الجزيرة في قلب الحدث

شبكة الجزيرة

مواقف ضد الجزيرة
انتقادات مشروعة
بدون الجزيرة
كلمة واجبة

منذ انطلاق قناة الجزيرة الفضائية في نوفمبر/تشرين الثاني 1996 كقناة إخبارية عربية وهي تتعرض لانتقادات واعتداءات وإدانات من قبل الأنظمة العربية وأحيانا الغربية، وصلت حد استهداف مكاتبها بشكل مباشر في أكثر من دولة.

لم يرق للأنظمة القائمة وجود منبر إعلامي لا يخضع لرقابتهم، ويفسح المجال لأصوات حرة معارضة لتلك الأنظمة، أو نقل أخبار محددة وفي أغلب الأحيان ميدانية وموثقة عن ممارسات تلك الأنظمة ضد شعوبها.

لا نبالغ إن قلنا أنه لم يبق نظام عربي لم يقاطع أو يمنع أو يحارب الجزيرة في مرحلة من المراحل، كل بحسب التغطية التي تخصه، حيث وجدت الأنظمة -أو ظنت- أن الجزيرة هي الحلقة الأضعف التي يمكن أن تلومها وتعلق عليها مشاكلها.

استمرت تغطية الجزيرة وتوسعت شبكة مراسليها، وازدادت حالات العداء والاستهداف، والتي بلغت ذروتها مع بداية الربيع العربي في تونس أواخر العام 2010.

مواقف ضد الجزيرة
كانت البدايات بعد سنوات قليلة على بدء بث الجزيرة، فقد تعرضت الجزيرة للعديد من حالات الاستهداف، منها: الجزائر 1999، والولايات المتحدة 2001 و2003، والسعودية 2002، والبحرين 2002 والسلطة الفلسطينية 2006 و2009 و2014، وبريطانيا 2010، ومصر، وتونس، وليبيا، وسوريا 2011.

لا نبالغ إن قلنا إنه لم يبق نظام عربي لم يمنع أو يقاطع أو يحارب الجزيرة في مرحلة من المراحل، كل بحسب التغطية التي تخصه، حيث وجدت الأنظمة -أو ظنت- أن الجزيرة هي الحلقة الأضعف التي يمكن أن تلومها وتعلق عليها مشاكلها

لم يقتصر الأمر على البيانات أو إغلاق المكاتب بل تعداه لاستهداف مباشر (كابل وبغداد وليبيا)، واغتيالات (طارق أيوب وعلي الجابر)، وملاحقة الصحفيين (تيسير علوني وسامي الحاج)، ورفع القضايا في المحاكم (بريطانيا والأردن) وحوربت الجزيرة بكل الوسائل والطرق وفي كل مكان.

إلا أن هذا العداء اتخذ منحنى مختلفا منذ العام 2011 باتهام الجزيرة (وقطر) بالمشاركة المباشرة والفاعلة في نشر الفوضى والفتنة، وسارعت الأنظمة التي ثارت شعوبها عليها بإصدار البيانات وتخصيص برامج في إذاعاتها الرسمية للتهجم على الجزيرة، بل وصل الأمر لنشر ما أسموه أدلة على تورط الجزيرة في نشر المخدرات وحبوب الهلوسة (سوريا وليبيا)، أو التجسس لصالح طرف دون آخر.

افتتح البرلمان التونسي تلك المرحلة في اجتماعه بتاريخ 29/12/2010 حيث "دان البرلمان التونسي ما وصفه بالحملات الإعلامية المغرضة التي تشنها قناة الجزيرة القطرية بهدف تشويه سمعة تونس خلال تغطيتها لأحداث سيدي بوزيد، في وسط غرب البلاد، معربا عن بالغ الاستياء من الحملات الإعلامية المغرضة التي تشنها قناة الجزيرة بهدف تشويه سمعة تونس وبث روح الحقد والبغضاء وتوظيف مجريات الأحداث لغايات مشبوهة واختلاق الاستنتاجات المضللة والمزاعم الواهية (…) والمغالطة الرامية إلى بث الفوضى وزعزعة الاستقرار والتشكيك في المنجز في البلاد".

وسرعان ما انتقلت العدوى لمصر لتصبح الجزيرة في يناير/كانون الثاني، وفبراير/شباط 2011 العدو الأول لنظام مبارك وإعلامه، مع مطالب بإغلاق المكاتب وسحب الرخص وطرد العاملين واقتحام المقرات وغيرها من الممارسات التي توقفت لفترة قصيرة وعاودت الظهور من جديد وبشكل أكثر شراسة بعد الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013، وصولا لاعتقال ومحاكمة طاقم الجزيرة هناك وإصدار أحكام جائرة ضده.

ليبيا لم تكن استثناء، المظاهرات سُيّرت لتهتف "يا جزيرة يا حقيرة قائدنا ما نبو غيرا"، وخصصت حلقات وحلقات لفضح مؤامرة الجزيرة على "الجماهيرية العظمى".

أما النظام في سوريا فقد طوّر الأمر لمؤامرة ميدانية وتهريب أسلحة وتجنيد مقاتلين، وبناء أستوديوهات في قطر تماثل حمص أو حلب للادعاء بوجود مظاهرات، ليستمر في ذلك النهج حتى يومنا هذا.

وفي كل ما سبق لم يتوان وزراء ومسؤولو تلك الدول عن التصريحات المباشرة والعلنية ضد قناة الجزيرة وتغطيتها.

التطور الملفت أن تلك العدوى انتقلت للاحتلال الإسرائيلي مع تصريحات ليبرمان الأخيرة وفي معرض تبرير العدوان على قطاع غزة، والتي اعتبر فيها أن الجزيرة منحازة وغير مهنية وتساهم في تشويه صورة "إسرائيل" مطالبا بسحب الترخيص وإغلاق مكاتبها ومنعها من التغطية.

انتقادات مشروعة
ربما كانت أكثر تلك الانتقادات شيوعا وتكرارا فتح منبر الجزيرة لقادة الاحتلال الإسرائيلي للحديث وطرح وجهة نظرهم، وإدخالهم بأسمائهم وصفاتهم للبيوت العربية.

وهو انتقاد مشروع وله ما يبرره ويتشارك كثيرون هذا الرأي، لكن ما يخفف من تأثيره ووطأته الدور المميز لمقدمي النشرات الإخبارية والمذيعين في تفنيد الرواية الإسرائيلية للأحداث وإحراج المتحدثين وفضحهم وإخراجهم في كثير من الأحيان بمظهر الكاذب المراوغ، وهو ما زاد من كراهية المشاهد العربي لهم، وعدم تصديق أي من رواياتهم.

ومع مشروعية هذا الانتقاد، إلا أن بعض الأصوات العربية اليوم هي أكثر صهيونية من قادة الاحتلال، وما يقولونه وينشرونه أكثر ضررا وفداحة من متحدث إسرائيلي رسمي واضح لا يختلف عليه اثنان، مقابل من يتكلم بلسان عربي لكنه يبث سموما قاتلة لا تخدم إلا صف الأعداء.

لنتخيل ولو للحظات لو لم تنطلق الجزيرة ولم تكن مواكبة لأحداث المنطقة، لنتصور غيابها عن التغطية في مراحل فاصلة غيرت شكل المنطقة، لنقارن بين أداء الجزيرة ومهنيتها في قضايا الأمة وبين نظيراتها

وبكل أسف فإن هؤلاء يزدادون ظهورا وصلفا خاصة في مصر بعد الانقلاب، وفي بعض دول الخليج مع بدء العدوان على غزة بداية شهر رمضان، حتى باتوا يعلنون وبشكل مباشر تأييدهم للاحتلال وتمنياتهم بانتصاره على المقاومة التي يشوهون صورتها ويجرمونها.

أما الانتقاد الآخر الذي يكرره البعض فهو وجود الجزيرة في قطر التي تستضيف قاعدة أميركية ليست بعيدة عن مقرها، وبرأيهم فإن هذا يجعلها أداة في خدمة الأهداف الأميركية والأجندة الغربية المعادية للعرب بشكل عام.

بنظرة فاحصة لطبيعة العلاقة بين قناة الجزيرة والولايات المتحدة الأميركية تحديدا، يمكن وبسهولة تفنيد هذا الادعاء دون الدخول في قرارات ومواقف قطر كدولة، وهذا بعضها:

– 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2001، وأثناء الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001، دمرت ضربة صاروخية أميركية مكتب قناة الجزيرة في كابل. ولم تقع خسائر في الأرواح.

– وفى التحضير لغزو العراق عام 2003، استأجرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مجموعة ريندون لاستهداف وربما معاقبة صحفيي الجزيرة, واعتبرت القناة معادية للولايات المتحدة، وتحرض على العنف. وهذا الرأي تردد على نطاق واسع فى جميع أنحاء الولايات المتحدة ووسائل الإعلام، ونشرت الـBBC في حينها تقريراً عن الجزيرة ومعاداة الأميركيين لها بتاريخ 29/3/2003.

– الاثنين 24 مارس/آذار 2003، بعد وقت قصير من بدء الغزو، ألغت بورصة نيويورك وثائق تفويض اثنين من مراسلي قناة الجزيرة كانوا يغطون بورصة نيويورك من قاعة تداولها إلى أجل غير مسمى. وقال المتحدث باسم بورصة نيويورك، راي بيبيشيا إن ذلك تم "لأسباب أمنية".

– أبريل/نيسان 2003 ضرب صاروخ أميركي مكتب قناة الجزيرة في بغداد، مما أسفر عن مقتل المراسل طارق أيوب وإصابة آخر. أبلغت قناة الجزيرة قبل الحادث مكتب الولايات المتحدة لتحديد الإحداثيات من أجل تجنب التعرض لنيران القوات الأميركية.

– 30 يناير/كانون الثاني 2005، أفادت نيويورك تايمز بأن حكومة قطر، تحت ضغط من إدارة بوش، كانت تفكر في خطط لبيع المحطة إلا أنه لم يتم بيع المحطة، وليس واضحا ما إذا كانت لا تزال هناك أي خطط للقيام بذلك.

– 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2005، نشرت جريدة ديلي ميرور البريطانية قصة قالت فيها إنها حصلت على مذكرة سربت من 10 داوننغ ستريت تقول إن الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش قد فكر في قصف مقر قناة الجزيرة في الدوحة في أبريل/نيسان 2004، عندما كانت قوات المارينز الأميركية تجري عمليات هجومية على الفلوجة.

– اعتقل مصور قناة الجزيرة سامي الحاج سوداني الجنسية، أثناء العبور إلى أفغانستان في ديسمبر/كانون الأول 2001 وحتى مايو/أيار 2008، وحبس دون تهمة، ووصف بأنه "مقاتل عدو" في معسكر دلتا في خليج غوانتانامو، وأعلن محامي سامي الحاج كلايف ستافورد سميث أنه خلال (125 من 130) مقابلة، سأل مسؤولون أميركيون سامي إذا ما كانت الجزيرة واجهة لتنظيم القاعدة.

بدون الجزيرة
لنتخيل ولو للحظات لو لم تنطلق الجزيرة ولم تكن مواكبة لأحداث المنطقة، لنتصور غياب الجزيرة عن التغطية في مراحل فاصلة غيرت شكل المنطقة إيجابيا، لنقارن بين أداء الجزيرة ومهنيتها في قضايا الأمة وبين بعض القنوات الأخرى التي ظهرت فقط لتنافس الجزيرة وتقضي عليها، وفشلت حتى اللحظة.

في هذه المقارنة والتصور نذكّر من قد نسي ببعض تلك الوقفات المضيئة:

– لبنان 2006، والتغطية المميزة للعدوان الإسرائيلي على لبنان، وهي تغطية للحدث لا تضارعها أية تغطية.

– حرب الفرقان غزة 2008، كانت الجزيرة وحدها دون غيرها من ينقل جرائم الاحتلال، حتى أصبحت تقاريرها شواهد إثبات على تلك الجرائم خاصة استخدام الفوسفور الأبيض، لو لم تكن الجزيرة هناك لذبحت غزة دون أن يسمع أحد صوتها.

– تغطية الربيع التونسي في ديسمبر/كانون الأول 2010، حيث كانت الجزيرة وحدها دون غيرها ولثلاثة أسابيع متواصلة تنقل أحداث سيدي بوزيد.

– مصر في يناير/كانون الثاني 2011، وقد كنت في أستديوهات الجزيرة في الدوحة يوم 25/1/2011 عندما تم التعميم بقطع كل البرامج ونقل التطورات في مصر على مدار الساعة، حتى تنحي مبارك بعد 18 يوما، حين شكر الجميع الجزيرة لموقفها وتغطيتها لينقلبوا عليها بعد ذلك.

– استطاعت الجزيرة في مارس/آذار 2011، -وبعد أن حوّلت كل ناشط في سوريا لمراسل لها- كشف المجازر والجرائم التي ارتكبها وما زال النظام السوري ضد أبناء شعبه هناك، خاصة في الأشهر الستة الأولى، وقبل أن يلجأ الشعب السوري لحمل السلاح دفاعا عن نفسه.

– مواكبة أحداث مصر وإطلاق قناة خاصة (الجزيرة مباشر مصر) والتي كان لها الدور الأكبر في امتناع معظم دول العالم عن الاعتراف بشرعية الانقلاب العسكري هناك، وإدانة المنظمات الحقوقية حول العالم للمذابح المستمرة بحق أبناء الشعب المصري.

الجزيرة جاءت في وقت ومرحلة هامة، واستطاعت أن تكون عين المشاهد وأذنه لنقل الحدث والحقيقة، ولتقف مع الشعوب العربية وتطلعاتها دون استثناء، وإن كانت الأنظمة قد انزعجت فإن الشعوب قد ابتهجت

– العدوان الأخير على غزة والذي ما زال مستمرا، وتغطية الجزيرة المتميزة مرة أخرى، والتي استدعت حالة التحريض المباشر من قبل أفيغدور ليبرمان وزير خارجية الاحتلال.
تخيلوا لو لم تكن الجزيرة في تلك المحطات وغيرها.

كلمة واجبة
من يهاجم الجزيرة وتغطيتها اليوم يربط ذلك بموقفها من الثورات العربية، وإفشالها للثورات المضادة التي تقودها بعض دول المنطقة، أي بمعنى آخر انحياز الجزيرة للشعوب العربية وقضاياها، وهو ما يعتبرونه عدم حيادية ولا مهنية.

نتساءل هل كانت قناة الـBBC البريطانية محايدة إبان حرب الفوكلاند/المالفيناس، أو الـCNN في تغطيتها لهجمات 11/9 والحرب في أفغانستان؟

عندما يتعلق الأمر بقضايا وطنية وقومية فإن الانحياز لقضايا الأمة هو قمة المهنية والتناغم مع النفس، هو الشفافية المطلقة، لأنه لا يمكن أن تقف الجزيرة أو غيرها على الحياد في قضايا الأمة، وهذا لا يعني مطلقا أنها تنحاز لطرف دون آخر، لكنها تعمل على نقل الحقيقة كما هي، وهذا في حد ذاته انحياز للحق، وليس مطلوبا إلا نقل الحقيقة مجردة كما هي.

الجزيرة جاءت في وقت ومرحلة هامة، واستطاعت أن تكون عين المشاهد وأذنه لنقل الحدث والحقيقة، ولتقف مع الشعوب العربية وتطلعاتها دون استثناء، وإن كانت الأنظمة قد انزعجت فإن الشعوب قد ابتهجت. شكرا للجزيرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.