هل يلجأ ثوار مصر للعنف؟

مظاهرة بجامعة القاهرة-التظاهر لم يعد وحده الذي يعرض للسجن بل أيضا الكتابة على فيسبوك
الجزيرة


تطرح قضية اللجوء للعنف الآن نفسها بقوة على المشهد الثوري في مصر ضمن سياقات مواجهة سياسات التصفية الجسدية التي تتبعها سلطات الحكم العسكري في القاهرة، والتي باتت تشكل خطرا داهما على الأمن القومي.

وقد وجد شباب الثورة ضالتهم في بيان أطلق عليه اسم -نداء الكنانة- ووقع من قبل عشرات العلماء على مستوى العالم الإسلامي ليتخذوا منه ميثاق عمل وفتوي شرعية. وعلى الرغم من رد علماء الأزهر على تلك الفتوى بأخرى تعارضها فإن الشباب لم يلتفتوا لفتوى الأزهر لفقدانهم الثقة في قياداته الحالية.

ويتهم بيان نداء الكنانة عبد الفتاح السيسي ورفاقه بالخروج على الحاكم الشرعي لمصر الرئيس الدكتور محمد مرسي، ويفتي بأنه على الأمة كلها واجب مقاومة انقلابهم من أجل إعادة الرئيس لمهام منصبه.

تعتبر بعض الفصائل الثورية المصرية -ومن بينها عناصر شبابية تنتمي لجماعة الإخوان- أن شعار "سلميتنا أقوى من الرصاص" الذي أطلقه مرشد الإخوان لم يعد يناسب المرحلة الحالية خصوصا وأن من أطلقه تم الحكم عليه بالإعدام شنقا حتى الموت

وهو نفس البيان الذي استشهد به الشيخ وجدي غنيم مؤخرا عندما أفتى بتكفير عبد الفتاح السيسي ورفاقه صراحة، وذلك في مواجهة فتوى أخرى للشيخ عصام تليمة اعتبر فيها قادة الانقلاب في مصر بمثابة بغاة ومجرمين، ويتوجب إقامة الحدود عليهم، وتحفظ على تكفيرهم.

ولكوننا نعايش شباب الثورة من خلال نقاشاتنا معهم على مواقع التواصل الاجتماعي تارة، وبشكل مباشر تارة أخرى، فإننا نرى أن هؤلاء الشباب يتجهون بقوة لخيارات العنف، ويرون أن قيادات التحالف والإخوان باتوا عقبة رئيسية تحول بينهم وبين إسقاط الانقلاب في أسرع وقت ممكن.

ولذلك تعتبر بعض الفصائل الثورية المصرية -ومن بينها عناصر شبابية تنتمي لجماعة الإخوان- شعار "سلميتنا أقوى من الرصاص" الذي أطلقه المرشد العام للإخوان الدكتور محمد بديع لم يعد يناسب المرحلة الحالية خصوصا وأن من أطلقه تم الحكم عليه بالإعدام شنقا حتى الموت.

وبالفعل ينتظر المرشد وعدد من رفاقه الآن استكمال إجراءات التقاضي أمام دوائر قضائية مسيسة قبل تنفيذ الحكم عليهم، ولذلك رفعت أعداد لا بأس بها من الثوار الآن شعارا مضادا لشعار فضيلة المرشد، وهو "سلميتنا أقوى بالرصاص"، وتولت تلك العناصر الثورية مطاردة رجال الأمن المتورطين في قتل الثوار والقصاص منهم.

ومن المبررات التي تسوقها العناصر الثورية التي قررت اللجوء للعنف، أن الأجهزة الأمنية باتت تقتلهم في بيوتهم، وتختطفهم من الشوارع وتصفيهم جسديا، وخلال العام الأخير قتلت تلك الأجهزة أكثر من مئتي ناشط تحت التعذيب وعبر منع العلاج في المعتقلات والسجون، وفق ما ذكرت تقارير منظمات حقوقية.

وقد وثقت تلك المنظمات -ومن بينها مؤسسة الكرامة في سويسرا– العشرات من حالات الاغتصاب للنساء والرجال والتعذيب والتصفيات الجسدية والقتل خارج إطار القانون.

وبناء عليه، فإن هؤلاء الشباب الثوريين يرفضون أن يضحوا بأرواحهم وأعراضهم بدون ثمن وهم يرفعون شعار السلمية حسب قولهم، ويرون أنه لا بد من مواجهتهم لهؤلاء القتلة.

إذاً ماذا يقول المرء لهم؟ المتابع لما يجري في مصر يرى كل التجاوزات المعادية للإنسانية، والتي تقضي على ما تبقى من كرامة للإنسان، وتنقض على حياة وعفة وطهر أكثر رجال وسيدات مصر إخلاصا ومحافظة على السلمية.

وعلى سبيل المثال كان آخر شهداء الوطن بسجون الانقلاب الشيخ عصام دربالة رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية الذي قتلوه برفض إدخال الدواء إليه في محبسه، وكان من أشد أنصار السلمية في مصر.

من مبررات العناصر الثورية التي قررت اللجوء للعنف، أن الأجهزة الأمنية تقتلهم في بيوتهم، وتختطفهم من الشوارع وتصفيهم جسديا، وخلال العام الأخير قتلت تلك الأجهزة أكثر من مئتي ناشط تحت التعذيب وعبر منع العلاج في المعتقلات والسجون، وفق مصادر حقوقية

ولا يستطيع أي محلل منصف أن يقول لشباب الثورة إن أجهزة الأمن تقتلهم بدم بارد خلال التظاهرات ضمن جهودها لحفظ الأمن، والعالم كله يشاهد قوات الأمن تقتلهم عن سبق إصرار وترصد للقضاء على الحراك السلمي، وتأمين عملية اغتصاب قادة المؤسسة العسكرية والأمنية للسلطة والثروة في مصر.

وفي ذات السياق نشير إلى أن الأمور وصلت بقادة الانقلاب لدرجة التنسيق العسكري مع الأجهزة الأمنية في تل أبيب لقتل المصريين من أبناء سيناء، وذلك عندما خرج على النظام العسكري بضع مئات منهم -تحت وطأة المظالم التي يتعرضون لها- رافعين السلاح ضد الأجهزة الأمنية المصرية.

وجراء ذلك تم اتهام هؤلاء الشباب بالإرهاب، وتطورت الأمور إلى قصف عشوائي لمنازل المواطنين والقرى والمدن وإزالة تلك المنازل وهدمها وقتل الأطفال والنساء والشيوخ وإحراق أشجار النخيل والتين والزيتون وبقية المزروعات.

بدورها استثمرت الدوائر الأمنية الإسرائيلية المواجهات التي تتم بين جيش الانقلاب والمواطنين المصريين في سيناء، وتنسيقها مع العناصر الأمنية المصرية.

لكي تقصف بصواريخها منازل من سبق وجاهدوا ضدها من بدو سيناء أيام احتلالها لهذا الإقليم بعد عام ١٩٦٧م، وتقتلهم وأولادهم، على مسمع ومرأى من الأجهزة الأمنية المصرية التي تتهمهم بالإرهاب وباتت تل أبيب هي الصديق والحليف والأقرب إلى قادة تلك الأجهزة.

ولذلك، نرى أن من اتهم أهل مثلث رفح العريش جبل الحلال في شمال سيناء بالإرهاب، وأسماه بمثلث الشر، وتحالف مع عدو مصر وأعلن الحرب عليهم بشتى أنواع الأسلحة، لاختيار طريق العنف للدفاع عن أنفسهم، لن يتردد لحظة واحدة في ضرب شباب الثورة وبنفس الأسلوب الذي ينتهجه بعض شباب منطقة شمال شرق سيناء، بل ويتحالف أيضا مع تل أبيب ومعسكرها لضربهم أيضا.

وبالطبع، بعدها سوف يتم اتهام العناصر الثورية التي لجأت للعنف بالإرهاب، وأنهم يستهدفون مصالح واشنطن وتل أبيب والغرب الأوروبي في المنطقة، وعندئذ تتساوى الرؤوس، ويصبح المقتول والقاتل سواء، وتضيع دماء شهداء الثورة ويتحول الحق إلى باطل، وتسيل الدماء من الطرفين.

وحينئذ ستجدها إسرائيل فرصة للإجهاز على أهم المنشآت الحيوية ببلادنا وعلى بنية الجيش، وربما تضيع مصر وتتفتت ويتفتت جيشها، وساعتها سيكون الخطر محدق بالمنطقة برمتها.

ونعتقد أنه في هذه الحالة لن ينظر أهل مصر للثورة وللثوار كما ينظر إليهم الآن بأنهم يواجهون انقلابا دمويا إرهابيا، إنما سينظر إليهم أنهم كانوا وبالا على استقرار الوطن، ويحملون مسؤولية ما حل به من دمار، وتنسى مذبحة رابعة وأخواتها بحق الثوار، وينسى معها انقلاب السيسي، وربما يعتقد أنه كان على حق.

وإذ نحث كل الشرفاء على التحرك من أجل وضع نهاية لهذا الانقلاب وإنقاذ الوطن وإرادة الشعب، نشدد على ضرورة التمسك بالخيار السلمي، والذي بفضله سيسقط الانقلاب، وسيبقى الأفضل لتحقيق أهداف الثورة مهما كانت التضحيات الناتجة عنه

أما العالم الغربي الضالع في الانقلاب والمخطط له والداعم فسوف يجدها فرصة لصب الزيت على النار من أجل تقسيم مصر والمنطقة، لأنه لا يضمر خيرا أبدا لا لمصر ولا لمحيطها الإقليمي.

وربما لكل تلك الأسباب رفع فضيلة المرشد محمد بديع شعار سلميتنا أقوى من الرصاص، وكان -فك الله أسره- مخلصا لوطنه ودينه في مواجهة إرهاب أهل الانقلاب. وحتى إن قتلوه فنحسب أن هذا الشعار قد وضعه في سجل الخالدين.

ولذلك السبب فإننا نحذر الكل بأن هذا الشعار يترنح بالفعل وباتت له حدود، بعد أن دخلت مصر حزام العنف، وإن كان ذلك قد حدث بشكل جزئي، في ظل مخطط من قبل قادة الانقلاب يتخذ من التصفيات الجسدية للثوار السلميين خيارا إستراتيجيا له، ويتجه ببلادنا نحو مسلسل إعدامات خطير، بعد أن وظف أهل الانقلاب القضاء لخدمة سياساتهم البغيضة.

وبناء على ما سبق فإن خروج الأوضاع في مصر عن سيطرة قادة التحالف والإخوان وتفجر العنف في كل مكان فيها أمر وارد جدا.

ونحن إذ نحث كل الشرفاء على التحرك من أجل وضع نهاية لهذا الانقلاب وإنقاذ الوطن وإرادة الشعب، نشدد على ضرورة التمسك بالخيار السلمي، والذي بفضله سيسقط الانقلاب إن شاء الله، ومهما كانت التضحيات الناتجة عن الخيار السلمي سيظل هذا الخيار هو أهم الخيارات وأقلها خسائر لتحقيق أهداف الثورة.

خصوصا مع توفر رغبة وإرادة غير مسبوقة لدى عناصر الشباب الثوري للجوء للعنف، وتغذي تلك الرغبة العنيفة لدى هؤلاء مؤسسة أمنية مصرية يسعى قادتها عن سبق إصرار وترصد الآن لجر عموم الثوار نحو حالة من الخراب المتعمد والفتنة والحرب الأهلية التي لا تخدم إلا مصالح أعداء مصر، ولن تطيل عمر الانقلاب كما يحلمون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.