العبادي.. المهمة العسيرة

Former parliament speaker Osama al-Nujaifi (C) speaks during a press conference by members of Sunni political bloc ‘Muttahidoon’ after the first session of the Iraqi Parliament, in Baghdad, Iraq, 01 July 2014. Iraqi lawmakers met briefly on 01 July for their first session since parliament was elected in April, but failed to agree on potential candidates for the parliament speaker position.
وكالة الأنباء الأوروبية

 
بعد مخاض عسير، وجولات سرية وعلنية، سيعلن رئيس الحكومة العراقية الخامسة المكلف حيدر العبادي تشكيلته الوزارية خلال الأيام القليلة القادمة، لتبدأ بذلك حكومة زعيم جديد، لكنه من ذات المدرسة التي تخرج منها زعيم الحكومتين السابقتين، نوري المالكي، مدرسة حزب الدعوة الإسلامية.

وفي خضم هذه التطورات، تتبادر إلى الذهن العديد من الأسئلة، ومنها: هل إن حكومة السيد العبادي ستسير في طريق مليء بالزهور، بعيدا عن حقيقة المشهد العراقي المربك بالانفجارات اليومية، وعمليات الاختطاف المنظمة، والانهيار شبه التام في المنظومة الأمنية، وخروج أكثر من ثلاث محافظات عن سيطرة بغداد؛ أم إن هذه الحكومة ستواجهها عقبات كبيرة، ستجعلها في عداد الحكومات الأربع الفاشلة السابقة، التي لم تلب مطالب العراقيين وطموحاتهم؟!

لا خلاف بين المتابعين للشأن العراقي أن مهمة العبادي لن تكون سهلة، وستواجه الرجل العديد من المطبات الظاهرة والخفية، وهنا سنحاول وفقا لدراسة الواقع العراقي أن نذكر بعض العقبات، أو الصعوبات المتوقعة في مسار حكومة العبادي، ومنها:

– إرث الحكومات السابقة
المتابعون للحكومات العراقية الأربع السابقة يعرفون أن أداء هذه الحكومات -وخصوصا خلال السنوات الثماني الماضية من عمر حكومتي نوري المالكي الثالثة والرابعة- كان هشا، ويجزمون أن التركة التي خلفها المالكي للعبادي ثقيلة ومعقدة، ولا يمكن فك ألغازها بسهولة، لأنها تسببت عبر أجندتها الطائفية الإقصائية بتدمير حلم دولة المواطن، أو المواطنة، البعيدة عن الدين والمذهب والعرق.

لا خلاف بين المتابعين للشأن العراقي أن مهمة العبادي لن تكون سهلة، وستواجه الرجل العديد من المطبات الظاهرة والخفية، وهنا سنحاول وفقا لدراسة الواقع العراقي أن نذكر بعض العقبات أو الصعوبات المتوقعة في مسار حكومة العبادي

والسؤال الذي يثار هنا: هل سيتمكن العبادي من تكوين فريق عمل حكومي عابر للطائفية والحزبية، وهل سيجمع حوله نخبة من المستشارين المهنيين لإعانته في مهمته الشاقة؟

الشيء الذي ربما يجعل بعض المتابعين يتخوفون -أو على الأقل لا يتفاءلون- هو تخوفهم من استمرار ذات المنظومة السابقة، التي كانت تحيط بالمالكي في إدارة البلاد، وعليه فهم لا يتوقعون تغيرا واضحا في سياسة العبادي الداخلية والخارجية، ويتوقعون أن تستمر الأوضاع المربكة في عموم الساحة العراقية.

– سطوة التحالف الوطني
رئيس الحكومة المكلف هو أحد قيادات حزب الدعوة، وهذا الحزب جزء مهم وفعال من عناصر التحالف الوطني العراقي (الشيعي)، وصاحب الأغلبية البرلمانية اليوم، وهذا يجعلنا نظن -وربما نجزم أحيانا- أن سياسات العبادي المستقبلية لا يمكن أن تخرج عن الإطار العام للتحالف، الذي له سياسات أُثيرت حولها العديد من الإشكاليات، ومنها امتلاك غالبية مكوناته لمليشيات خارج نطاق القانون، وكذلك سعيهم لتقريب أنصارهم في وظائف الدولة الحساسة، وبالتحديد في الأجهزة الأمنية، والسلك الدبلوماسي، وكل هذه الملفات الشائكة تعد مطبات كبيرة، لا يمكن للعبادي تجاهلها، ولا حتى القضاء عليها بسهولة، لأن من يملكون السطوة في هذه الملفات هم قيادات بارزة، وقوية من ناحية العدة والعدد.

– الشركاء المشاكسون
لا تخلو السياسة في كل زمان ومكان من مشاكسات، وحكومة العبادي اليوم تعاني -باعترافه- من ضغوطات بعض شركائه الهادفة لتحقيق مكاسب، أسماها العبادي (مكاسب الوقت الضائع)، وهو ما دفع العبادي للتهديد بتشكيل حكومة أغلبية بعيدا عن شركائه، الذين يريدون الضغط عليه، من" أجل تحقيق مكاسب أكثر". وللتذكير فإن حكومة الأغلبية، هي فكرة رئيس الحكومة السابقة نوري المالكي، وهذا يعني أن تهديد العبادي فيه تلميح لإمكانية الذهاب لحكومة الأغلبية، وطبعا هذا التلميح لا يبشر بخير.

المشاكسة في السياسة، ربما تكون محمودة ونافعة، وذلك حينما تكون قائمة على أُسس قانونية ودستورية؛ وتكون عبثية إن كانت لمجرد الاعتراض، وأعتقد أن شركاء العبادي يمكنهم أن يكونوا شركاء "مشاكسون نافعون" إن هم أحسنوا اللعب في ظل الربكة الحالية والمتمثلة بتغاضي الحكومة عن ملفات ساخنة متعلقة بالفساد المالي والإداري والأمني.

والعبادي هنا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما العمل على بناء دولة تنظمها القوانين الفاعلة، وبذلك يحسم المعركة، أو انتهاج أسلوب المالكي في تجاهل هذه القوى، والعمل بفردية ودكتاتورية، وإن فعل ذلك، فإنه سيطلق رصاصة الرحمة على حكومته الناشئة على اعتبار أن مرحلة تجاهل الشركاء -التي كان يتبعها المالكي قد انتهت- وذلك بسبب الضغوطات الدولية والإقليمية الداعية لتشكيل حكومة تمثل جميع أبناء الطيف العراقي.

– الشرخ المجتمعي
سياسات الحكومات السابقة أسست لأرضية اجتماعية رخوة، وغياب الدولة ونحر روح المواطنة تسببتا بشرخ في الحياة الاجتماعية، وذلك بعد أن استمرت سياسات الحكومة الطائفية في عموم حياة العراقيين.

سياسات الحكومات السابقة أسست لأرضية اجتماعية رخوة، وغياب الدولة ونحر روح المواطنة تسببا بشرخ في الحياة الاجتماعية، وذلك بعد أن استمرت سياسات الحكومة الطائفية في عموم حياة العراقيين

ومن الأهمية بمكان، أن نؤكد على أن هذا الشرخ الاجتماعي يمكن علاجه، وهو لم يصل لمديات يمكن معها الوصول إلى مرحلة الحرب الأهلية، لا قدر الله، بل أظن أن هذا الشرخ -رغم وضوحه- ما زال في مراحله الأولى، لأن غالبية العراقيين يعتقدون جازمين أن الحكومات التي سلطت عليهم بعد عام 2003، كانت حكومات "غير مخلصة"، أغفلت جرائم المليشيات، وفشلت في إدارة الدولة بعيدا، ضمن روح المواطنة.

كل هذه الأسباب وغيرها، هي التي تسببت بهذا الشرخ الاجتماعي. عموما هذه الإشكالية يمكن القضاء عليها ببسط هيبة الدولة والقانون في عموم المشهد العراقي، وحينها يمكن أن تُعاد اللحمة الاجتماعية، لأن العراقيين من الشعوب التي عرفت بصفائها ونقائها، وابتعادها عن سياسة الحقد والانتقام.

– الفساد المالي والإداري
ما يذكر الفساد المالي والإداري اليوم في العالم إلا ويذكر العراق من ضمن أول ثلاث، أو خمس دول، وهذه الحقيقة أكدتها منظمات مختصة دولية وإقليمية، بل حتى محلية عراقية.

وآفة الفساد المالي والإداري تعد من الصعوبات المتفشية التي يفترض بالعبادي تجاوزها، وذلك بإنهاء مهزلة المحسوبية والتعيينات في المناصب الحساسة وفقا للولاء الحزبي، وليس وفقا للمهنية، وكذلك بإصدار قوانين جادة وحازمة رادعة لكل من تسول له نفسه العبث بالمال العام.

أظن أن العبادي إن عمل على هذه الخطوة الجريئة سيجد فيها دعما شعبيا وإقليميا، بل حتى دوليا، لأن الخلاص من الفساد هو اللبنة المتينة في سبيل بناء الدولة العراقية، ولا أعتقد أن أحدا -عدا الفاسدين- سيقف ضد هذه الإرادة الحكومية في القضاء على الفساد المالي والإداري.

– تغول المليشيات
لا شك أن المليشيات اليوم صارت ظاهرة واضحة في غالبية المدن العراقية، وذلك بسبب تواطؤ أكثرية قادة وعناصر الأجهزة الأمنية الحكومية أحيانا، وهشاشة هذه الأجهزة في أحيان أخرى.

انتشار المليشيات هو مصدر قلق لكل مسؤول "صادق" في العراق، والسؤال الذي يثار هنا: هل سيُبقي العبادي على هذه المليشيات المرتبطة بغالبية قوى التحالف الوطني، وهم الذين أوصلوه لسدة الحكم، أم أنه سيفتح النار على حلفاء الأمس، من أجل غد مشرق للعراقيين؟!

أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال ليست هينة، ولا أظن أن العبادي يمتلك تلك السطوة التي تمكنه من دحر المليشيات، لأن هذه المليشيات متغولة ومنتشرة اليوم في غالبية المشهد العراقي، وأظن أنه إن سعى بصدق للقضاء على هذه العصابات فإنه سيجد دعما شعبيا وإقليميا وخارجيا كبيرا، وبالمحصلة يمكن أن يُنقذ العراق من هذه الآفة الخبيثة.

– استمرار الحرب الحكومية على بعض المدن العراقية
لا شك أن أهم العقبات التي تواجه العبادي اليوم هي استمرار الثورة الشعبية في الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالى وبعض مناطق حزام بغداد، والتي انطلقت منذ بداية العام الحالي، وما زالت مستمرة حتى اللحظة.

لا شك أن المليشيات اليوم صارت ظاهرة واضحة في غالبية المدن العراقية، وذلك بسبب تواطؤ أكثرية قادة وعناصر الأجهزة الأمنية الحكومية أحيانا، وهشاشة هذه الأجهزة في أحيان أخرى

هذه الثورة، طالبت بمطالب دستورية وشرعية، إلا أن حكومة المالكي السابقة نجحت إلى حد ما في تشويه صورة هذه الثورة، واعتبار كل هؤلاء هم من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وهذا الكلام غير دقيق، ويعلم العبادي -قبل غيره- حقيقة أن هنالك ثورة شعبية، ولا يمكن نكران أن داعش هي جزء من عموم المشهد الحالي في هذه المحافظات الثائرة، لكنها ليست الجزء الأكبر.

وعليه ينبغي على العبادي أن يعمل على إطفاء هذه النار، وذلك بتلبية غالبية مطالب أبناء هذه المحافظات، وذلك كعربون مهم في بناء أرضية صلبة للمصالحة الوطنية.

– المصالحة الوطنية
من أهم اللبنات الأساسية لإرساء الأمن في بلاد الرافدين الرغبة الجادة في تنظيم مصالحة وطنية، وذلك بالعمل على لمِّ شمل القوى المعارضة للعمل السياسي بعد عام 2003، ولقاء قادة المجتمع في داخل العراق وخارجه، والتأسيس لمؤتمر عام في داخل الوطن، تكون قراراته ملزمة للجميع، وهذا المؤتمر يفتح الباب على مصراعيه للتعايش السلمي، والتفاعل من أجل غد مشرق، مليء بالعدل والإنصاف، وبناء دولة المواطنة التي لا تميز بين المواطنين وفقا لأي اعتبار سوى المواطنة.

أخيرا أعتقد أن الحكومة -إن حاولت العمل على تطبيق هذه الخطوات الجادة وغيرها- يمكن أن تؤسس لبناء عراق جديد لكل العراقيين، وهذا ما ينتظره الجميع بفارغ الصبر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.