الحرب الإسرائيلية في سيناء

Smoke rises as a house is blown up during a military operation by Egyptian security forces in the Egyptian city of Rafah, near the border with southern Gaza Strip November 6, 2014. At Egypt's border with the Gaza Strip, families are emptying their homes - lugging mattresses and furniture onto waiting vans as soldiers look on from armoured cars. In nine villages along the frontier, 680 houses - homes to 1,165 families - are being razed to seal off smugglers' tunnels and try to crush a militant insurgency in northern Sinai that has intensified since the army overthrew President Mohamed Mursi of the Muslim Brotherhood 16 months ago. REUTERS/Ibraheem Abu Mustafa (GAZA - Tags: POLITICS CIVIL UNREST)
رويترز

قال شهود عيان لنا من أبناء سيناء إن طائرات أسموها بـ"الزنانة" (الطائرات من دون طيار)، تظهر عليها بوضوح نجمة داود وعلم ما تسمى بـ"إسرائيل"، كثفت من استهدافها منازل مواطنين مصريين في منطقة شمال شرق سيناء.

وأكد برلماني سابق لنا من أبناء هذه المنطقة، أن التنسيق بين الأجهزة الأمنية المصرية والإسرائيلية وصل مستوى غير مسبوق، وأن قتل الأبرياء من أبناء سيناء يتم من دون هوادة أو رحمة تحت ستار مكافحة الإرهاب.

ونفى الناشط السيناوي عيد رحومة أية علاقة بين من تتم مهاجمتهم من قبل السلطات الأمنية المصرية وقتلهم بدم بارد من المدنيين الأبرياء، وبين الإرهاب المزعوم، مشيرا إلى أن من يمارسون القتل ضد أهل سيناء الآن هم من يرهبون القرى والبلدات الآمنة بطائراتهم المتعددة الأنواع.

وتتهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي قبيلة السواركة المصرية -التي تتخذ من منطقة شرق ووسط سيناء مستقرا لها- بالإرهاب، واستهدف الجيشين المصري والإسرائيلي، وإيواء عناصر من غزة.

يفتخر أبناء قبيلة السواركة بأنهم يسكنون في أكناف بيت المقدس، وأنهم متدينون بطبعهم، ويحلمون بتحرير المسجد الأقصى، ويرفضون التنسيق الأمني ضدهم بين السلطات الحاكمة في كل من القاهرة و"تل أبيب"

هذه الاتهامات تنفيها تلك القبيلة، وتؤكد أن السلطات الحاكمة بالقاهرة تهمشها، وتتحالف ضدها مع "إسرائيل"، وأن لها مطالب تنموية واقتصادية وحقا في الحياة، وتلك المطالب لا يستجيب له المعنيون بالأمر في القاهرة، على الرغم من علمهم بها.

وتقول القبيلة إن قوات الأمن المصرية تعتقل أبناءها وتقتلهم وتلفق لهم الاتهامات مرضاة لتل أبيب، وتستهين بتقاليد القبيلة وعاداتها خلال الحملات الأمنية.

ويفتخر أبناء هذه القبيلة بأنهم يسكنون في أكناف بيت المقدس، وأنهم متدينون بطبعهم، ويحلمون بتحرير المسجد الأقصى، ويرفضون التنسيق الأمني ضدهم بين السلطات الحاكمة في كل من القاهرة و"تل أبيب".

وقبيلة السواركة من أكبر قبائل سيناء، وتتكون من ١٣ عشيرة أو عائلة، وتعتقد الأجهزة الأمنية المصرية والإسرائيلية أن جماعة السلفية "الجهادية المتشددة"، المطالبة بتحرير فلسطين وتطبيق الشريعة الإسلامية، تنتمي لتلك القبيلة، وأنها وراء العمليات التي تستهدف مظاهر سيادة الدولة المصرية على سيناء.

وفي معرض توضيحها لحقيقة التنسيق الأمني بين السلطات الحاكمة بالقاهرة وإسرائيل، على سبيل المثال لا الحصر، بثت وكالة أنباء "سيناء ٢٤" المحلية صورة لمنزل قالت إنه يقع في منطقة "نجع شبانه" برفح المصرية، ويملكه المواطن أحمد ناصر أبو فريح، وقالت إن طائرة أسمتها بالزنانة، تظهر عليها بوضوح نجمة داود الإسرائيلية، قصفته بصاروخين، وهو ما أدى لمصرع ١٢ مواطنا سيناويا غالبيتهم أطفال ونساء من أصحاب المنزل وجيرانهم.

وروى شهود عيان ما حدث بالقول: "إن الصاروخ الأول نجا منه جميع من في المنزل، أما الصاروخ الثاني فجاء بنفس أسلوب قصف الإسرائيليين لأهالي غزة، حيث تجمع الأهالي والجيران ومن في المنطقة للاطمئنان على الأسرة، فباغتتهم الزنانة بإطلاقه نحوهم، وهو ما أسفر عن وقوع الكثير من الضحايا وغالبيتهم من النساء والأطفال".

وفي تطور آخر أكثر دموية بثت نفس الوكالة نبأ يشير إلى أن: "طائرة إسرائيلية من دون طيار قصفت منتصف ليل الأربعاء ١٩/١١/٢٠١٤ منزلا يعود للمواطن نايف سليمان سالمان (43 عاما) من قرية المقاطعة بشرق سيناء، ودمرته بشكل كامل وأصابت ربّ الأسرة و10 أفراد من عائلته".

في حين منعت السلطات العسكرية المصرية وصول إسعافات لنقل الجرحى والمصابين عقب الحادث مباشرة، وانتظرت ساعات عدة بعد الانفجار مما فاقم من معاناة المصابين ومن بينهم أطفال ونساء.

وأكد شهود العيان أن صاحب المنزل -الذي تم قصفه- مواطن بسيط وليس له أي انتماء سياسي. وهو ما يشير بوضوح إلى أن الهدف تهجير السكان وإرهابهم وطردهم من الأماكن التي يعيشون فيها، وذلك لصالح المخططات الإسرائيلية التي تستهدف اقتطاع جزء من سيناء في أية تسوية مقبلة.

وعلى الرغم من تكرار الاعتداءات الإسرائيلية على المصريين في سيناء، فإنه في أعقاب كل اعتداء يخرج علينا المتحدث العسكري المصري دون حياء أو خجل لينفي عن تل أبيب قيامها بتلك الأفعال، ويزعم أن طائرات أباتشي مصرية أميركية الصنع هي التي نفذت تلك العمليات ضد أهل سيناء، متهما من نفذت ضدهم الاعتداءات كذبا بممارسة الإرهاب.

يعني ذلك أن من حق الجيش المصري أن يستخدم الطائرات في قتل المواطنين، فذلك بات أمرا طبيعيا وقانونيا في مرحلة ما بعد الانقلاب، ومن ثم يكفي أن ينفي التهمة عن إسرائيل لكي تمر الجريمة من دون رادع، والمتحدث العسكري مخطئ، وعليه أن يعلم مع رفاقه أن مثل تلك الجرائم لن تسقط بالتقادم.

لم تتوقف قوات الأمن المصرية عند هدم البيوت على رؤوس سكانها، وتقطيع الأشجار وإحراق الممتلكات، وإنما قامت أيضا بردم ٤٥ بئرا للمياه بالصحراء, واعتقال الكثير من شباب المنطقة، بينما لم يتم اعتقال العناصر التكفيرية لأن الأمن يستخدمها لتشويه أبناء سيناء

مع العلم أن أهل منطقة شرق سيناء يعرفون جيدا الطائرات الزنانة الإسرائيلية، لأنهم كانوا يشاهدونها وهي تعربد فوقهم، في طريقها لقصف قطاع غزة.

وتتهم قبيلة السواركة قوات الأمن الإسرائيلية بالدخول إلى سيناء واختطاف ٢٥ شابا من أبنائها، وتتجاهل السلطات المصرية هذا الأمر، وتمتنع عن مطالبة "إسرائيل" بإطلاقهم.

وتشير المعلومات التي تلقيتها من شهود عيان ومن سكان منطقة شرق سيناء، إلى أنه نتيجة للاعتداءات الوحشية التي استهدفت تلك المنطقة، وأماكن تمركز أبناء قبيلة السواركة، فإن قرى ونجوعا وتجمعات سكانية، تمت إبادتها بالكامل ومحوها من على الخريطة، تقع جنوبي رفح والشيخ زويد، ومن أهمها قرية الفتات، وهو ما يعتبر أقذر أنواع جرائم الحرب ضد السكان المدنيين المسالمين.

ومن المؤلم أن قوات الأمن المصرية لم تتوقف عند هدم البيوت على رؤوس سكانها، وتقطيع الأشجار وإحراق الممتلكات، وإنما قامت أيضا بردم ٤٥ بئرا للمياه بالصحراء واعتقال الكثير من شباب المنطقة، بينما لم يتم اعتقال العناصر التكفيرية، لأن الأمن يستخدمها لتشويه أبناء سيناء المطالبين بحقهم في الحياة والعيش الكريم.

وإذا كانت سلطات الحكم في القاهرة تتبنى منذ حدوث الانقلاب في الثالث من يوليو/تموز ٢٠١٣ إستراتيجية توريط الجيش المصري في مواجهات عسكرية خارج الحدود، تنفيذا لأجندة أجنبية لا ناقة فيها لمصر ولا جمل، فإن إرسال تلك القوات إلى خارج الوطن يتم في سرية، ومن دون الإعلان عن هذا الأمر، والذي يكتشفه المصريون صدفة عندما يتعرض الجنود والضباط للموت أو الأسر.

ومن الواضح أن قادة الانقلاب في القاهرة باتوا بالفعل يعتبرون الجيش دولة داخل الدولة، ويكفي أن تتم مناقشة هذا الأمر داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وفي ظل غياب الدور الرقابي والتشريعي لعدم وجود مؤسسة برلمانية.

وأبرز دليل على ما نقول هو توريط عناصر من الجيش المصري في الصراع الأهلي بجنوب السودان، وتلك العناصر لم يُعلم عن وجودها المصريون هناك، إلا بعد أن نشرت الصحف السودانية صور تلك العناصر وأسماءهم في الأسر لدى عناصر التمرد التي تقاتل قوات جنوب السودان الحكومية.

وتردد في ليبيا أن عناصر من الجيش المصري تم إرسالها إلى هناك للقتال إلى جانب قوات الجنرال حفتر، ونشرت المواقع الليبية أسماء من يقتلون منهم.

واخيرا أرسل الانقلابيون -كما قالت صحيفة العربي الجديد- مؤخرا قوات إلى الإمارات. ويبدو أن الجيش المصري تحول إلى جيش من المرتزقة على أيدي الانقلابيين يخدم لدى من يدفع له.

بيد أن الأخطر من كل ذلك على الإطلاق هو التنسيق الأمني مع إسرائيل في سيناء، وهو كارثي بالمعنى الحرفي للكلمة، فالجهاديون الذين يتم استهدافهم وينعتون بالإرهاب، نراهم نحن حصن الدفاع الوحيد عن سيناء، الذي باتت "إسرائيل" تخشاه، وإن كنا في الوقت ذاته نرفض مهاجمتهم مظاهر سيادة الدولة المصرية على شبه جزيرة سيناء.

الطائرات الإسرائيلية التي كانت في الماضي تنتهك المجال الجوي المصري في سيناء، لكي تعتدي على قطاع غزة أو تتجسس على مصر، باتت الآن تحلق وتقصف بإذن وتنسيق أمني مشترك مع سلطات الحكم في القاهرة

ولذلك إسرائيل تورط الجيش المصري في حرب ضد الجهاديين لن تكون لها نهاية معهم، ولن تكون نزهة للجيش المصري على الإطلاق، وقد تمتد تلك الحرب في ظل التوتر الحادث بمصر الآن لكي تشمل ربوع البلد.

وحينئذ علينا أن لا نعجب إذا ما وجدنا الزنانة الإسرائيلية توسّع نشاطها لتقصف أهدافا في القاهرة والإسكندرية وأسوان وسوهاج، بتوافق ورضى تام من قبل سلطات الانقلاب، ولن نعجب فهي الآن تقصف أهدافا في سيناء ما بين يوم وآخر.

وقد أشار موقع صحيفة هآرتز يوم ١١ أغسطس/آب ٢٠١٣ إلى اتفاق ثلاثي أُبرم بعد وقوع الانقلاب في القاهرة بشهور، ويتعلق بتفاهمات سرية بين القاهرة وتل أبيب ورام الله، تلك التفاهمات تدور حول تنسيق أمني مشترك بين تلك الأطراف، في مواجهة ثورة الشعبين المصري والفلسطيني.

والخلاصة، أن الطائرات الإسرائيلية التي كانت في الماضي تنتهك المجال الجوي المصري في سيناء، لكي تعتدي على قطاع غزة، أو تلتقط بعض الصور لأماكن كانت تعتقد أنها تشكل خطرا عليها، أو للتجسس على مصر، باتت الآن تحلق وتقصف بإذن وتنسيق أمني مشترك مع سلطات الحكم في القاهرة، في مواجهة أبناء مصر المطالبين بحريتهم وحقوقهم والداعين لتحرير المقدسات في فلسطين المحتلة.

وبات المصريون يقتلون على أيدي جيشهم وجيش عدوهم، وهو أمر في منتهى الخطورة، سوف يدفع ثمنه القادة الذين ورطوا مصر في مثل تلك التفاهمات.

نعم، سيدفعون ثمنه غاليا، لاسيما وأن مصر ما زالت تعيش مرحلة مخاض، ولكن شعبها العربي المسلم الحر سيحسم المعركة لصالحه، مهما كان شكل الإرهاب الذي يواجهه من قبل أهل الانقلاب وحلفائهم في واشنطن وتل أبيب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.