أبو زبيدة.. سجين غوانتانامو المنسي

الصورة لأبو زبيدة واسمه الكامل زين العابدين محمد حسين - Zayn al Abidin Muhammad Husayn, a Palestinian known as Abu Zubaydah, is imprisoned at Guantanamo. (Department of Defense/MCT via Getty Images)

وصف أبو زبيدة أميركيًّا بأنه الرجل الثالث في تنظيم القاعدة وقت اعتقاله عام 2002 على خلفية هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وتعرض لمحاكاة الإغراق 83 مرة في أغسطس/آب 2003 ضمن تعذيب ممنهج أفقده إحدى عينيه. نقل إلى غوانتانامو عام 2006.

أقرت وزارة العدل الأميركية عام 2009 بأن الرجل لم يكن له "أي دور مباشر أو معرفة مسبقة" بالهجمات التي اعتقل على خلفيتها، ولم توجه له أي تهمة رسميا.

المولد والنشأة
ولد زين العابدين محمد حسين الذي يحمل اسما آخر هو عبد الهادي الوهاب ولقبه أبو زبيدة يوم 12 مارس/آذار 1971 في الرياض من عائلة فلسطينية تقيم في السعودية.

الدراسة والتكوين
طبقا لوثائق منشورة في موقع ويكيليس، فإن أبو زبيدة تابع دراسته العليا طالبا في علوم الحاسوب في الهند.

الوظائف والمسؤوليات
اتهمه مسؤولون أميركيون بأنه شغل منصب القائد الميداني لعمليات القاعدة، وهو المنصب الذي يتولى صاحبه تنسيق تنفيذ العمليات مع الخلايا التابعة للقاعدة في الخارج.

لكن الصحفي الأميركي رون سوسكيند شكك في الادعاءات الموجهة لأبو زبيدة، حيث ذكر في كتابه الصادر عام 2006 "فكر الواحد بالمئة.. نظرة عميقة إلى مطاردة أميركا لأعدائها منذ 11-9″ أن أبو زبيدة لم يكن سوى رجل يقدم بعض الخدمات اللوجستية البسيطة، حيث كان يعمل وكيل سياحة وسفر.

التجربة القتالية
سافر للالتحاق بالحرب الأهلية في أفغانستان عقب رحيل القوات السوفياتية، وبقي هناك لسنوات. لم تدعم الأسرة قرار سفره، فأرسلت إليه أخاه لإقناعه بالعودة، إلا أن أبو زبيدة رفض العدول عن موقفه وفضل البقاء في أفغانستان.

برز اسمه في وسائل الإعلام حينما اعتقلته قوات الأمن الباكستانية عام 2002 أثناء عملية مداهمة مشتركة قامت بها مع وحدات أميركية جنوبي باكستان، حيث تعرض لإطلاق نار أثناء القبض عليه ونُقل إلى مستشفى في لاهور بباكستان، قبل نقله إلى منشأة احتجاز سرية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.أي) بحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش صدر صيف العام 2011 بعنوان "التعذيب.. عواقب من الإفلات.. إدارة بوش وسوء معاملة المحتجزين".

نقل سريعا -بحسب محاميه- إلى مواقع سرية أواخر العام 2002 وما تلاه في كل من تايلند وبولندا ومناطق أخرى، وصنفته الوكالة بأنه "شخصية رفيعة المستوى".

اعتقدت الاستخبارات الأميركية أن أبو زبيدة يحجب معلومات تهدد الأمن أثناء جلسات الاستجواب الأولى، واقترحت أساليب استجواب بديلة ضمن مشروع تعذيب خاص كان أول ضحاياه، وشمل "الإيهام بالغرق".

مباشرة بعد اعتقاله، أصدر مكتب المستشار القانوني التابع لوزارة العدل مذكرتين إحداهما سرية، والأخرى معلنة تفيد بأن أساليب الاستجواب التي تعتمدها "السي.آي.أي" لا تخرق القانون الاتحادي لمكافحة التعذيب. أما المذكرة السرية فتسمح باستخدام أساليب تعذيب محددة، من ضمنها "الإيهام بالغرق".

وفي مذكراته المنشورة، اعترف الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن بالموافقة على اقتراح السي.آي.أي استعمال تقنيات شملت الإيهام بالغرق على أبو زبيدة.

طبقاً لصحيفة نيويورك تايمز، "كان أبو زبيدة ضعيفاً من إصاباته، وكان مجرداً من ثيابه، وكان في زنزانة دون فراش أو بطانية.. كان يقف أو يرقد على الأرض الخالية". وعلى حد قول أحد المسؤولين، "ازرقّ لون جسد أبو زبيدة".

فيما بعد قال أبو زبيدة للجنة الدولية للصليب الأحمر بأنه أثناء تعريضه للإغراق، كان يجاهد لتحرير نفسه من قيوده، مما أصابه بالألم في مواضع الجراح، وأنه كان يتقيأ في كل مرة يتعرض فيها "للاختناق"، وكان خلال تلك الفترة قريبا من الموت أربع مرات.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2005، وبخلاف توجيهات البيت الأبيض ومكتب مدير الاستخبارات الوطنية، أعلن مدير الخدمة السرية الوطنية في "السي.آي.أي" إتلاف فيديوهات التعذيب القاسية التي تعرض لها أبو زبيدة منذ العام 2002.

خلال التحقيق معه، قال إنه قدم معلومات معروفة بشأن القاعدة يمكن لأي شخص أقام في أفغانستان فترة من الزمن أن يقدمها، مضيفا أن المحققين سألوه: ما هي الخلايا النائمة للقاعدة في الولايات المتحدة؟ وما هي أهدافها؟ فرد عليهم "أنا لا أعرف تنظيم القاعدة أو ماذا يخططون".

نقل السجين أبو زبيدة إلى معتقل غوانتانامو في سبتمبر/أيلول 2006 وحمل الرقم 10016 حيث وضع في "المعسكر رقم7" الشديد الحراسة والمعزول عن العالم تماما.

في مقال منشور بصحيفة لوس أنجلوس تايمز عام 2012، كتب جوزيف مارغوليس مساعد مدير مركز رودريك مكارثر في كلية القانون بجامعة نورث ويسترن -وهو محام من فريق الدفاع الخاص عن أبو زبيدة- أن "المحققين الأميركيين عصبوا رأس موكله بخرقة وضربوه بالجدار مرات متتالية.. تُرك مقيداً في صندوق صغير معتم كليا لساعات عديدة.. ولم يكن يُسمح له بالنوم لعدة أيام متواصلة". وخلال إذاقته ألوان التعذيب، فقد أبو زبيدة إحدى عينيه.

وفي العام 2007 قال أبو زبيدة في جلسة بالمحكمة، إن بعض المعلومات التي قدمها للمحققين أثناء تعريضه لما أسماه "التعذيب" لم تكن حقيقية.

ورغم إفادة مسؤولين أميركيين في السنوات الأولى من اعتقال أبو زبيدة بأنه من كبار مساعدي زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ورغم ذكر اسمه في عدد من التقارير الاستخباراتية، لم توجه له رسميا أي تهمة بارتكاب جريمة.

وفي هذا الصدد قال جوزيف مارغوليس إن أبو زبيدة لم يُدَن بجريمة واحدة و"لن يُدان أبدا"، منتقدا المسؤولين الذين "أخطؤوا في الحكم على أبو زبيدة منذ سنوات، وأخضعوه لبرنامج استجواب قاس، وهم الآن في موقف صعب".

في هذا السياق وفي العام 2009 وصفت صحيفة "تايمز" التي اعتمدت على أقوال ضباط مخابرات سابقين وحاليين، التقييم الأولي لأبو زبيدة بأنه "مبالغ فيه لدرجة كبيرة"، وأنه أدى إلى "سوء فهم عميق" لدوره،بينما لم يكن سوى "كاتب في شؤون الموظفين".

وفي نفس العام، أقرّت وزارة العدل الأميركية بأنه ليس للرجل "أي دور مباشر أو معرفة مسبقة بالهجمات الإرهابية يوم 11 سبتمبر/أيلول 2001″، ولم يكن يوما عضوا أو حتى شريكا في تنظيم القاعدة.

وُنقل عن أبو زبيدة قوله في تقرير إحدى الجلسات التي جرت في غوانتانامو "قالوا لي: عفوا، اكتشفنا أنك لست الرجل الثالث، ولست قياديا ولا حتى مقاتلا".

تقرير منظمة هيومن رايتش ووتش أورد أن صحيفة واشنطن بوست انتهت إلى أنه "لم يتم الكشف عن مخطط واحد نتيجة لتعذيب واعترافات أبو زبيدة، طبقاً لمسؤولين سابقين رفيعي المستوى بالحكومة كانوا يتابعون التحقيقات معه عن كثب".

"مأزق أبو زبيدة" دفع وكالة الاستخبارات المركزية صيف العام 2016 إلى الطلب من وزارة العدل تقديم تعهد مسبق بعدم مقاضاة المسؤولين الذين شاركوا في أساليب التعذيب القاسية في المراحل الأولى من تنفيذ سياسة التعذيب التي كان أبو زبيدة أول ضحاياها.

وفي أغسطس/آب 2016 ظهر أبو زبيدة لأول مرة منذ اعتقاله عام 2002 في جلسة تابعها عبر الدائرة التلفزيونية في وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) عدد من الصحفيين والدبلوماسيين.

بقي أبو زبيدة صامتا طيلة 15 دقيقة مدة الجلسة، ونقل عنه بعدها بيان تمنى فيه العودة إلى عائلته للتعافي من جراح الاعتقال، و"البدء في حياة هادئة والاندماج في المجتمع".

المصدر : الجزيرة + صنداي تايمز + مواقع إلكترونية + وكالات