استمرار الهجوم المصري على المقاومة الفلسطينية

اتهامات متواصلة لحماس بالتورط في الشأن المصري

النظام السياسي مسؤول
خطورة التحريض المصري
القضاء المصري يدخل على الخط

يجيب بعض المصريين عن الانتقادات الموجهة لمصر حول القرارات القضائية السريعة التي يصدرها القضاء المصري بشأن إرهاب حماس، بأن هذا قرار قضائي ولا يتحمل النظام السياسي وزره، حيث إن القضاء المصري مستقل ولا يتدخل فيه المستوى السياسي.

يقولون إن النظام السياسي المصري لا علاقة له بالأمر، وهو يسمع بأحكام القضاء عبر وسائل الإعلام كما يسمع الآخرون. ومن ثم يؤكدون -كما يؤكد النظام السياسي أحيانا- أن القضية الفلسطينية هي الشغل الشاغل للنظام المصري، ومصر حريصة على أشقائها الفلسطينيين كما يحرص الفلسطينيون على أنفسهم وأكثر.

ولا يغيب عن بالهم أن يمُنوا على الفلسطينيين التضحيات التي قدموها للقضية الفلسطينية ولشعب فلسطين. وشعب فلسطين يقول: رحم الله شهداء مصر ورحم كل الشهداء الذين سقطوا من أجل فلسطين؛ لكن النظام السياسي طالما أهدر دماء الشهداء لأنه لم يكن يصر على تحقيق إنجاز ملموس يعيد للفلسطينيين ولو جزءا يسيرا من حقوقهم.

النظام السياسي مسؤول
على مدى فترة طويلة والإعلام المصري يضخ كراهية وبغضاء في الشارع المصري ضد الشعب الفلسطيني وضد المقاومة الفلسطينية بالذات، والنظام المصري لا يحرك ساكنا. محطات تلفزة مصرية تبث السموم والبغضاء والكراهية ضد شعب فلسطين والنظام المصري يسمع ويرى ولا يحرك ساكنا. إن الصامت على الجريمة شريك في الجريمة، وهذا هو حال النظام المصري.

هناك من يقول إن الاتهامات موجهة ضد حماس وليس ضد الشعب الفلسطيني، وهذا كلام مردود أيضا وصاحبه لا يدري عمّ يتكلم. المقاومة الفلسطينية -التي تشكل حماس عمودها الفقري- هي الشعب الفلسطيني الذي لا يُعرف بالمطبعين وإنما بمقاومته وسلاحه

ربما يتذرع النظام بأنه ديمقراطي وهناك حرية إعلام في مصر ولا يتدخل فيما يقال ويذاع. وهذا مردود لأن السباب والشتائم لا تندرج تحت حرية التعبير. وما نسمعه من بعض قنوات وإذاعات مصر لا يشكل حرية تعبير وإنما إساءة إلى الآخرين عن سابق إصرار.

ومنذ فترة ينضم المستوى القضائي للمستوى الإعلامي في الإساءة المتعمدة إلى الشعب الفلسطيني والنظام السياسي يلوذ بالصمت الرهيب. أوروبا تحركت فكريا ومنطقيا وتحليليا عندما تعرضت لضغط عالمي لإعلان حماس منظمة إرهابية، لكنها في النهاية خرجت بإعلان يبرئ حماس من التهمة. أما النظام المصري فيقف متفرجا وكأنه سعيد بما يسمع.

هناك من يقول إن الاتهامات موجهة ضد حماس وليس ضد الشعب الفلسطيني، وهذا كلام مردود أيضا وصاحبه لا يدري عمّ يتكلم. المقاومة الفلسطينية -التي تشكل حماس عمودها الفقري- هي الشعب الفلسطيني لأن الشعب لا يُعرف إلا بالمقاومة. شعب فلسطين لا يعرف بأوسلو ولا بالتنسيق الأمني مع إسرائيل ولا بالمطبعين معها، وإنما يعرف بمقاومته وسلاحه الذي يواجه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.

هذه المقاومة هي التي وقفت في وجه إسرائيل في ثلاث حروب متتالية أعوام 2008/2009 و2012 و2014، وأثبتت شموخها وعظمتها في الدفاع عن شرف الأمة العربية جمعاء الذي مرغته إسرائيل في الأوحال عام 1967.

المقاومة الفلسطينية مقدسة، وهي أمل الشعب الفلسطيني في استرجاع حقوقه وصون عزته وكرامته، وكل من يهاجمها أو يستهتر بها إنما يهاجم شعب فلسطين ويستهتر به. ثم لا يجوز للمهزومين أن يتطاولو على المنتصرين، ولا يحق للذين يهربون من المعارك أن يلفقوا الأقاويل حول الذين يتلقون الرصاص بصدورهم ورؤوسهم.

حماس -التي لا تعجب الإعلام والقضاء المصرييْن- هي التي صدت العدوان عن غزة، وهي التي أذاقت الجيش البري الإسرائيلي جحيم القتال واضطرته للهرب من أرض المعركة. وليت هذا الإعلام يعلق على الجيش المصري الذي لا يتمكن من الدخول إلى سيناء إلا بإذن من إسرائيل. حماس تنتصر، ومصر تطلب إذنا من إسرائيل لإرسال جيشها لمحاربة الإرهابيين في سيناء.

خطورة التحريض المصري
يعمل الإعلام المصري وكذلك القضاء على تأجيج مشاعر الحقد والكراهية والبغضاء بين الشعبين المصري والفلسطيني، وهذا يشكل خطورة على مستوى الأمة العربية لأنه إعلام تفريقي وتمزيقي، ويرفع مستوى الفتن بين شعوب الأمة الواحدة. ماذا سيجني الإعلام المصري عندما تسود مشاعر الكراهية بين المصريين والفلسطينيين؟ ما هي الفوائد التي سيحصل عليها؟

مصر لن تستفيد من التشويه والتحريض والمستفيد الأول هم أعداء الأمة العربية من صهاينة وأميركيين الذين يسعون جاهدين على مدى السنوات لبث الفرقة بين العرب وإحداث الفتن والصراعات الداخلية. وبما أن الفائدة تعود على الأعداء، فإن الإعلام التحريضي والتشويهي لا يخدم إلا أعداء الأمة.

حماس -التي لا تعجب الإعلام والقضاء المصرييْن- هي التي صدت العدوان عن غزة، وهي التي أذاقت الجيش البري الإسرائيلي جحيم القتال واضطرته للهرب من أرض المعركة. وليت هذا الإعلام يعلق على الجيش المصري الذي لا يتمكن من الدخول إلى سيناء إلا بإذن من إسرائيل

لا أظن أن المحرضين والمشوهين غير واعين لهذه المسألة، إنهم يدركون نتائج سوء أعمالهم ويصرون على نشاطاتهم البغيضة خدمة لأعداء الأمة العربية وأعداء مصر بالتحديد. إنهم ليسوا ضد فلسطين فحسب وإنما هم ضد مصر أيضا التي لا تحتاج أعداء جددا ربما يوقعون بها إن زاد حجم الضغط الممارس عليهم.

في الوطن العربي، نحن علينا أن نسلك كل الطرق التي توحد ولا تمزق. بل علينا أن نواجه كل الانحرافات الفكرية التي يمكن أن تباعد العرب بعضهم عن بعض.

العرب عانوا كثيرا من تمزقهم وكلهم في النهاية دفعوا ثمن هذا التمزق، فهل نستمر في الجهالات التي تودي بمصيرنا ومصير الأجيال القادمة؟ على الإعلام المصري أن ينشغل بما هو مفيد بدل الانشغال بالترهات والإفساد.

لقد عملت الأنظمة العربية عبر السنين على تمزيق الشعوب على المستويين الداخلي والعربي، لأن لها مصلحة في الفتنة والتفريق لكي تبقى في سدة الحكم دون أن تقدر الشعوب على تحديها، ولا يجوز للإعلام أن يكون عونا لهذه الأنظمة على إفسادها. فالمفروض أن يتوجه الإعلام نحو خدمة قضايا الوحدة العربية لا أن يكون شريكا في التمزيق.

واضح أن أنظمة عربية عدة لا ترغب استمرارَ المقاومة في مواجهة إسرائيل، ولهذا وقفت عدة دول إلى جانب إسرائيل في حروبها ضد هذه المقاومة سواء الفلسطينية أو اللبنانية. المقاومة العربية الإسلامية تقض مضاجع الأنظمة لأن انتصارها هو هزيمة للأنظمة المتهاوية التي تقيم علاقات مع إسرائيل وتخضع لأوامر الولايات المتحدة.

العديد من الأنظمة العربية تتحالف الآن مع إسرائيل وتقدم لها خدمات أمنية حول المقاومتين اللبنانية والفلسطينية. هذا مفهوم من حيث إن إسرائيل معنية بالمحافظة على الأنظمة العربية بسبب فسادها وترهلها وعدم رغبتها في نهوض الأمة العربية ككل، أما المقاومة فتشكل خطرا على وجود هذه الأنظمة إن انتصرت. فأي فريق ستدعم الأنظمة: الذين يحافظون على وجودها أم أولئك الذين يمكن أن يقضوا عليها ولو بصورة غير مباشرة مستقبلا؟

إذا وضعت الأنظمة العربية مصالحها أمام انتصار المقاومة فإنها ستختار مصالحها، وستقف -لا مفر- إلى جانب إسرائيل. ولهذا تقف أنظمة عربية عدة ضد حماس وتمنعها من ممارسة نشاطاتها، وتمنع عنها الأموال وتشدد الخناق على قطاع غزة. الأنظمة العربية -وخاصة النظام المصري- شركاء أقوياء في الحصار على غزة، ولو كانوا قادرين على منع الهواء عن أهل غزة لفعلوا.

إسرائيل تعمل على القضاء على المقاومة في غزة، وكذلك تفعل الدول الاستعمارية الكبرى، وكذلك يفعل النظام المصري وسلطة أوسلو. إنه حصار متعدد الجوانب، والدول المعنية تتقاسم الوظائف في التضييق على الشعب الفلسطيني في غزة. ومفهوم أنهم يضيقون على الشعب في غزة من أجل أن يثور على حماس فيسقطها وتعود سلطة أوسلو إلى غزة.

وهذا بحد ذاته إرهاب لأنه يستعمل آلام الناس العاديين وأحزانهم من أجل تحقيق أهداف سياسية. إنهم يسببون لأهل غزة الآلام لكي يثوروا فتتحقق أمنياتهم في القضاء على المقاومة. أليس هذا هو التعريف الأميركي للإرهاب؟ الأميركيون يربطون الإرهاب بمعاناة المدنيين كوسيلة للابتزاز السياسي، وهذا عينه ما تقوم به مصر؛ فمن هو الإرهابي؟

القضاء المصري يدخل على الخط
يتغنى المصريون كثيرا بقضائهم، وقد رأينا هذا القضاء بأحكامه الخاصة بإعدام الناس بالجملة، ورأيناه في الحكم على حماس بالإرهاب خلال فترة وجيزة بدون براهين وأدلة وإثباتات.

الإدانة بالإرهاب تحتاج إلى مداولات طويلة وتمحيص وتدقيق وتحليل علمي قانوني، لكن يبدو أن القاضي المصري جاهل وأحمق ولا يستطيع التمييز ولا يضع مصلحة مصر في الاعتبار

أين هو القضاء المحترم الذي يحكم على الآلاف والمئات من المصريين بالإعدام دفعة واحدة؟ وأين هو القضاء العظيم الذي يسيء إلى شعب بأكمله دون الاستناد إلى شواهد ملموسة يمكن أن ترتقي إلى مستوى الإدانة؟ سبق لمحكمة الأمور المستعجلة المصرية أن قضت بأن حماس منظمة إرهابية، وهي تكررها الآن.

الإدانة بالإرهاب تحتاج إلى مداولات طويلة وتمحيص وتدقيق وتحليل علمي قانوني، لكن يبدو أن القاضي المصري جاهل وأحمق ولا يستطيع التمييز، ولا يضع مصلحة مصر في الاعتبار. قرار القاضي المصري ارتجالي وهوجائي ومزاجي وينم عن جهالة كبيرة.

لكن حماس تتحمل جزءا من المسؤولية؛ لقد أصيبت حماس بنوع من الهلع بعد انتهاء العدوان الصهيوني العسكري عام 2014، وذهبت تلهث وراء مصر والسلطة الفلسطينية وأميركا لإنقاذ غزة من الجوع والدمار. لقد أحنت حماس رقبتها كثيرا وأعطت المصريين والريماويين (سلطة رام الله) انطباعا بأنها متهاوية ويمكن إسقاطها.

لقد وافقت أن تكون مفاوضات إنهاء الحرب بالقاهرة، ووافقت على تسليم لحيتها لسلطة رام الله، فلا هي حصلت على أموال لدفع الرواتب، ولا هي أعادت الإعمار، وبقيت ماثلة تنتظر المعونات وخصومها يضحكون مستهزئين بها. هي تتحمل مسؤولية كبيرة في التطاول عليها، لأن المنتصر يجب أن يبقى رافع الرأس صلبا متماسكا لا ينحني أمام المحن، وحماس لم تفعل ذلك فطمع الآخرون بها.

للمرة الثانية يصدر القضاء المصري قرارات تمس شعب فلسطين وتوجه إليه تهمة خطيرة، والسلطة الفلسطينية لا تحرك ساكنا ولا تنبس بكلمة. والصامت شريك في الجريمة، والتهمة الموجهة إلى النظام السياسي المصري موجهة أيضا إلى سلطة رام الله الفلسطينية: الطرفان شركاء للقاضي في أحكامه.

أما الفصائل الفلسطينية فاكتفت بإصدار بيانات تنتقد وتدين قرار القضاء المصري، في حين كان يجب أن تخرج مسيرات في الشوارع الفلسطينية تندد بالقرار المصري، وتتوجه نحو الممثليات المصرية لتوجيه كتب الرفض والإدانة. لفلسطين الله سبحانه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.