مشكلة إدارة المعونات في الصومال

مشكلة إدارة المعونات في الصومال الكاتب: حسن البصري الشيخ عبد القادر


أزمة الجفاف وانتشار المجاعة
الموقف المحلي والدولي تجاه الأزمة
مشكلة إدارة المعونات ونهبها المستمر


لاشك أن المجتمع الدولي أعطى اهتماما واسعا لما يحدث في الصومال جراء الجفاف الذي ضرب مناطق الجنوب, لكن مشكلة إدارة المعونات التي تصل إلى البلاد برزت بعد أن ظهرت عمليات نهب وسلب تمارس ضدها.

 
وما حدث في الخامس من أغسطس/آب الجاري في مخيم بادبادو في العاصمة من قيام بعض أفراد الجيش بنهب مواد غذائية أثناء توزيعها ما هو إلا مظهر من مظاهر تلك المشكلة، إذ هناك عمليات قرصنة تمارس باسم إدارة المعونات.
 
أزمة الجفاف وانتشار المجاعة
منذ شهور كانت بعض المناطق في البلاد تعاني من أزمة جفاف حقيقية، وذلك بعد أن تتابع الجدب والقحط لعدة مواسم تأخرت الأمطار فيها، مما أدى إلى نضوب المحاصيل الزراعية وفقدان المواشي، كما أن الأزمة السياسية في البلاد ساهمت في تفاقم المشكلة، إضافة إلى الحروب المستمرة التي لم تتوقف منذ سقوط نظام سياد بري عام 1991.

وتعتبر مناطق نهريْ شبيلى وجوبا -التي كانت من أخصب المناطق في البلاد– الأكثر تضررا بأزمة الجفاف، لذا بدأ النزوح منها منذ شهور نحو  العاصمة مقديشو ودول الجوار للانضمام إلى مخيمات اللاجئين، ويتحدث النازحون عن المآسي التي عاشوها أثناء النزوح من المناطق المتضررة، بحيث تركت بعض الأسر أطفالها في الطريق بعد أن لقوا حتفهم، كما أن البعض وصل إلى مقصوده بشق الأنفس.

وقد أعلنت الأمم المتحدة منذ أواخر يوليو/تموز وجود مجاعة في مناطق بجنوب الصومال، مما يعني أن الأزمة وصلت مرحلة خطرة تستدعي المساعدات العاجلة.
 

"
أربعة ملايين في جنوب الصومال بحاجة ماسة إلى المساعدة، وثلث الأطفال في تلك المناطق يعانون من سوء التغذية
"

كما أشار تقرير صدر من أحد مكاتب الأمم المتحدة إلى أن ما يقارب أربعة ملايين في جنوب الصومال بحاجة ماسة إلى المساعدة، وأن ثلث الأطفال في تلك المناطق يعانون من سوء التغذية.

 
لكن هناك أسئلة تتبادر إلى الأذهان، منها: ما الذي أخر إعلان هذه المعاناة إلى حين حدوث المجاعة؟ وهل كان المجتمع الدولي ينتظر حتى تحل الكارثة؟، أم أن المنظمات المعنية كان عليها الحظر، بحيث لم تتمكن من متابعة الأمور على الوجه المطلوب؟ وإن كان الأمر كذلك فهل تم رفع الحظر حتى تعلن المجاعة؟، ومهما كانت الإجابات عن هذه الأسئلة فإن المجتمع الدولي قد قصر في حق المجتمع الصومالي، لأن الوقاية خير من العلاج.

الموقف المحلي والدولي تجاه الأزمة
رغم التأخر الملحوظ فقد تمت الاستجابة للنداءات والاستغاثات التي تدعو إلى مساعدة وإغاثة المنكوبين والمتضررين من الجفاف. وبالنسبة للتحرك المحلي، هناك جهود غير رسمية يقوم بها بعض الأعيان والعلماء الذين بذلوا جهودا مكثفة لجمع التبرعات والمساعدات عن طريق المساجد ووسائل الإعلام، وقد أثمرت هذه الجهود إلى حد ما.
 
أما الجهات الرسمية فقد أعلنت الحكومة الصومالية إقامة مخيمات للنازحين في المناطق التي تسيطر عليها، كما تعهدت بحماية المساعدات، وتسهيل طرق توصيلها إلى المحتاجين، وإن فشلت أحيانا في تأدية هذه الواجبات.
 
ومن جانبها تبنت حركة الشباب المجاهدين موقفا يعتبره الكثيرون تراجعا ضمنيا يتمثل في السماح للمنظمات الدولية بمساعدة المنكوبين، لكن الناطق الرسمي باسمها الشيخ علي راجي صرح عبر وسائل الإعلام يوم السبت السادس من أغسطس/آب الجاري بأن الحركة لم تحظر تلك المنظمات أصلا، بل كان الحظر مقصورا على منظمات غير إنسانية، على حد تعبيره. كما قامت الحركة بإقامة مخيمات في المناطق التي تسيطر عليها، وأكبرها مخيم "آل ياسر" في شبيلى السفلى.
 

"
المنظمات الدولية والدول المانحة أعلنت تقديم ملايين الدولارات، بل المليارات لمساعدة المتضررين، لكن ما وصل إلى البلاد أقل مما هو معلن
"

أما الموقف الدولي فقد أعلنت منظمات الإغاثة وكثير من الدول المانحة استعدادها لتقديم مساعدات للمتضررين، وكان الموقف العربي بارزا، بحيث قامت بعض الدول العربية كالكويت وقطر والبحرين بتوصيل مساعدات عاجلة للمنكوبين في مقديشو العاصمة وغيرها من المناطق المجاورة.

لكن يجب أن نسجل هنا أن المنظمات الدولية والدول المانحة أعلنت تقديم ملايين الدولارات، بل المليارات لمساعدة المتضررين، لكن ما وصل إلى البلاد أقل مما هو معلن, فهل نعتبر هذا من قبيل قول العرب "أسمع جعجعة ولا أرى طحنا"!.

مشكلة إدارة المساعدات والنهب المستمر
بداية تأخر الإعلان عن المأساة  في وقتها المناسب مما فاقم المشكلة، وبعد الإعلان بدأت بعض الجهات بجمع معلومات وتقارير عن الوضع في البلاد، وقد استغرق هذا الأمر وقتا كان من الممكن الاستفادة منه في توصيل المساعدات بدلا من جمع التقارير.

وعند بدء عمليات الإغاثة برزت مشكلة إدارة المعونات الإنسانية على الوجه المطلوب، فهناك جهات غير رسمية نصبت نفسها وسيطا بين المحتاجين ومنظمات الإغاثة، ويبدو أن معظم هؤلاء أصبحوا جانبا من المشكلة بدلا من حل الأزمة.
فمنهم من كونوا منظمات محلية تحمل شعارات براقة لم يكن الهدف منها مساعدة المحتاجين بل الكسب والحصول على الثروة، فقد زرت أحد المخيمات فلقيت أحد معارفي كان موظفا في إحدى المنظمات المحلية، فقلت له مازحا: تغيرت وأصبحت ثريا!، فقال باسما: نعم، وقد قيل: مصائب قوم عند قوم فوائد!.

الحقيقة أن هذا الأمر ينطبق على كثير ممن ينخرط في مجال الإغاثة دوليا ومحليا، حتى أصبح الأمر مألوفا لدى الجميع، بحيث إن كل من عنده منظمة أو يتعامل مع منظمة دولية لابد أن يكون ثريا، ولم يكن هذا الثراء إلا نوعا من النهب المتعارف عليه.

وهناك قسم ثان ليست عندهم منظمات وليسوا موظفين، لكنهم نصبوا أنفسهم مسؤولين عن مخيمات للاجئين، ولا يمكن الوصول إليها إلا برضاهم، الذي هو مرتبط بالمبالغ التي يحصلون عليها من قبل منظمات الإغاثة، وقد تتعطل عملية توصيل المساعدات بسبب خلاف حول هذه المبالغ!. 
 
وتحدث عمدة العاصمة مقديشو من قبل الحكومة الصومالية محمود أحمد ترسن عن هذه القضية، وطالب مسؤولي المخيمات بعدم عرقلة عمليات الإغاثة، لكن يبدو أن الأمر أصبح خارج السيطرة، ويحتاج إلى جهود جبارة لتصحيح المسار.
ومع كل هذا تعتبر مشكلة حماية المعونات من التحديات التي تواجه عمليات الإغاثة، وذلك بعد أن تكرر النهب والسلب للمواد الغذائية المخصصة للمتضررين، وما حدث في مخيم بادبادو في مقديشو، وإطلاق النار الكثيف على النازحين ومقتل عدد منهم، كان أمرا مأساويا لفت الأنظار إلى حجم المشكلة، ولم يكن هو الأول من نوعه، بل هناك حوادث مماثلة تتكرر في العاصمة.
 
ورغم أن مسؤولي الحكومة أعربوا عن أسفهم، وتعهدوا بمحاسبة المسؤولين عن هذه الحوادث، وبعدم تكرارها، فإن الأمر في حاجة إلى تحرك فعلي، وإن لم يتم إيجاد حل فسيؤثر على سير عمليات الإغاثة بدءا من المانحين ووصولا إلى المتضررين.
 

"
على الجهات الرسمية تحمل مسؤولية توصيل المعونات، وعدم التساهل مع كل من تسول له نفسه ممارسة عمليات النهب والسلب بكافة أشكالها
"
ومما يعتبر من سوء إدارة المعونات أيضا، هو أنه عندما يتم توزيع المواد الغذائية ينضم كثير ممن لم يكن أصلا من النازحين ويتخفى في صفوفهم، ويكثر هذا في مخيمات العاصمة، بحيث لم يتم وضع نظام يحدد مسبقا المحتاجين والمتضررين من الجفاف، بل إن كثيرا ممن يقوم على إدارة هذه المخيمات يكون همه التقاط الصور وإثبات عملية التوزيع، ولا يبالي هل تم توصيلها إلى المحتاجين فعلا.
 
وتفاديا لتكرار تلك المشاكل، على القائمين بأعمال الإغاثة إعطاء الأولوية للإنسان المتضرر، دون الاهتمام بتسجيل عمليات التوزيع، والمظاهر العامة، كما أن على الجهات الرسمية تحمل مسؤولية توصيل المعونات، وعدم التساهل مع كل من تسول له نفسه ممارسة عمليات النهب والسلب بكافة أشكالها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.