المدارس والتغير الاجتماعي في باكستان

Girls carry their school bags as they walk along a road while heading to their school after it reopened in Peshawar January 12, 2015. Children streamed back to school across Pakistan on Monday in an anxious start to a new term following last month's massacre of 134 students at an army-run school in the volatile northwestern city of Peshawar. Most schools across the country of 180 million had been shut until Monday for an extended winter break in the aftermath of the Dec. 16 attack when Taliban militants broke into Army Public School and methodically killed the children. REUTERS/Khuram Parvez (PAKISTAN - Tags: EDUCATION CIVIL UNREST TPX IMAGES OF THE DAY)
رويترز

لا يمكن التقليل من أهمية التعليم وخاصة التعليم المدرسي. إن توسيع التعليم الابتدائي والثانوي غير مرتبط بالنمو الاقتصادي والقضاء على الفقر وتحسن المساواة في الدخل فحسب، ولكن يبدو أن التعليم أيضا مرتبط بشكل وثيق بالإثراء الاجتماعي والاندماج وتحسين الرأسمال البشري وزيادة الفرص وتعزيز الحرية والرعاية.

ولهذا السبب، وكرئيس لوزراء الباكستان، فقد وضعت حصول الجميع على التعليم على قمة أولويات الأجندة الوطنية.

إن التعليم يؤثر على الطريقة التي ينظر الناس بها إلى العالم من حولهم، وعلى كيفية فهمهم للقضايا وإيجاد الحلول لمشاكلهم، والتعليم يجعلهم أكثر إدراكا لحقوقهم وواجباتهم، ويؤثر على الطريقة التي يتفاعلون بها ضمن مجتمعاتهم ومع الدولة ومؤسساتها، وفوق ذلك كله فإن التعليم يمكّنهم من التفكير بطريقة نقدية والتشكيك بالأحكام المترسخة، مما يجعلهم يرتقون بأنفسهم فوق التحيز والخرافة والموروثات التاريخية المقيدة.

التعليم هو المفتاح لتحقيق الوعد الذي قطعته على نفسي عندما توليت مهام منصبي قبل عامين بإنشاء إطار جديد للتغير الاجتماعي في باكستان، وهو إطار يتحقق من تساوي الفرص والعدالة الاجتماعية للجميع ويوقف استغلال الفقراء ويعزز من إمكانياتهم

بهذا المعنى فإن التعليم هو محرك رئيس للتقدم الاجتماعي، وهو المفتاح لتحقيق الوعد الذي قطعته على نفسي عندما توليت مهام منصبي قبل عامين، وهو إنشاء إطار جديد للتغير الاجتماعي في باكستان، وهو إطار يتحقق من تساوي الفرص والعدالة الاجتماعية للجميع ويوقف استغلال الفقراء ويعزز من إمكانياتهم.

وبينما يقترب موعد قمة أوسلو للتعليم من أجل التنمية، ما زلت جادا فيما يتعلق بالتزامي بتأمين الحق بالتعليم العالي الجودة لكل طفل في باكستان وخاصة الفتيات واللواتي واجهن لفترة طويلة عوائق كبيرة فيما يتعلق بالتعليم، ولكن ما تزال هناك عقبات كبيرة تقف في وجه تحقيق ذلك الالتزام.

إن هناك حوالي ستة ملايين طفل باكستاني حاليا خارج المدرسة وغيرهم الكثير لا يتعلمون حتى أبسط مهارات الرياضيات والقراءة. إن نسبة الذين يتسربون من الدراسة عالية، وربما الأسوأ من ذلك كله أن الإرهابيين والمتطرفين يستهدفون المدارس ويفجرون المباني ويهددون المعلمين وخاصة في الجزء الشمالي من البلاد. وفي حادث مأساوي على وجه الخصوص في ديسمبر/كانون الأول الماضي، هاجم الإرهابيون طلابا صغارا ومعلمين في مدرسة في بيشاور.

أرغب الأن في التأكيد على الوعد الذي قطعته بعد الهجوم، وهو أن حكومتي لن تسمح بأن تصبح المدارس في الباكستان -وهي حيوية جدا لمستقبل البلاد- أهدافا للإرهاب. إن التعليم هو أهم استثمار يمكن أن نعمله في أغلى الأصول التي بحوزتنا -الأطفال- ولن نسمح حتى بأقل تهديد له.

إن حماية المدارس من المتطرفين اليوم سوف تساعد على وقف تصاعد التطرف غدا، ونظرا لمساهمة الجهل وانعدام الخيارات والحرمان الاجتماعي الاقتصادي في تصاعد التطرف في أجزاء من باكستان وأفغانستان، فإن التحقق من أن الأجيال القادمة لديها تعليم أفضل وقدرات أحسن وفرص أكثر يعني أن الجيل القادم لن يكون فريسة سهلة للمنظمات الإرهابية.

بالإضافة إلى المخاطرة بأن القليل قد ينجذبون للإرهاب، فإنه من المؤكد أنه لو فشلنا في تحقيق التزامنا بالتعليم للجميع فإن ملايين الأطفال سوف يعيشون حياة كلها فقر ومعاناة مع تحطم آمالهم وأحلامهم وإمكانياتهم، مما يقوض إمكانية التنمية في البلاد. إن أكثر من نصف الشعب الباكستاني هو تحت سن 25 سنة، وهو جيل لديه الإمكانية لتحريك التقدم والازدهار في البلاد بالطبع لو تلقوا التعليم الذي يستحقونه.

ونظرا لأنه من المستبعد أن تقود المقاربة القائمة على السوق الحرة إلى توفير التعليم بشكل عادل، فقد التزمت حكومتي بزيادة الموارد العامة المخصصة للتعليم، والتي زادت بالمعدل من 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي (من سنة 2004 إلى 2013) إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الثلاث التالية. إن مثل هذا التمويل سوف يدعم الخطوات اللازمة لتحقيق الوعد المنصوص عليه في دستور بلدنا، وهو أن الدولة سوف "توفر تعليما ثانويا مجانيا وإجباريا بأقل فترة ممكنة".

إن هذه الخطوات تتضمن التعاون مع الحكومات الإقليمية -والتي تتحمل المسؤولية الأساسية عن التعليم الابتدائي والثانوي في باكستان- من أجل صياغة خارطة طريق للالتحاق العالمي، علما بأنه من أجل تحسين نوعية التعليم والتعلم، نحن لا نعمل فقط على توسيع المرافق لتدريب المعلمين فحسب، ولكن أيضا لجذب المزيد من الناس الموهوبين إلى المهنة عن طريق الإقرار بخدمات المعلمين وتكريمهم، كما نقوم بالاستثمار في الحواسيب وغيرها من أدوات التعليم المتقدمة، وذلك للتحقق من أن بإمكان أطفالنا التنافس عالميا.

هناك حوالي ستة ملايين طفل باكستاني حاليا خارج المدرسة. كما أن نسبة الذين يتسربون من الدراسة عالية، وربما الأسوأ أن الإرهابيين والمتطرفين يستهدفون المدارس ويفجرون المباني ويهددون المعلمين، وخاصة في الجزء الشمالي من البلاد

لقد قمنا كذلك بإطلاق عدة مبادرات جديدة لتحسين القدرة على الوصول للتعليم، وإحدى تلك المبادرات هي برنامج البعثات الوطنية للمواهب والذي يمول التعليم للطلاب الفقراء.

أخيرا، نحن نقوم بتقوية الدعائم المؤسساتية لنظام التعليم في باكستان، فعلى سبيل المثل قمنا بإنشاء مجلس المناهج الوطنية والذي سوف يوحد المناهج المدرسية في طول البلاد وعرضها مع التحقق من أن تلك المناهج تتوافق مع المتطلبات الوطنية والمعايير الدولية. إن الإصلاحات على نظام الاختبارات سوف يتم إدخالها من أجل تكملة هذه الجهود.

إن تعهدي يتحول حاليا إلى عمل، ولكن حكومتي لا تستطيع تحقيق ذلك بمفردها، ومن أجل التغلب على التحديات التي نواجهها وتحقيق الوعد لأطفالنا، نحن بحاجة إلى دعم فعال من المجتمع الدولي.

لقد كان من المتوقع أن هدف التنمية المتمثل في توفير التعليم الابتدائي للجميع سيتحقق هذا العام، ولكن هذا لم يحصل، وعليه فإن اليوم هو الوقت المثالي من أجل أن يقوم العالم بتجديد التزامه بالتعليم.

يجب أن نتعامل مع أهداف التنمية المستدامة والتي تهدف إلى الاستمرار في العمل المرتبط بأهداف تنمية الألفية باتجاه واضح وشعور بالهدف وإرادة صلبة، ومن جانبنا قمنا بإنشاء وحدة أهداف التنمية المستدامة في وزارة التخطيط والتنمية والإصلاح لدينا، وذلك من أجل تنسيق إنجازها في الوقت المناسب. نحن نأمل أن بلدانا أخرى سوف تظهر الالتزام نفسه.

بالنسبة لباكستان، التعليم ليس أولوية فحسب بل سياسة ضرورية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.