روسيا في سوريا.. الأهداف والقدرات والنتائج

A serviceman carries ammunition next to Sukhoi Su-25 jet fighters during a drill at the Russian southern Stavropol region, March 12, 2015. Russia has started military exercises in the country's south, as well as in Georgia's breakaway regions of South Ossetia and Abkhazia and in Crimea, annexed from Ukraine last year, news agency RIA reported on Thursday, citing Russia's Defence Ministry. REUTERS/Eduard Korniyenko (RUSSIA - Tags: POLITICS CIVIL UNREST MILITARY)
رويترز

من المعلوم أن الحضور العسكري في سوريا سبق هذا التدخل العسكري والميداني بسنوات، فروسيا كانت قبل الأزمة الحالية تزود سوريا بالأسلحة والذخائر، فضلا عن الدعم السياسي والدبلوماسي، وتزودها بالخبراء الذين قدر عددهم في مرحلة معينة بأكثر من 1000 خبير.

الجديد هنا هو حجم ونوع المساعدات العسكرية للجيش السوري، وزيادة الوجود العسكري الروسي ومناطق وجوده، وبدء عمليات قصف جوي غير مسبوقة، والإعلان عن ذلك من قبل الرئيس الروسي نفسه.

بداية لا بد من التساؤل: لماذا هذا التدخل العسكري الروسي المعلن والسافر في سوريا؟ ولماذا الآن خاصة؟

إن لاهتمام روسيا بالشأن السوري أسبابا عدة، فالحضور في المياه الدافئة (البحر المتوسط) كان دائما حلما روسيا من أيام القياصرة، وبعد أن كان للاتحاد السوفياتي عدة مواطئ قدم في منطقة الشرق الأوسط في العقود الثلاثة التي سبقت انهياره، من مصر إلى عدن، مرورا بليبيا والعراق وسوريا. لم يبق حاليا إلا سوريا. وتحديدا الساحل السوري.

وكان واضحا أن الرئيس فلاديمير بوتين كان يهيئ لهذا التدخل حين قال إن هنالك حوالي 3000 مقاتل إسلامي منخرط في التنظيمات الإرهابية في سوريا، من تنظيم الدولة إلى النصرة إلى أجناد القوقاز، وغيرهم، أتوا من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، والاتحاد الروسي ويشكلون خطرا جديا على الأمن القومي الروسي.

اهتمام روسيا بسوريا يعود لأسباب مختلفة، منها أن الرغبة في استمرار الحضور في المياه الدافئة (البحر المتوسط) كانت دائما حلما روسيا من أيام القياصرة. وبعد أن كان لها عدة مواطئ قدم في المنطقة قبل انهيار الاتحاد السوفياتي لم يبق حاليا إلا سوريا

إن التدخل العسكري الروسي يرمي إلى تحقيق أهداف وغايات سياسية واقتصادية، ويوجه رسالة سياسية إلى من يهمه الأمر، بأن روسيا لا تتخلى عن حلفائها. وربما رسالة اقتصادية لإعادة تلميع صورة السلاح الروسي وتسويقه.

فالسلاح الروسي الذي زود به العرب منذ خمسة عقود هُزم أمام السلاح الأميركي الذي زودت به إسرائيل في المعارك الجوية والأرضية في أكثر من حرب، وأكثر من مواجهة. وقد أدى -مثلا- إسقاط أكثر من 50 طائرة سورية فوق الأجواء اللبنانية السورية وفي يوم واحد، في عدوان 1982 على لبنان، إلى ضعف الثقة بهذا السلاح، وقدراته القتالية.

وقد رأينا في حينه كعسكريين أن السبب الرئيسي لهذا الإخفاق هو أن موسكو كانت دائما تزود حلفاءها بالطائرات والدبابات، من الجيل الماضي والذي قبله وليس الأخير، والعكس صحيح بخصوص السلاح الأميركي المقدم لإسرائيل.

وعندما أعلنت روسيا أنها قررت تزويد سوريا بطائرات الميغ 31 وهي من الجيل الأخير كما غيرها من الطوافات M24 وقاذفات سوخوي 34، بدا واضحا أن هناك سياسة غير مسبوقة تتبعها موسكو.

والآن ما حجم الوجود العسكري الروسي في سوريا؟ وأين هو جغرافيا؟ وإلام يرمي ويهدف؟ وماذا حقق حتى تاريخه؟ أسئلة تطرح بجدية، ونحاول الإجابة عليها.

يتمثل الوجود العسكري الروسي في سوريا حاليا بأكثر من 24 قاذفة سوخوي من أنواع 34 و30 و24، وحوالي 26 طائرة مقاتلة، وقاذفة في آن من أنواع ميغ 29 وميغ 31، بالإضافة إلى طائرات الهليكوبتر M24 وM28 (الصياد) الأكثر تطورا.

ولدى الروس طائرة هيلكوبتر من نوع ALEGETOR (التمساح) وهي توازي "الأباتشي" الأميركية وصل سرب منها قبل بداية هذا الشهر إلى مطار اللاذقية، بالإضافة إلى أسلحة متطورة للقتال على الأرض بعضها صواريخ مضادة للدروع منها RPG 15، RPG16، وكورنيت وغيرها، ناهيك عن الوجود البحري المكثف.

اتخذت القوات الروسية الجوية مربطا لها في مطار "باسل الأسد" العسكري في اللاذقية. الذي تتشارك باستخدامه مع القوات الجوية السورية. وقد جهزت قاعدة "حميميم" الجوية في "جبلة" على الساحل السوري لتصبح قاعدة جوية روسية بامتياز، ويتراوح عدد الطيارين والسدنة والفنيين بين 1000 و1500 ضابط وجندي يضاف إليهم 3 سرايا من قوات النخبة الخاصة للحماية، يقارب عددها الـ500 عنصر. دون أن ننسى ان عدد الخبراء الروس في سوريا تضاعف ليصل إلى حوالي 3000 خبير منتشرين في مواقع الجيش السوري في العاصمة والساحل والمنطقة الوسطى.
قال الروس منذ البداية إنهم أتوا إلى سوريا لقتال المجموعات الإرهابية كافة. وليس فقط لقتال تنظيم الدولة كما قالوا إنهم جاؤوا لدعم النظام السوري ومنع انهياره.

يتمثل الوجود العسكري الروسي في سوريا حاليا بأكثر من 24 قاذفة سوخوي من أنواع 34 و30 و24، وحوالي 26 طائرة مقاتلة، وقاذفة في آن من أنواع ميغ 29 وميغ 31، بالإضافة إلى طائرات الهليكوبتر M24 و M28 (الصياد) الأكثر تطورا

بدأت العمليات الجوية الروسية يوم الأربعاء 30 سبتمبر/أيلول الماضي، وتركزت الضربات الجوية في المنطقة الوسطى، ريف حمص الشمالي وريف حماة الشرقي والشمالي و"جسر الشغور" في محافظة إدلب. ثم توسعت حتى مساء السبت في 3 أكتوبر/تشرين الأول لتصل خلال 72 ساعة إلى 60 غارة، منها عشر غارات على الرقة.

يقول الروس إنهم حققوا نتائج فعالة بتدمير مراكز قيادة وسيطرة ومخازن وأسلحة وذخائر وقواعد لوجستية، سواء بتنظيم الدولة في الرقة ودير الزور أو التنظيمات الأخرى في المنطقة الوسطى، مما دفعها إلى التواري وتغيير المواقع وانسحاب بعضها إلى أقصى الشمال بمقربة من الحدود التركية.

أما لماذا استهدف الطيران الروسي مسلحي المعارضة تحديدا بنسبة كبيرة من غاراته؟ فالجميع يعلم أن الأولويات المطلقة للنظام وبالتالي لموسكو هي العاصمة دمشق والساحل السوري، والطريق بينهما وهي المنطقة الوسطى وتحديدا حمص وإدلب وحماة وسهل الغاب. وقد خسر بها النظام الكثير من المواقع الاستراتيجية خصوصا عندما سقطت إدلب بإنجاز عسكري ضخم حققه جيش الفتح. وتبعه سقوط مدينة "جسر الشغور" إحدى بوابات الساحل السوري التي لا تبعد على مدينة اللاذقية أكثر من 50 كلم.

وقد أعقب ذلك سقوط مطار أبو الظهور العسكري، ثم تساقطت الصواريخ إثر ذلك مرة بعد أخرى على مدينة اللاذقية، وباتت مهددة بالاختراق جديا. وقلنا في حينه إنه لا يمكن للجيش السوري أن يستمر في موقع الدفاع على حدود اللاذقية، ولا بد من هجوم معاكس، ولم يتسن له ذلك حتى تاريخه، لضعف القدرات العسكرية.

جاء الطيران الروسي ليمهد لهذا الأمر. ويعتقد المراقبون، ونحن منهم، أن التحضير لهجوم بري لاستعادة إدلب ومن ثم شمالي حمص، (تلبيسة والرستن) قائم على قدم وساق، بحيث سيشارك فيه بالإضافة إلى الجيش السوري مليشيا الدفاع الوطني وعناصر من حزب الله، وربما قوات إيرانية في الحرس الثوري، قيل إن طلائعها وصلت بعدة مئات، رغم نفي إيران، مع توقع استمرار وتكثيف الغارات الجوية الروسية على تلك المنطقة قبل انطلاق العمليات البرية وخلالها.

والواقع أن الوجود العسكري الروسي، كما ونوعا، هو قابل للازدياد، وقد حدد الروس فترة مئة يوم لعملياتهم العسكرية، قابلة للتجديد. ويهدفون ليس فقط إلى منع خسارة الجيش السوري للمزيد من المواقع، بل لتوسيع الرقعة الجغرافية لسيطرة قوات النظام وحلفائه دون أي تدخل في المعارك البرية مباشرة، لا على المدى القريب ولا المتوسط، فهل تحقق روسيا أهدافها؟

الواقع أن روسيا حققت حتى الآن استراتيجيا ما يلي:
– منع انطلاق أي عمليات عسكرية محتملة ضد النظام السوري من الخارج، سواء من تركيا أو من التحالف الدولي أو من الأطلسي.

– أحدثت نوعا من "الغمامة" في الأجواء السورية، فحيدت إسرائيل عن الأجواء السورية. ونسقت مع دول التحالف بإعلامها بمواعيد غاراتها، عبر غرفة عمليات بغداد، كما فرضت التنسيق معها قبل أي غارة للتحالف، تجنبا لأي إشكال أو حادث جوي، يمكن أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.

– أعلمت أميركا عبر الرئيس بوتين شخصيا بأن التوافق الذي تم معها منذ أكثر من عام على عدم السماح بتدمير البنى الأساسية للدولة السورية وأهمها الجيش، وعدم تكرار ما حصل في العراق لم تلتزم به أميركا عمليا، وبدأ الجيش السوري يفقد الكثير من قدراته، وأن الحفاظ على النظام ومنع انهياره قبل إيجاد البديل هو قرار روسي غير قابل للنقاش.

وخلاصة القول أن التدخل الروسي جاء، كما يرى الكثيرون، لتحريك المياه الراكدة في المستنقع السوري وإحداث اختراق في حلقة مفرغة، بعد فشل أميركا والتحالف الدولي بتحقيق أي نجاح دراماتيكي في خطة الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية خلال عام، وفشلها في الإعداد لأي حل سياسي، واشتراطها أولا تنحي الأسد، ثم العودة عن هذا الشرط.

جاء التدخل الروسي، كما يرى الكثيرون، لتحريك المياه الراكدة في المستنقع السوري وإحداث اختراق في حلقة مفرغة، بعد فشل أميركا والتحالف الدولي بتحقيق أي نجاح دراماتيكي في خطة الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية خلال عام

وقد أعلنت روسيا، وأبلغت أميركا وفرنسا مؤخرا، أنها مع الحل السياسي في سوريا، لكن عبر حكومة انتقالية يسبقها وقف لإطلاق النار، يمكن لموسكو وإيران إقناع أو إلزام النظام السوري به، فهل تستطيع أميركا وتركيا وحلفاؤهما إلزام المعارضة السورية، باستثناء تنظيم الدولة، به؟ إذا كان الجواب نعم، فإن العد العكسي لإنهاء الحرب في سوريا يمكن أن يبدأ، مع التأكيد بأن أي غياب لرأس النظام السوري فورا ودون بديل يعني تقسيم سوريا. وتمسي سوريا ربما باستثناء الساحل ساحة حرب لسنوات يكون تنظيم الدولة الإسلامية أكبر النافذين فيها. فهل تنجح موسكو في تحقيق أهدافها المعلنة؟ أم أن تدخلها في الرمال السورية المتحركة يعد تورطا؟

لا يمكن الجزم أو القفز فوق الأحداث، لأن الأمور مرهونة بالتطورات الميدانية والتغيرات السياسية، وأي حدث أو حادث دراماتيكي يمكن أن يحصل خلال المئة يوم من التدخل الروسي، سواء داخل النظام السوري، أو فوق الأجواء السورية، يمكن أن يخلط الأوراق من جديد وتفاجأ المنطقة بواقع غير منتظر.

ثم إن الأحداث والتطورات تتلاحق، فبعد أن أعلنت موسكو أنها لن تشترك بالمعارك البرية، بدأنا نسمع عن متطوعين روس يتحضرون للقتال إلى جانب الجيش السوري. ولكن من يستطيع أن يجزم بأنهم "متطوعون"؟ أوليس هذا انغماسا في المستنقع السوري؟

صحيح أن المقارنة بين حرب الروس في أفغانستان وحربهم في سوريا ليست واردة، لاعتبارات متعددة، منها أن الفصائل الجهادية في أفغانستان لم تكن بهذا التعدد وهذا التنافر الذي عليه الحال في سوريا. ولكن ماذا لو توحد أكثر من 41 من الفصائل السورية المعارضة التي دعت إلى تشكيل "حلف إقليمي بوجه الروس والإيرانيين"؟ وماذا سيكون عليه الحال لو زودت هذه الفصائل بسلاح مضاد للطائرات؟

صحيح أيضا أن حادث الاختراق الروسي للأجواء التركية والذي تم احتواؤه على ما يظهر لن يسبب حربا بين الدولتين، ولكن من يضمن أنه لن يتكرر، ولن يلاقي ردا؟ بعد أن قال رجب طيب أردوغان إنه "ضاق ذرعا وعيل صبرا". وما موقف الولايات المتحدة عندئذ؟

وأخيرا.. إذا كان بوتين هو من يحكم روسيا فلا يمكن القول بأن باراك أوباما هو وحده من يحكم أميركا.. ثم إن أوباما ذاهب بعد وقت قريب، ولا نعتقد أن بوتين في صدد إعداد حقائبه وجمع أوراقه الخاصة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.