المجلس الوطني الفلسطيني.. البرلمان المعطل منذ عقدين

مقر المجلس الوطني الفلسطيني في عمان
المجلس الوطني يشكل المرجعية التشريعية العليا لكل هيئات ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية (الجزيرة)

أحد الأجهزة الإدارية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ويعتبر السلطة التشريعية العليا للفلسطينيين في كافة أماكن وجودهم، وهو الذي يضع سياسات المنظمة ويرسم برامجها الهادفة إلى نيل الحقوق الفلسطينية في الحرية والكرامة، دعي في أبريل/نيسان 2018 إلى الانعقاد بعد تعطل دام أكثر من عقدين من الزمن.

النشأة والتأسيس
أنشئ المجلس الوطني الفلسطيني عام 1948 بجهود قام بها الزعيم الفلسطيني الحاج أمين الحسيني حين سعى إلى عقد مجلس وطني فلسطيني في غزة، مثّل أول سلطة تشريعية فلسطينية تقام على أرض الدولة العربية الفلسطينية التي نص عليها قرار الأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947.

وشكل المجلس حينذاك حكومة عموم فلسطين برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي الذي مثل فلسطين في جامعة الدول العربية وانتهى دوره.

ويشكل المجلس الوطني المرجعية التشريعية العليا لكل هيئات ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية التي هي كيان سياسي يعتبر الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني أين ما وجد، وفقا لمؤتمر القمة العربي الذي عقد في الرباط عام 1974.

وفي عام 1964 عاد المجلس الوطني الفلسطيني ليتصدر المشهد السياسي مرة أخرى، لكن هذه المرة بشكل مختلف وبثوب جديد، ففي هذا العام اجتمع 422 فلسطينيا بدعوة من مندوب فلسطين في الجامعة العربية أحمد الشقيري بمؤتمر جامع في القدس أطلق عليه المجلس الوطني الفلسطيني.

وخرج المؤتمرون بقرارات مهمة كان من أبرزها: قيام منظمة التحرير الفلسطينية، وضع النظام الأساسي للمنظمة، اختيار أعضاء لجنتها التنفيذية، إصدار الميثاق القومي الفلسطيني، إصدار قانون انتخاب أعضاء المجلس الوطني، تشكيل قوات التحرير الشعبية.

وأثناء هذه الدورة انتخب أحمد الشقيري رئيسا للمجلس الوطني الفلسطيني الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي مرحلة لاحقة عقد المجلس الوطني 22 دورة.

وفي دورته الـ21 (دورة إعمار الوطن والاستقلال) التي عقدت في مدينة غزة خلال 22-25 أبريل/نيسان 1996 قرر المجلس الوطني اعتبار النواب المنتخبين في المجلس التشريعي الفلسطيني أعضاء فيه فور أدائهم القسم القانوني ليشكلوا بذلك جزءا من حصة فلسطينيي الداخل في المجلس الوطني.

المقر
نص النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية بمادته السابعة على أن مدينة القدس هي مقر المجلس الوطني، في حين نصت المادة الثامنة منه على أنه يمكن انعقاد جلساته في "أي مكان آخر حسب الظروف"، كما أن لمكتب رئاسة المجلس مقرا رئيسيا مؤقتا في العاصمة الأردنية عمان، وافتتح له فرعان في كل من غزة ونابلس بعد إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1993.

المهام
يختص المجلس بكل المسائل الدستورية والقانونية والبرامج السياسية الخاصة بالقضايا المصيرية للفلسطينيين، وكل ما يتعلق بمصالحه الحيوية العليا.

وطبقا لنصوص النظام الأساسي الفلسطيني فإن من مهام المجلس الوطني:

1- وضع السياسات والمخططات والبرامج لمنظمة التحرير الفلسطينية وأجهزتها.

2- بحث التقرير السنوي الذي تقدمه اللجنة التنفيذية عن إنجازات المنظمة.

3- بحث الاقتراحات التي تقدم إليه من اللجنة التنفيذية وتوصيات لجان المجلس وأي مسائل أخرى تعرض عليه.

4- النظر في التقرير السنوي للصندوق القومي واعتماد الميزانية.

5- تعديل النظام الأساسي الفلسطيني أو تغييره أو الإضافة إليه.

الهيكلة التنظيمية
تنص المادة التاسعة من النظام الأساسي على أنه "يكون للمجلس الوطني مكتب رئاسة مؤلف من رئيس ونائبين للرئيس وأمين سر ينتخبهم المجلس الوطني في بدء انعقاده".

ورئيس المجلس -حسب اللائحة الداخلية للمجلس- هو الذي يتكلم باسم المجلس وطبقا لإرادته، ويرعى تطبيق أحكام النظام الأساسي واللائحة الداخلية ويحافظ على نظامه، وهو الذي يفتتح الجلسات ويعلن انتهاءها ويضبطها ويدير المناقشات ويعلن ما يصدره المجلس من القرارات، ويشرف بوجه عام على حسن سير أعمال المجلس جميعها.

وتتبع للمجلس الوطني اللجان التخصصية الآتية:

1- اللجنة القانونية.

2- لجنة الشؤون البرلمانية والخارجية.

3- لجنة التربية والتعليم.

4- لجنة الثقافة والعلوم والآداب.

5- لجنة تقصي الحقائق.

6- لجنة سياسية.

7- لجنة اللاجئين.

8- لجنة شؤون القدس.

العضوية
يبلغ عدد أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني 765 عضوا ما بين مستقلين ومنتمين إلى تنظيمات حزبية أو مهنية أو فئوية.

وتنص الفقرة (أ) من المادة الخامسة من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية على أنه "ينتخب أعضاء المجلس الوطني عن طريق الاقتراع المباشر من قبل الشعب الفلسطيني بموجب نظام تضعه اللجنة التنفيذية لهذه الغاية"، أما الفقرة (ب) فتقول إنه "إذا شغر مقعد أو أكثر في المجلس لأي سبب من الأسباب يعين المجلس العضو أو الأعضاء لملء المقاعد الشاغرة".

وتعطي المادة الـ32 المجلس الوطني الحق في "ضم أعضاء جدد إليه من حين لآخر حسبما يرى ذلك ملائما، وبحسب ما تمليه متطلبات معركة التحرير ومقتضيات تعميق الوحدة الوطنية في ضوء أحكام الميثاق الوطني".

المأمورية
تحدد المادة الثامنة من النظام الأساسي لمنظمة التحرير مدة مأمورية المجلس بـ"ثلاث سنوات"، لكن المادة السادسة منه تقضي في فقرة (أ) بأنه "إذا تعذر إجراء الانتخابات الخاصة بالمجلس الوطني استمر المجلس الوطني قائما إلى أن تتهيأ ظروف الانتخابات".

كما أن نظام انتخاب المجلس الوطني الصادر في 17 يوليو/تموز 1965 يقول إنه "إذا تعذر إجراء الانتخابات الخاصة بالمجلس الوطني استمر المجلس قائما إلى أن تتهيأ ظروف الانتخابات"، وعمليا لم ينعقد المجلس بشكل كامل منذ أبريل/نيسان 1996.

أهم الدورات
دورتا 1965 و1966.. العضوية ثقب في جدار المجلس
كانت الدورتان الثانية والثالثة عامي 1965 و1966 استعراضا لما تم إنجازه وفقا للقرارات والتوصيات الصادرة عن الدورة الأولى، وتأكيدا للخط الفكري والنهج السياسي للمنظمة.

دورة 1968.. استقالة الشقيري وبروز عرفات
عقدت في القاهرة، وكانت حركة فتح قد بسطت سيطرتها على منظمة التحرير، وتمكنت من إنجاح الناطق الرسمي باسمها ياسر عرفات الذي رشح نفسه رئيسا للجنة التنفيذية للمنظمة.

وفي الدورة نفسها قدم أحمد الشقيري استقالته بعدما أصبحت بيئة العمل داخل المنظمة -على حد قوله- غير مهيأة لاستمراريته.

دورات 1969 و1970 و1971.. رفض مبادرة روجرز
كان الشغل الشاغل لهذه الدورات الثلاث بلورة موقف سياسي إزاء مبادرة وزير الخارجية الأميركي وليام روجرز التي قبلها الرئيس جمال عبد الناصر كسبا للوقت لحين اكتمال بناء حائط الصواريخ على طول قناة السويس، وقد رفض المجلس المبادرة.

دورتا 1972 و1973.. السلطة طريق إلى الدولة
في هاتين الدورتين تبنى المجلس الوطني بعض القرارات التي تشير إلى بداية تغير في فكر منظمة التحرير فيما يتعلق بحلم الدولة، ففي دورة 1972 الاستثنائية التي عقدت في عمان تبنى المجلس فكرة الدعوة إلى "الدولة الديمقراطية العلمانية"، وفي عام 1973 في دورة القاهرة اتخذ قرارا يدعو إلى "إقامة السلطة الوطنية المستقلة والمقاتلة للشعب الفلسطيني على كل جزء يتحرر من الأرض الفلسطينية".

دورة 1974.. شرعية المنظمة كممثل شرعي وحيد للفلسطينيين
في هذه الدورة رحب المجلس الوطني بنتائج القمة العربية المنعقدة بالرباط عام 1974 والتي حسمت بصورة نهائية النزاع بين الملك الأردني الحسين بن طلال ومنظمة التحرير، حيث صدر قرار بالإجماع جاء فيه "أن قادة الدول العربية يؤكدون حق الشعب الفلسطيني في إقامة سلطة وطنية مستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني على كل أرض يتم تحريرها".

دورة 1977.. وتغيير آخر في لغة الخطاب
عقد المجلس دورة عام 1977 بالقاهرة وأطلق عليها دورة الشهيد كمال جنبلاط، وقد لوحظ على بيان المجلس استخدامه عبارات تعزيز التضامن العربي بديلا عما كان مستخدما من قبل من عبارات الوحدة العربية والاتحاد العربي وما إلى ذلك.

دورتا 1979 و1981.. وتكرار الهجوم على كامب ديفد
يلاحظ أن الفترات الزمنية لانعقاد دورات المجلس الوطني بدأت تتباعد، فبدلا من الانعقاد مرة كل عام وأحيانا في العام الواحد مرتين أصبح انعقادها مرة كل عامين أمرا طبيعيا.

في دورة 1979 التي عقدت بدمشق وأطلق عليها دورة هواري بومدين أدان المجلس معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وكذلك فعل في دورة 1981 التي عقدت أيضا بدمشق.

دورة 1983.. وخط سياسي أحدث انشقاقات
تميزت دورة المجلس الوطني هذه المنعقدة في الجزائر عام 1983 بنشاط ملحوظ وقرارات مهمة أعادت إلى واجهة العمل السياسي منظمة التحرير الفلسطينية كمتحدث وحيد باسم الشعب الفلسطيني تبدي رأيها وتبادر بتقديم رؤاها وتصوراتها بدلا من الأنظمة العربية التي حاولت القيام بهذا الدور سواء النظام المصري عام 1979 أو السعودي عام 1981.

دورة 1985.. ونبذ إرهاب المنظمة
عقدت هذه الدورة في عمان، وكان أهم قراراتها الترحيب باتفاق عمان بين المنظمة والأردن والذي نصت أهم بنوده على قبول مبدأ الأرض مقابل السلام وموافقة المنظمة على عقد مؤتمر دولي للسلام تحضره كل الأطراف بما فيها إسرائيل، غير أن هذه الدورة شهدت وربما للمرة الأولى تكرار عبارة "نبذ الإرهاب" وقد نصت الاتفاقية على نبذ الإرهاب من قبل المنظمة.

دورة 1988.. وإعلان الدولة الفلسطينية
جاءت هذه الدورة وسط أحداث متسارعة وساخنة، الانتفاضة الأولى قامت قبل عام ولا تزال على أشدها، وإسرائيل في أبريل/نيسان اغتالت خليل الوزير أبو جهاد أحد أبرز قادة المنظمة، والملك حسين قرر في يوليو/تموز قطع جميع الروابط القانونية والإدارية بين بلده والضفة الغربية، وياسر عرفات دعا إسرائيل من على منبر البرلمان الأوروبي إلى عقد سلام الشجعان.

دورة 1991.. والموقف من مؤتمر مدريد
عقدت هذه الدورة -التي جاءت في ظروف بالغة الحساسية عربيا وفلسطينيا- بالجزائر، وخرجت بإعلان سياسي أكد على أمور عديدة، من بينها ضرورة انعقاد مؤتمر مدريد على أساس القرارين 242 و338 تحت شعار "الأرض مقابل السلام"، وعلى ضرورة تسمية الممثلين الفلسطينيين في مؤتمر السلام من قبل منظمة التحرير الفلسطينية بدون تدخل خارجي.

دورة 1996.. الدورة الأخيرة وإلغاء بنود من الميثاق الوطني
جاءت هذه الدورة المهمة والأخيرة من دورات المجلس الوطني -التي عقدت في غزة برئاسة سليم الزعنون- في ظروف سياسية وإنسانية عربية بالغة الدقة، وكانت مخرجاتها بالغة التأثير، حيث قررت بأغلبية ساحقة تعديل الميثاق بحذف المواد التالية:
– (المادة 2): تشكل فلسطين في حدودها خلال الانتداب البريطاني وحدة إقليمية غير قابلة للتجزئة.

– (المادة 9): الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد للوصول إلى تحرير فلسطين، ويؤكد الشعب العربي الفلسطيني عزمه المطلق وقراره الحازم بمتابعة الكفاح المسلح وتحضير ثورة شعبية مسلحة لتحرير بلده والعودة إليه.

– (المادة 16): تحرير فلسطين هو من وجهة النظر العربية واجب وطني يهدف إلى إلقاء الصهيونية من فلسطين.

– (المادة 19): تقسيم فلسطين في عام 1947 وإقامة دولة إسرائيل هما غير قانونيين كليا أيا كان الوقت الذي انقضى، لأنهما مناقضان لإرادة الشعب الفلسطيني ولحقه الطبيعي في وطنه.

– (المادة 20): كما أن اليهود لا يشكلون أمة واحدة لها هويتها الخاصة وإنما هم مواطنون في الدول التي ينتمون إليها.

– (المادة 22): الصهيونية حركة سياسية مرتبطة عضويا بالإمبريالية العالمية ومناقضة لأي عمل تحريري وأي حركة تقدمية في العالم، إنها عرقية ومتعصبة بطبيعتها، وعدائية وتوسعية واستعمارية في أهدافها، وفاشية في نهجها.

المصدر : الجزيرة