اليمن.. حكومة واحدة بعقبات ومرجعيات متعددة

Yemen's President Abd-Rabbu Mansour Hadi (front C) and newly appointed Prime Minister Khaled Bahah (7th L) pose for a group photo with the new cabinet after it was sworn-in at the Presidential Palace in Sanaa in this November 9, 2014 handout released by the country's Defence Ministry. REUTERS/Yemen's Defence Ministry/Handout via Reuters (YEMEN - Tags: POLITICS) ATTENTION EDITORS - NO SALES. NO ARCHIVES. FOR EDITORIAL USE ONLY. NOT FOR SALE FOR MARKETING OR ADVERTISING CAMPAIGNS. THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY. IT IS DISTRIBUTED, EXACTLY AS RECEIVED BY REUTERS, AS A SERVICE TO CLIENTS. REUTERS IS�UNABLE�TO INDEPENDENTLYVERIFY�THE AUTHENTICITY, CONTENT, LOCATION OR DATE OF THIS IMAGE.�
رويترز

توقيت سيئ
توزير النساء والشباب
تحديات بانتظار الحكومة
صالح يسقط هادي

قد تكون حكومة المهندس خالد محفوظ بحاح الأولى في تاريخ اليمن التي يهددها التفكك بعد 24 ساعة من إعلانها، وقبل تأدية أعضائها اليمين الدستورية، وهي كذلك الأولى التي تتشكل من أحزاب ومستقلين دون الرجوع إليهم، وفقا للتفويض الذي منحته جميع التنظيمات السياسية في 1 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري للرئيس هادي ورئيس الحكومة المكلف بحاح بتشكيل حكومة كفاءات وطنية وفقا للشروط الثمانية المنصوص عليها في اتفاق السلم والشراكة الموقع عليه في 21 سبتمر/أيلول الماضي.

وبعد أن طال أمد تشكيل الحكومة إلى 46 يوما تم الخروج في 7 نوفمبر/تشرين الثاني بتوليفة فيها الكثير من المستقلين والتكنوقراطيين وذوي الكفاءات الوطنية، وفيها أيضا من ثبت فشله وفساده في حكومات سابقة.

توقيت سيئ
حكومة المهندس بحاح فيها اختيارات موفقة إلى حد كبير، ويمكن أن يكتب لها التماسك والاستمرارية لولا بعض الإجراءات التي صاحبت تشكيلها، مثل عدم أخذ موافقة بعض الشخصيات على تولي وزاراتها، وهو ما يفسر تفاجؤ البعض واعتذار البعض الآخر عن تولي مهامه.

ربما يكون هادي هو من خطط لأكل الثوم بفم الإصلاح، حيث منحه وزارات خدمية متهالكة لكي يحرقه سياسيا، أما التحدي الحقيقي الذي يترصد حكومة بحاح فهو العمل في ظل وجود مليشيا مسلحة تفرض واقعا مغايرا على الأرض يناهض طبيعة وجود الدولة

فقد اعتذر حتى الآن وزيرا الخدمة المدنية، والشؤون الاجتماعية، ووزير الدولة لشؤون مجلسي النواب والشورى، وهناك من ينصح وزراء الإصلاح الأربعة بالاستقالة من الحكومة، فقد ورثوا أسوأ أربع وزارات، حيث تم نقل محمد السعدي من وزارة التخطيط إلى الصناعة، وهنا ستتحرك الماكينة الإعلامية الضخمة المشتركة بين صالح وجماعة الحوثيين وسيتم تحميل وزارته أسباب الغلاء وتدهور الاقتصاد ونزوح رأس المال الوطني، مع أن غياب الدولة كمنظومة متكاملة هو ما أدى إلى ذلك، وكل هذه الأشياء بحاجة إلى قرار سيادي.

وزير الكهرباء المهندس عبد الله الأكوع كان أولى بوزارة الاتصالات المتخصص فيها بدلا من البقاء في وزارة لا معنى لها في ظرف بالغ السوء والتعقيد، إذ لا يمر أسبوع دون ضرب أبراج نقل الطاقة من صحراء مأرب إلى تسع محافظات بينها العاصمة، والكهرباء في اليمن لن تصلحها إلا معجزة إلهية، ثم إنها في المقام الأول مسؤولية أمنية وليست فنية أو إدارية.

أما وزارة الثروة السمكية الموكلة إلى فهد كافيين فلن يمكنها فعل شيء إزاء شركات الاصطياد الدولية الممنوحة تراخيص وعقودا لسنوات طويلة، وما عساها أن تفعل لعشرات الصيادين المحتجزين لدى السلطات الإريترية، وكذلك وزارة التعليم الفني الموكلة لوزير التعليم السابق عبد الرزاق الأشول سترث تركة هائلة من الفساد.

إن وجود وزراء الإصلاح في هذه الوزارات الهشة سيظهر الحزب كمستميت للبقاء ضمن التشكيلة الحكومية التي عزف عنها الكثيرون، وربما يكون هادي هو من خطط لأكل الثوم بفم الإصلاح، حيث منحه وزارات خدمية متهالكة لكي يحرقه سياسيا.

أما التحدي الحقيقي الذي يترصد حكومة بحاح فهو العمل في ظل وجود مليشيا مسلحة تفرض واقعا مغايرا على الأرض يناهض طبيعة وجود الدولة.

توزير النساء والشباب
بحسب تصريحات خاصة لرئيس الحكومة الجديدة، فإن وزير التربية والتعليم البروفيسور عبد اللطيف الحكيمي هو أكثر وزير ظل يرفض المنصب، وقبل به بصعوبة كبيرة ضمن تشكيلة حكومية من 35 حقيبة وزارية، بينها سبعة وزراء من الحكومة السابقة احتفظ منهم وزراء المالية والزراعة والكهرباء بمقاعدهم.

وهذه أول حكومة يمنية تشارك فيها أربع نساء، هن اليسارية أروى عبده عثمان في وزارة الثقافة، والناشطة الحقوقية قبول المتوكل التي اعتذرت عن قبول وزارة الشؤون الاجتماعية التي جاءتها بعد خمسة أيام من مقتل والدها السياسي البارز محمد عبد الملك المتوكل من قبل مجهولين وسط العاصمة.

من المفارقات العجيبة أن وزير العدل باجنيد كان هو النائب العام في "الشطر الجنوبي" إبان مواجهات مسلحة بين الطبقة الاشتراكية الحاكمة في 1986 وطالب المحكمة حينها بتطبيق حكم الإعدام بحق الضابط عبد ربه منصور هادي الذي فر إلى شمال اليمن

وعينت الإعلامية نادية السقاف وزيرة للإعلام، وتشترك السقاف مع عثمان بأنهما أول امرأتين في هذين المنصبين، فيما القيادية في الحراك الجنوبي سميرة خميس وزيرة للدولة وعضوة في مجلس الوزراء.

ورغم وجود هذا العدد النسوي لأول مرة فإنه إخلال بمخرجات الحوار الوطني الخاصة بالمرأة، والتي تنص على تمكين المرأة في جميع السلطات بما لا يقل عن 30% من مقاعدها.

أما الشباب ما دون الخمسين سنة فقد وصل تمثيلهم إلى 30% من التشكيل الحكومي، إلا أن الغالب على الوزراء أنهم من المحسوبين على الرئيس هادي ومدير مكتبه أحمد بن مبارك.

ومن المفارقات العجيبة أن وزير العدل الدكتور خالد باجنيد كان هو النائب العام لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الشطر الجنوبي) إبان مواجهات مسلحة بين الطبقة الاشتراكية الحاكمة في يناير/كانون الثاني 1986 وطالب باجنيد المحكمة حينها بتطبيق حكم الإعدام بحق الضابط عبد ربه منصور هادي الذي فر إلى شمال اليمن مع مجموعة من ضباط ما عرف بـ"الزمرة".

تحديات بانتظار الحكومة
في أول مؤتمر صحفي لرئيس الحكومة الجديدة بحاح عقب تأدية حكومته اليمين الدستورية في 9 نوفمبر/تشرين الثاني قال إن حكومته ليست مسؤولة عن صدور القرار الأممي الخاص بمنع صالح من السفر وتجميد أمواله في كل العالم، غير أنه استدرك وقال "سنحترم القرار الدولي وسنعمل مع مجلس الأمن من أجل تنفيذه" مما يعني الاصطدام العنيف مع حزب المؤتمر المسيطر عليه من قبل صالح، وسيتعثر في منح حكومته الثقة البرلمانية، إذ يمتلك المؤتمر 231 مقعدا برلمانيا من أصل 301 مقعد.

وستحط العراقيل رحالها على عتبات الحكومة الجديدة ما لم يتم التوفيق بين صالح وهادي وسرعة توفير البدائل للوزراء المعتذرين عن مناصبهم، فالرئيس السابق صالح لا يزال هو اللاعب القوي في الساحة اليمنية، والقادر على تذليل الصعاب أمام الحكومة أو عرقلتها بكل الطرق.

صالح يدرك جيدا مدى هلع القبليين على المال الذي يملك منه الكثير، ويمكنه شراء ضمائرهم وتوجيههم نحو ضرب أبراج الكهرباء وتفجير أنابيب النفط واحتجاز ناقلات الوقود، ويمكنه توجيه جزء من تنظيم القاعدة الذي يخترقه بأريحية، ولا يزال كثير من الضباط والأمنيين والمسؤولين المدنيين وشيوخ القبائل يدينون له بالولاء، وله شعبية كبيرة، وعزز كل ذلك الانعدام الكلي لـ"كاريزمية" رئيس الدولة في شخصية الرئيس هادي.

ويمكن لحكومة بحاح أن تحقق نجاحا كبيرا إذا توافرت لها جملة من الشروط، أهمها:
1- توفر حسن النوايا بين الشركاء في الحكومة والتوقف عن المماحكات الرخيصة والتسابق على تسجيل نقاط في وسائل الإعلام، وتسريب فضائحهم ونشر غسيل بعضهم، تماما كما كان يفعل في حكومة الوفاق التي سبقتها.

2- تعديل قانون مكافحة الفساد، بحيث يشمل محاسبة الوزراء ومن فوقهم، وتقديم مجموعة من الفاسدين إلى القضاء ليأخذوا جزاءهم، بحيث يعطون إشارات واضحة إلى قوة وجدية الحكومة الحالية التي ولدت في لحظة يئس فيها الشعب من جدوى وجود أي حكومة أو رئيس جمهورية.

3- العمل على استعادة ثقة المانحين والمقرضين، فمهما كانت النوايا صادقة والكفاءات متوفرة لا يمكن لها فعل شيء والخزينة العامة فارغة.

مسألة الإساءة لهادي وفصله من حزبه يمكنه أن يعالجها بمثالية عالية من خلال إصدار قرار جمهوري أو التقدم للجنة صياغة الدستور بمادة تحرم الجمع بين منصب رئيس الجمهورية وأي منصب حزبي آخر

4- توفير مناخات آمنة ومستقرة وإعادة النظر في قوانين الاستثمار والقضاء التجاري وإصلاح البنية التحتية من أجل تشجيع المستثمرين المحليين والأجانب على الاستثمار في الداخل اليمني.

5- سحب كافة المظاهر المسلحة من كل اليمن، واستعادة هيبة الدولة وقيمتها، وفي مقدمة ذلك العاصمة صنعاء.

صالح يسقط هادي
بعد ساعات قليلة من إعلان تشكيلة الحكومة الجديدة وافق مجلس الأمن الدولي بالإجماع على تسمية صالح وقياديين حوثيين معرقلين للتسوية ومنعهم من السفر وتجميد أموالهم.. سبق للصحافة الغربية الكشف عن أن هادي والمبعوث الأمي بنعمر هما من يقفان وراء هذا القرار الأممي، مما جعل صالح يقرر في اليوم التالي عقاب هادي وفصله من حزب المؤتمر الذي يشغل فيه موقعي النائب الأول والأمين العام، وفصل معه مستشار هادي السياسي الدكتور عبد الكريم الإرياني من موقع النائب الثاني لرئيس المؤتمر، حيث يعتقد صالح أن الإرياني هو العقل السياسي لهادي.

هذا الاحتقان بين صالح وهادي سيؤدي إلى انسداد كبير في أفق الحل السياسي للخروج باليمن من أزماته المتراكمة والمتلاحقة، وستبدأ محركات البحث عن تفسيرات ومحددات سياسية تمثل مرجعية للحكومة، وستتوزعها المراجع المتداخلة من الدستور والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات حوار واتفاق السلم والشراكة، إضافة إلى وجود بيئة متوترة وأزمة ثقة بين جميع الشركاء.

أما مسألة الإساءة لهادي وفصله من حزبه فيمكنه أن يعالجها بمثالية عالية من خلال إصدار قرار جمهوري أو التقدم للجنة صياغة الدستور بمادة تحرم الجمع بين منصب رئيس الجمهورية وأي منصب حزبي آخر، لأن من يتولى إدارة البلاد يصبح حاكما ومرجعية لكل الناس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.