الأعمال المقاوِمة للانقلاب الذي يحتاج بالفعل إلى ردع يحول بينه وبين الاسترسال أكثر من هذا في استباحة دماء الأبرياء، وتعذيب المعتقلين، وقتلهم بالجوع والإهمال الطبي، وترويع الناس في بيوتها، وتشويه الحقائق أمام الجماهير التي تزداد شراسة في عداوتها لخصوم الانقلاب بالرغم من الأزمات الطاحنة التي صنعها لها الانقلاب.

إن الخيار العسكري والمواجهة الشاملة للانقلاب -إضافة إلى صعوبتها- سيدفع ثمنها الفادح كل مصري ومصرية، وربما ينجو منها فقط الجنرالات المتربعون على عرش البلاد، وقد يستتب لهم الأمر بسببها فوق أشلاء وطن في نهاية المطاف.

أما الأعمال الرادعة المحسوبة بدقة وفقا لدراسات ميدانية، فسيكون لها دورها في كبح جماح رجال الشرطة والجيش الذين يعرف الناس بيوتهم وبيوت عائلاتهم، كما يمكن أن يؤثر بقوة على الأداء الإعلامي المغالي في اللعب بوعي الجماهير ولو في المدى المتوسط بحساب الشهور.

مهما يكن، فإنه فصل آخر من فصول الجدل بين العقول والإرادات في قلب الحالة المصرية، وأيها انتصر فإن المستقبل سيسلمه قياده ليقود البلاد بالمنهج الذي انحاز إليه، فإما حكم عسكري يبقى عقودا أخرى على الأقل، وإما إرادة ثورية وطنية تعيد إلى الشعب وعيه وحقه في اختيار حاكمه وتوجيه مقدرات البلاد في اتجاه يخدم مصالحه ومصالح أمته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.