أردوغان وحلم الرئاسة

أردوغان وحلم الرئاسة - الكاتب: خورشيد دلي




 

مع كسب حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان معركة الاستفتاء على التعديلات الدستورية بنسبة فاقت التوقعات, ثمة أسئلة كثيرة عن المرحلة المقبلة, وإذا ما كان الاستفتاء قد عزز من موقف الحزب في الانتخابات البرلمانية المقبلة وقضية وضع دستور جديد للبلاد.. كمقدمات وأسباب وعوامل تدفع بأردوغان إلى التحرك عمليا نحو تحقيق حلمه بالجلوس في قصر تشانقايا الرئاسي على وقع النجاحات المتتالية التي حققها طوال السنوات الماضية.

ما بعد الاستفتاء
فور انتهاء الاستفتاء دخلت مفاعيل التعديلات الدستورية التي ركزت على الجسم القضائي حيز الحياة السياسية والعامة في البلاد. ففي خطوة غير مسبوقة تقدم المئات من أعضاء جمعيات ومنظمات حقوقية (مظلوم در –جمعية حقوق الإنسان –منتدى لا يكفي لكن نعم –جمعيات ونواب أكراد..) بطلبات إلى المحاكم المدنية لمحاكمة قادة الانقلاب العسكري عام 1980 وعلى رأسهم قائد الانقلاب الجنرال كنعان أيفرين (93 عاما) حيث سمحت التعديلات بإبدال المادة 15 التي كانت تمنع أي شخص من رفع دعاوى قضائية ضد الذين شاركوا في الانقلابات العسكرية في إشارة إلى طي صفحة نظام الوصاية العسكرية والبدء في مرحلة جديدة.

"
مرحلة ما بعد الاستفتاء رسمت مشهدا جديدا لصراع القوى الحزبية التركية, وإذا كان الاستفتاء قد حقق لحزب العدالة والتنمية المزيد من عناصر القوة فإنه في الوقت نفسه عمق من أزمة أحزاب المعارضة
"

بموازاة الخطوة السابقة, شهد مسار العلاقة مع الحركة الكردية تطورا نوعيا عندما عقدت جولة مباحثات بين الحكومة والأكراد هي الأولى من نوعها, ومع أن المباحثات التي مثلها من جانب الحكومة نائب رئيس الوزراء جميل جيجك ومن جانب الأكراد رئيس حزب السلام والديمقراطية صلاح الدين ديمرطاش انتهت دون الإعلان عن نتائج محددة فإنها شكلت مسارا للحل السياسي الديمقراطي لهذه القضية المتشعبة والمعقدة والتي تشكل حسب وصف المحللين قنبلة في الخاصرة التركية.

دون شك, مرحلة ما بعد الاستفتاء رسمت أيضا مشهدا جديدا لصراع القوى الحزبية التركية, فإذا كان الاستفتاء قد حقق لحزب العدالة والتنمية المزيد من عناصر القوة فإنه في الوقت نفسه عمق من أزمة أحزاب المعارضة, فزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو تلقى أولى هزائمه في رئاسة الحزب بعد أن تم انتخابه خلفا لدنييز بايكال الذي استقال من رئاسة الحزب بعد فضيحة جنسية, كما أن حزب الحركة القومية المتطرف بزعامة دولت باغجلي خسر العديد من المناطق التابعة لنفوذه, بل إن أوساطا واسعة في حزبه صوتت بنعم في الاستفتاء خلافا لموقف الحزب.

وعلى المستوى الخارجي, أعطى الاستفتاء المزيد من الشرعية لأردوغان باعتباره زعيما صاعدا يرسم سياسته انطلاقا من الإرادة الشعبية الداخلية, وإذا كان هذا الأمر يحظى بترحيب عربي وإسلامي فإنه يشكل صدمة لإسرائيل التي تبدي انزعاجها من سياسة أردوغان وحاولت وتحاول إظهاره زعيما دكتاتوريا.

إعداد دستور جديد
في الواقع, إذا كان نجاح الاستفتاء يشكل انتصارا للديمقراطية والحياة السياسية العامة في تركيا, فإن حزب العدالة والتنمية يتطلع لتجاوز التداعيات المباشرة إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي التركي, وإعداده لكيفية التعامل مع الخارج عبر إقرار دستور جديد يناسب السياسة التركية الجديدة في عهد أردوغان وعبد الله غل وأحمد داود أوغلو.

وعليه أعلن رئيس اللجنة الدستورية في البرلمان برهان كوزو (من حزب العدالة والتنمية) فور الانتهاء من الاستفتاء، أن أردوغان أعطى تعليماته للبدء في إعداد دستور جديد يليق بنظام رئاسي في إشارة إلى تطلع أردوغان إلى ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2012.

وفي انتظار عودة النواب الأتراك من إجازاتهم البرلمانية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل فإن معركة إنجاز دستور جديد للبلاد وضعت أوزارها, حيث يعتقد حزب العدالة والتنمية أن الإصلاح الحقيقي لا يمكن إلا من خلال دستور جديد وشامل وليس مجرد تعديل بعض بنود الدستور.

وعلى الرغم من موقفه القوي بعد الاستفتاء فإن معركة الدستور لن تكون سهلة, فثمة عقبات كثيرة على الطريق, وهي عقبات تتعلق بكيفية التعامل مع القضايا التركية المحلية, وهي قضايا قديمة أصبحت ملحة في ظل التطورات الداخلية الجارية وتطلع تركيا أردوغان إلى القيام بدور إقليمي مؤثر في قضايا المنطقة والعالم, ولعل من أهم هذه القضايا: القضية الكردية حيث لا يخفى على أحد تصاعد حجم هذه القضية سياسيا وعسكريا وأمنيا, فحزب العمال الكردستاني الذي صعد من عملياته العسكرية في الفترة الأخيرة نجح في بناء جناح سياسي قوي له في المدن الكردية الكبرى ولاسيما ديار بكر, ولعل عدم تصويت نحو 70% من سكان المناطق الجنوبية الشرقية التزاما بقرار حزب السلام والديمقراطية مقاطعة الاستفتاء لكون التعديلات الدستورية لم تشمل مطالب الأكراد يؤكد صعوبة التعامل مع هذه القضية في ظل إصرار الأكراد على طرح مشروع للحكم الذاتي أشبه بالحكم الذي حصل عليه سكان الباسك في إسبانيا.

"
على الرغم من انفتاح أردوغان نسبيا على القضية الكردية فإنه يجد صعوبة بالغة في الاقتراب من مطالب الأكراد, ويشكل التعاطي معها تحديا كبيرا لسياسته في المرحلة المقبلة, سلما أو عنفا
"

وعلى الرغم من انفتاح أردوغان نسبيا على القضية الكردية فإنه يجد صعوبة بالغة في الاقتراب من هذه المطالب, ويشكل التعاطي معها تحديا كبيرا لسياسته في المرحلة المقبلة, سلما أو عنفا. فالثابت أن النهج العسكري فشل في إيجاد حل لها, كما أن الحلول السياسية لا تبدو في الأفق في ظل الظروف والمواقف الراهنة, لتبقى القضية مشتعلة تهدد البلاد بمزيد من الدماء والأرواح.

إلى جانب القضية الكردية ثمة مسألة إشكالية أخرى تعرف بالمسألة العلوية, وهي مسألة قديمة تتعلق بمطالبة العلويين الذين يقدر عددهم بما بين 16 و18 مليون شخص بالهوية الخاصة بهم من تعاليم ومراكز دينية وتمثيل سياسي في مؤسسات البلاد وإقرار ذلك دستوريا, حيث تحظى مطالبهم هذه بدعم أوروبي. وعلى الرغم من السياسات الانفتاحية التي يبديها أردوغان تجاه مطالب الطائفة والاعتراف بها فإن ثمة حالة من عدم الثقة تسيطر على الأجواء في ظل التجربة التاريخية المرة للعلاقة.

كذلك هناك مطالب الأقلية المسيحية التي تدور حول الاعتراف بمسكونية بطريركية الروم الأرثوذكس في إسطنبول لتكون مركزا دينيا عالميا مستقلا على غرار الفاتيكان. إلى جانب هذه القضايا, تبرز مشكلة غياب التوافق السياسي مع قوى المعارضة, فنسبة 42% من الذين صوتوا ضد الاستفتاء نسبة غير قليلة عمليا, والمشكلة الأساسية هنا هي أن أحزاب المعارضة ولا سيما حزب الشعب الجمهوري الوريث التاريخي لحزب الزعيم التركي كمال مصطفى أتاتورك ما زال يعتقد أنه هو من يمثل الدولة التركية وأن حزب العدالة والتنمية حزب دخيل على السلطة وجاء في ظروف غير طبيعية نتيجة التحولات التي جرت في العقود الأخيرة, وعليه يرى أن خسارة معركة سياسية هنا أو هناك لا تعني الهزيمة.

كما أن حزب الحركة القومية الذي ينطلق من أفكار مشابهة لا يتوانى عن محاربة السياسات الإصلاحية لحزب العدالة والتنمية. دون شك, هذه العقبات تظهر على شكل تحديات أساسية أمام حزب العدالة والتنمية في كيفية وضع دستور جديد في البلاد في ظل غياب التوافق وكيفية انعكاس القضايا السابقة في الدستور الجديد المنشود.

معركة الانتخابات وحلم الرئاسة
على أجندة حزب العدالة والتنمية خارطة طريق تتألف من ثلاث مراحل أو أحداث مصيرية, وهي:
1- تحقيق انتصار كاسح في الانتخابات البرلمانية المقررة صيف 2011.
2- إنجاز دستور جديد في مرحلة ما بعد الانتخابات.
3- تهيئة المناخ لانتخابات الرئاسة عام 2012 ليكون فخامة الرئيس أردوغان في قصر تشانقايا.

انطلاقا من هذه الأجندة, يمكن القول إن معركة الانتخابات البرلمانية ولدت من رحم الاستفتاء. فبقدر ما أثارت النتائج ارتياحا كبيرا في صفوف العدالة والتنمية، أعطته قوة دفع كبيرة لتكون المعركة الانتخابية المقبلة حاسمة, وذلك لتحقيق أمرين أساسيين: الأول: تحقيق أغلبية عظمى في البرلمان, لأن من شأن ذلك إمكانية إعداد دستور جديد وتحقيق إصلاحات جذرية دون مشكلات كثيرة تذكر بسبب الآليات القانونية والسياسية, لكون هذه الأغلبية كفيلة بإنجاز الأمور من داخل البرلمان دون الحاجة إلى استفتاءات جديدة.

الثاني: وهو مرتبط بالأول, أي أن الفوز الكبير في هذه الانتخابات سيفتح الطريق أمام أردوغان لخوض الانتخابات الرئاسية التي أصبحت تنتخب بشكل مباشر من الشعب بدلا من البرلمان, وبات معروفا أن أردوغان يريد قبل الوصول إلى الرئاسة تعديل النظام الرئاسي في البلاد, فهو يريد نظاما رئاسيا بصلاحيات قوية على الطريقة الأميركية أو حتى الفرنسية.

مقابل تطلع أردوغان هذا, من الواضح أن قوى المعارضة بدأت تشد الصفوف لخوض المعركة الانتخابية, فهي تدرك أن خسارة هذه المعركة لن تكون مجرد خسارة معركة تقليدية بل بمثابة هزيمة سياسية كاملة, من شأنها التسليم لحزب العدالة والتنمية بقيادة البلاد كما يشاء, وعليه ثمة صرخات تتعالى في الأوساط (العلمانية) ولا سيما في صفوف حزب الشعب الجمهوري تطالب بإعادة النظر في سياسات الحزب وقياداته, بل حتى إن الزعيم السابق للحزب دنييز بايكال بدأ يتحدث عن إمكانية العودة إلى الحزب من أجل إعطاء قوة دفع له.

"
ستبقى الأنظار شاخصة ومشدودة إلى كيفية تعاطي الجيش مع سعي أردوغان إلى وضع دستور جديد للبلاد, لأن مثل هذا الدستور سيكون النهاية الفعلية لنظام الوصاية العسكرية
"

بغض النظر عن التطورات التي ستشهدها جبهة الأحزاب المعارضة إلى حين موعد الانتخابات, فإن الأنظار ستبقى شاخصة ومشدودة إلى كيفية تعاطي الجيش مع سعي أردوغان إلى وضع دستور جديد للبلاد, لأن مثل هذا الدستور سيكون النهاية الفعلية لنظام الوصاية العسكرية.

دون شك, ما سبق مهمة ليست سهلة, لكن ربما فرادة حزب العدالة والتنمية وتجربته تشجعان على ذلك, فمنذ تأسيسه في نهاية عام 2001 وفوزه الأول في الانتخابات البرلمانية عام 2002 تكاد تجربته السياسية تكون سلسلة انتصارات متتالية, واللافت في كل ذلك قدرته الفريدة على تحويل خطواته التكتيكية البسيطة إلى نجاحات إستراتيجية في المشهد التركي الداخلي والخارجي, ولعل كلمة السر وراء كل هذه النجاحات هي رجب طيب أردوغان الذي بات يتمتع بكاريزما قوية طغت على كاريزما مؤسس الجمهورية كمال أتاتورك الذي قيل إنه كان يحكم البلاد طوال العقود الماضية من القبر.

بغض النظر عن الجدل التركي الداخلي فإن ما تشهده تركيا في عهد العدالة والتنمية بات يمس العالم العربي والإسلامي بشكل مباشر, نظرا لعلاقة ما يجري بقضايا المنطقة.

وإذا ما وصل أردوغان إلى سدة القصر الرئاسي في انتخابات عام 2012 فستكون لهذه السياسة تداعيات مباشرة في العالم العربي ليس على مستوى المواقف السياسية والسياسات فحسب, بل على مستوى علاقة الحاكم بالمحكوم وطبيعة الحكم على اختلاف النماذج والظروف والمسميات. وحقيقة فإن ما يجري في تركيا تجربة تستحق أكثر من النظر والتأمل والتفكير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.