محمد أوفقير

الجنرال محمد اوفقير/ Mohammed Oufkir - الموسوعة
يوصف بـ"الجنرال الدموي"، ارتبط اسمه في عهد الملك الحسن الثاني بما يسمى في المغرب بسنوات الرصاص التي تميزت بتشديد القبضة الأمنية على الحياة العامة وقمع المعارضين. اتهم بالوقوف وراء اختطاف المعارض اليساري الشهير المهدي بنبركة، ثم بتدبير محاولة انقلابية للإطاحة بالعاهل المغربي عام 1972.

الميلاد والنشأة
ولد محمد أوفقير يوم ١٤ مايو/أيار ١٩٢٠ بقرية تسمى عين الشعير في نواحي مدينة بوذنيب، جنوب شرق المغرب. تنحدر أصوله من سيدي بلعباس بالجزائر. نشأ في كنف والد من الأعيان تولى باشوية بوذنيب، ابتداء من عام ١٩١٠ بتزكية ودعم من فرنسا التي كانت تهيئ لإعلان الحماية على المغرب.

وكان والده أحمد بن قدور نموذجا للقيادات المحلية التي اعتمدت عليها سلطات الاستعمار من أجل بسط سيطرتها على التراب المغربي، وخصوصا القبائل. ترعرع وسط أسرة كثيرة العدد حيث بلغ عدد إخوته ١٦.

الدراسة والتكوين
درس بمدرسة بوذنيب، ثم التحق بإعدادية مدينة أزرو "طارق ابن زياد" التي كانت تعد من أشهر المؤسسات التعليمية في عهد الحماية. هناك اختمرت لديه فكرة اختيار الحياة العسكرية حيث انضم إلى معهد يسمى "الدار البيضاء" الذي أصبح مقر الأكاديمية العسكرية. تخرج منها عام ١٩٤١ بدرجة ملازم.

الوظائف والمسؤوليات
تولى أوفقير منصب مدير عام الأمن الوطني في يوليو/تموز١٩٦٠، ثم شغل منصب وزير الداخلية في عدة حكومات ابتداء من ٢٠ أغسطس/آب ١٩٦٤، عين بعدها وزيرا للدفاع الوطني والقائد العام للقوات المسلحة الملكية في ٦ أغسطس/آب ١٩٧١ واحتفظ بنفس المنصب إلى غاية وفاته.

المسار
بدأ حياته العسكرية قناصا في صفوف الجيش الفرنسي، وخاض معه معارك هامة في الحرب العالمية الثانية. وقد وشح بميداليات شرف بعد معركة "غاريناليانو" بإيطاليا عام ١٩٤٤، كما نال ميدالية "سيلفير ستار الأمريكية" إثر معارك تحرير "سيينا". بعد عودته إلى المغرب في مايو/أيار ١٩٤٥ عمل في مصالح التوثيق ومكافحة التجسس لدى الإقامة العامة الفرنسية، مما فتح أمامه مبكرا آفاق العمل الاستخباراتي.

عند استرجاع الملك محمد الخامس لعرشه مع الحصول على الاستقلال في نوفمبر/تشرين الثاني ١٩٥٦، برز أوفقير ضمن النخبة التي عملت إلى جانبه. ويقول الملك الحسن الثاني في كتابه الحواري "ذاكرة ملك" إن أوفقير تركة فرنسية في جهاز الدولة. وذهبت شهادات أخرى إلى أن أوفقير زرع ليكون رجل فرنسا في الدولة وراعي مصالحها.

وأكدت هذا الأمر الوثائق السرية البريطانية عن "مؤامرة الجنرال أوفقير لإسقاط طائرة الحسن الثاني" التي نشرتها صحيفة الشرق الأوسط يوم ٦ فبراير/شباط ٢٠٠٣.

وكتب السفير البريطاني في الرباط آنذاك "ولا يخفى على أحد اليوم أن فرنسا الاستعمارية هي التي فرضت أوفقير على الملك الراحل محمد الخامس، وذلك رغبة منها في تدبير استقلال المغرب -الذي فُرض عليها- في إطار تبعيته الوثيقة لباريس، وهذا بفضل أوفقير والضباط الذين تكونوا وتدربوا وراكموا التجربة وحاربوا تحت رايتها وإمرتها".

يعتبر المؤرخون أن أول المهام القمعية الكبرى التي نفذها أوفقير تمثلت في قمع مظاهرات منطقة الريف ( الشمال الشرقي) عام ١٩٥٨، بشكل دموي أثّر على علاقة الدولة المغربية بهذه المنطقة الأمازيغية. عيّنه الملك الحسن الثاني مديرا للأمن الوطني في يوليو/تموز ١٩٦٠ ليبدأ طريقه نحو السيطرة على الجهاز الأمني بالمملكة.

وكوزير للداخلية منذ ١٣ نوفمبر/تشرين الثاني ١٩٦٣، برز أوفقير وراء مختلف عمليات القمع التي أعطت للنظام وجها دمويا. وكان عام ١٩٦٥ نموذجا لهذا التوجه، من خلال القمع الشرس لمظاهرات مارس/أيار ١٩٦٥، خصوصا بالدار البيضاء، والتورط في اختطاف واغتيال الزعيم اليساري المهدي بن بركة في باريس، بتعاون مع الموساد وعناصر إجرامية فرنسية.

اختطاف بنبركة
مباشرة بعد وقوع عملية اختطاف الزعيم اليساري المهدي بنبركة بباريس في ٢٩ أكتوبر/تشرين الأول ١٩٦٥، وجه الاتهام إلى الجنرال أوفقير والجنرال الدليمي. وبينما تشير بعض المصادر ومنها عائلة اوفقير، إلى أن هذا الأخير ظل ينفي التهمة ويدين كلا من الحسن الثاني وأحمد الدليمي، فإن جل الشهادات تشير إلى تورط مباشر لأوفقير في العملية.

 ذلك أن الحيثيات أشارت إلى أن أوفقير سافر إلى باريس لتنفيذ العملية وأشرف شخصيا على تعذيب بنبركة إلى أن فارق الحياة، حسب ما جاء في شهادة رجل المخابرات أحمد البخاري خلال لقاء خاص مع قناة الجزيرة في ٣ أغسطس/آب ٢٠٠١.

وقال القيادي في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبد الواحد الراضي في حديث صحافي، إن أوفقير استهدف من خلال العملية إجهاض أي تقارب بين حزب المهدي بنبركة والحسن الثاني، قد يكون على حساب موقعه في الدولة، خصوصا بعد أحداث مارس/آذار ١٩٦٥.

لكن زوجة أوفقير -التي اعتقلت مع أبنائها نحو عقدين من الزمن، بعد فشل انقلابه- أصرت في مذكراتها على نفي تورط زوجها في جريمة اختطاف بنبركة، مذكرة بأنها طالما نقلت بنبركة سرا في صندوق سيارتها، أيام الحماية الفرنسية، من أجل مقابلة زوجها.

المحاولة الانقلابية
 حين يعيد المؤرخون وشهود المرحلة تركيب القصة، يخلصون إلى أن المحاولة الانقلابية التي تزعمها أوفقير في ١٦ أغسطس/آب ١٩٧٢، بدأت مع تعيين شريكيه في العملية، الكولونيل أمقران قائدا للقوات الجوية الملكية، والرائد كويرة قائدا للقاعدة الجوية في القنيطرة التي انطلقت منها الطائرات لقصف الطائرة الملكية.

وكانت الخطة تقضي باعتراض الطائرة التي تقل الحسن الثاني -العائد من زيارة لفرنسا بعد توقف في برشلونة- في الجو وقصفها من طرف سرب طائرات مجهزة بالقنابل والقذائف. أصيبت الطائرة، لكن الملك نجا بأعجوبة وحطت بعد تمويه المهاجمين في مطار الرباط سلا. وعادت الطائرات لقصف المطار أثناء مراسيم استقبال الملك الذي كان قد فر بسيارة صغيرة إلى قصر الصخيرات.

الوفاة
بعد انكشاف العملية وإحباطها، أعلن بلاغ رسمي انتحار الجنرال أوفقير، في اليوم نفسه (16 أغسطس/آب 1972)، بينما تواترت روايات أخرى حول قتله داخل القصر الملكي، ومنها رواية ذكرت أن الجنرال أحمد الدليمي هو من قتله بإطلاق الرصاص عليه، لتطوى بذلك صفحة حافلة في التاريخ السياسي للمغرب، وإن لم تكشف كل ألغازها بعد.

المصدر : الجزيرة