أزمة اللاجئين الأفارقة لأوروبا.. خطأ التشخيص والمعالجة

ليبيا ترفض خطة أوروبية ضد شبكات الهجرة


قبيل قمة مالطا التي انعقدت مؤخرا بالعاصمة فاليتا، ربط وزير خارجية لوكسمبورغ يان أسلبورن إمكانية تفكّك الاتحاد الأوروبي بأزمة اللاجئين، وذلك إذا واصل سياسة الانغلاق بدلا من التعاون الداخلي والخارجي.

وما زالت إنجيلا ميركل تنصح بأنّه "لا يفيد الخوف من الغرباء"، ذلك الخوف الناشئ من تغيّر النظرة إلى اللاجئ، حيث كان يتم تقييمه بناء على ما تكبده من مشقة الوصول إلى الملاذ الآمن بحثا عن الحرية، والآن تلاشت هذه النظرة، رغم استمرار أسباب الهجرة نفسها، بل تفاقمت إلى الأسوأ، وأصبح كل لاجئ من وجهة نظر هذه الدول طامعا أو مخرّبا، وليس سوى فاشل من دولة فاشلة.

قد تصبح اتفاقية شنغن في مهب الريح، تلك الاتفاقية التي تمت في لوكسمبورغ عام 1985، والتي تشمل حاليا 26 دولة أوروبية، والخوف من تضعضعها يتضاعف خاصة أنّها تُعد الإنجاز الأكبر بالنسبة لقادة دول الاتحاد الأوروبي.

الأوروبيون لا يتوقفون كثيرا عند بحث أسباب موجات الهجرة واللجوء التي تتدفق على بلدانهم خاصة من أفريقيا، وحتى في قمة مالطا الأخيرة لم تكن هناك إشارة على قدر من الأهمية إلى ماهية الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة وكيفية معالجتها

قامت الاتفاقية على مبدأ التنقّل الحر عبر حدود الدول الموقّعة عليها لحاملي تأشيرة أيّ منها، وإلغاء عمليات المراقبة على الحدود الذي بات الآن محل مراجعة من بعض دول الاتحاد بعد تدفق اللاجئين.

ورغم سريان اتفاقية جنيف الخاصة بوضع اللاجئين، فإنه من الواضح أن دول الاتحاد لم تستوعب جميعها ثقافة القيم الإنسانية، فظهرت بشكل فاضح آراء ونشاط الأحزاب اليمينية التي تستغل موضوع الهجرة وتصوره كقنبلة موقوتة ستعمل على ضعضعة الاتحاد الأوروبي.

لا يتوقف الأوروبيون كثيرا عند بحث أسباب موجات الهجرة واللجوء التي تتدفق على بلدانهم خاصة من أفريقيا، وحتى في قمة مالطا الأخيرة لم تكن هناك إشارة على قدر من الأهمية إلى ماهية الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة وكيفية معالجتها.

واكتفى الأوروبيون في الجلسة الختامية للقمة بإطلاق صندوق بنحو 1.8 مليار يورو لمساعدة الدول الأفريقية على مواجهة استحقاقات الهجرة غير النظامية.

لو أدرك الاتحاد الأوروبي أنّ الأسباب العميقة للهجرة غير النظامية في أفريقيا هي مشكلة سياسات الدول الأفريقية، وبعضها عائد إلى ما ارتكبته بعض الدول الأوروبية من مظالم تاريخية في القارة، لوفّرت عليها الأموال التي تعتزم تقديمها كمساعدة لأفريقيا، والتي ستذروها رياح الفساد قبل أن تصل إلى أيدي مستحقيها.

ومع أنّ هذا الصندوق الائتماني يقدّم مساعدة طارئة، فإنّه لن يعالج المشكلة الرئيسية في أفريقيا، وهي مشكلة التنمية وما يتفرّع منها من جهل ومرض وفقر، وسياسات الحكم، وما يتعلق بها من عنف وفساد سياسي وديكتاتورية وقمع للحريات.

لا تخرج الهجرة عن أسبابها المعروفة وهي الحروب المتواصلة والصراع على الحكم، والديكتاتورية في أغلب الدول الأفريقية، ثم الفساد على كل المستويات.

من المعروف أن أفريقيا الفقيرة التي تتلقى الإعانات الأممية تزخر بثروات طبيعية هائلة، ولكن المشكلة في أنّ إنسان القارة جُرّد من حقوقه الإنسانية ليتربى على القهر وتلقي الإعانات، وترسّخت في عقله الباطن سمات العجز وقلة الحيلة من تغيير أنظمة الحكم المتسلطة.

هذه المعالجة تبذلها دول الاتحاد الأوروبي لدرء مشاكلها مع المهاجرين عبر البحر المتوسط، ولكن لن يكون فيها شفاءٌ لشقاء القارة السمراء من مرارات وجراح الماضي الاستعماري البغيض. وموقف هؤلاء المهاجرين ليس أحسن حالا من المهاجرين غير النظاميين من كل بلاد الدنيا، ولكن يزيد من سوء أحوالهم أنّ الدول التي يتجهون صوبها -بوصفها فردوسا مفقودا- لا تعط أولوية لحماية حياتهم وحفظ كرامتهم الإنسانية.

  أفريقيا الفقيرة التي تتلقى الإعانات الأممية تزخر بثروات طبيعية هائلة، ولكن المشكلة في أنّ إنسان القارة جُرّد من حقوقه الإنسانية ليتربى على القهر وتلقي الإعانات، وترسّخت في عقله الباطن سمات العجز وقلة الحيلة من تغيير أنظمة الحكم المتسلطة

والمعروف أن ظاهرة اللجوء في أفريقيا بدأت منذ الاستعمار، ونشطت مع حركات النضال الوطني، واستمرت بعد الاستقلال لانعدام الاستقرار السياسي وتفاقم الحروب والصراعات الداخلية والحروب الأهلية.

لم تعالج الأسباب التقليدية المعروفة للهجرة في أفريقيا، ولكن زادت عليها أسباب أخرى تتعلق بعامل العولمة كمؤثر مهم في عملية التحولات السياسية والاقتصادية، وهذه التحولات فتحت اقتصاد السوق الحر، وكفّت يد الدولة عن رعاية برامج التنمية على قلّتها، فقضت على خدمات الصحة والتعليم ونظم الرعاية الاجتماعية، لأنّ أغلب دول القارة عندما خرجت من الاستعمار تبنت العقيدة الاشتراكية، وبعد زوال الاشتراكية في دارها في تسعينيات القرن الماضي بانهيار الاتحاد السوفياتي، تمسّكت بقبضتها السياسية وتخلت عنها اقتصاديا.

هذه الأسباب جميعها أدت إلى تضاعف أعداد الباحثين عن حرية وحياة كريمة، حينا في دول الجوار ذات الظروف المشابهة التي لا تمثّل خيارا أفضل، ثم الانطلاق في مخاطرة الوصول إلى فرودس القارة الأوروبية عبر البحر المتوسط.

ومع تفاقم هذه الظاهرة، فقد كان الاتحاد الأوروبي في بدايات هذا العام على أهبة الاستعداد لاتخاذ قرار بشأن عملية عسكرية في البحر المتوسط ضد تهريب المهاجرين، في اتجاهات متعددة.

ما ظهر في الواجهة هو اتجاه إنساني يسعى لإنقاذ هؤلاء المهاجرين من غدر البحر بتكثيف الحملة والأموال لتحمل أعباء الآلاف منهم. وفي هذا الاتجاه الإنساني رأيان: الأول أنّ دول الاتحاد الأوروبي تتحرك إزاء هؤلاء المهاجرين وفقا للمواثيق الدولية لمراعاة حقوق الإنسان، ملبية ضغوط تيار من الرأي العام داخل هذه الدول ينادي بضرورة تقديم العون.

أما الرأي الثاني فهو ما حذّر منه مسؤولو الأمم المتحدة من أنّ إجراءات التحكم في حركة الهجرة غير النظامية دون وجود حلول لها، من شأنها أن تسفر عن مزيد من المخاطر والتجاوزات التي يتعرض لها المهاجرون واللاجئون، وأنّ ما كان واضحا وقتها عكس ضيق صدر هذه الدول بمعالجة الأزمة حتى وهي في عرض البحر، وأنّ نشوءها من الأساس كان بسبب عدم التعاطف.

وهناك اتجاه أمني يحرّكه استشعار الخوف من هؤلاء الآتين من مناطق النزاعات والصراعات بأزماتهم وخلفياتهم السياسية والدينية والثقافية، التي قد تكون تخريبية في كثير من الأحوال، حسب ما يعتقد هؤلاء.

بالتوازي مع ذلك، هناك اتجاه سياسي ينحو إلى الموازنة بين سياسات دول الاتحاد المنقسمة بين تيارات شعبية بعضها رافض والآخر متعاطف مع المهاجرين، وبين سياسة العلاقات الدولية التي تحرص دول على أن تظهر بأفضل ما يكون.

ومن هذه الاتجاهات التي تحرّك الاتحاد الأوروبي لإيجاد حل لمشكلة المهاجرين الاتجاه الأخلاقي الوصائي، حيث تقف أوروبا تجاه أفريقيا موقفا أخلاقيا وتاريخيا نتيجة استعمارها دول القارة. فلا يمكن النظر إلى علاقة أفريقيا بدول الاتحاد الأوروبي بمعزل عن مرارات الماضي التي لعبت فيها أوروبا الدور الأعظم، فأروبا بوصفها التاريخي مستعمِرة لأفريقيا، لا يحق أن تسأل الآن عن فشل دول القارة في الإبقاء على بنيها داخل أوطانهم.

الزعيم الأفريقي الراحل نيلسون مانديلا يرى أنّ المال لن يصنع النجاح، إنّما الحريّة لإنتاج المال هي التي تصنع النجاح، و"الحرية" هي كلمة السر التي لا تريد أوروبا مواجهتها بوصفها المسؤولة الأولى عن ضياعها في أفريقيا

ورغم تعدد الاتجاهات والدوافع فما زال الأوروبيون عاجزين عن مواجهة الأسباب والظروف الفعلية التي تدفع الآلاف، وربما عشرات الآلاف، سنويا إلى مغادرة أوطانهم وتجشم عناء المخاطر والمصاعب للوصول إلى أوروبا.

ولا تمثّل تلك الصناديق التي يتم الإعلان عنها بهدف المساعدات في كبح جماح الهجرة واللجوء إلى أوروبا غير علاج تسكيني سرعان ما يزول بنضوب هذا المورد الذي لا أتوقع أن يستمر نظرا للأزمة الاقتصادية التي تمر بها دول الاتحاد الأوروبي نفسها، خاصة أنّ مفوضية اللاجئين أكدت أنّ وعود المساهمات من قبل الدول الأعضاء لم تتجاوز حتى الآن 78 مليون يورو، تضاف إلى المبلغ المخصص على مستوى الاتحاد.

كما لا تمثّل الحلول التقليدية مثل إغلاق الحدود وتعقيد إجراءات التنقل غير عبء إضافي على أوروبا لأنّها ستحدّ من حركة السياحة التي تشكّل موردا اقتصاديا مهما، كما أنّ البرلمان الأوروبي صوّت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي على تعزيز وكالة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الحدود (فرونتيكس)، وتخصيص أكثر من أربعمئة مليون يورو لدعمها وبقية الوكالات الأوروبية الناشطة في مجال مراقبة الحدود الأوروبية، وتلك الخاصة بالتعامل مع أزمة الهجرة واللجوء.

وتلك حلول تتعلق بالجانب الأوروبي، أما الحل على مستوى القارة الأفريقية فالواضح أنه "يكمن في البرامج الوطنية الجادة والشاملة، وفي إنهاء الصراعات الداخلية في الدول"، حسب ما قال الزعيم الأفريقي الراحل نيلسون مانديلا.

وفي رأيه أيضا أنّ المال لن يصنع النجاح، إنّما الحريّة لإنتاج المال هي التي تصنع النجاح، و"الحرية" هي كلمة السر التي لا تريد أوروبا مواجهتها بوصفها المسؤولة الأولى عن ضياعها في أفريقيا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.