"الحزب الإسلامي" بأفغانستان.. القادم من المعارك للسياسة

الموسوعة - الحزب الإسلامي في أفغانستان

حزب سياسي أفغاني ذو خلفية إسلامية، شارك في قتال الاتحاد السوفياتي، وكان أحد أطراف الحرب الأهلية الأفغانية التي تلت انسحاب السوفيات من أفغانستان. وقع في أواخر 2016 اتفاق مصالحة وصف بالتاريخي مع الحكومة الأفغانية.

التأسيس
عاشت أفغانستان في ستينيات القرن الماضي موجة مد إسلامي ردا على المد الشيوعي القادم من الجارة السوفياتية في عهدي الملك الأفغاني السابق محمد ظاهر شاه ورئيس وزرائه محمد داود خان.

وهكذا ظهرت عدة تشكيلات سياسية إسلامية تحت اسم "الشباب المسلم" و"جمعية خدام الفرقان" ثم "الجمعية الإسلامية" التي تعتبر أقدم التشكيلات الإسلامية، والتي واجهها رئيس الوزراء محمد داود خان بإجراءات تعسفية نجم عنها قتل عدد كبير من قادة الجمعية الإسلامية واعتقال آخرين، ثم ازداد قمعه للإسلاميين بعد أن انقلب بشكل غير دموي على الملك محمد ظاهر شاه، ونصب نفسه رئيسا -مؤسسا بذلك جمهورية- إلى أن قضى في انقلاب قاده الشيوعيون عام 1978.

وفي عهد الجنرال ضياء الحق، قدمت باكستان -التي كانت تخشى المد الشيوعي القادم من أفغانستان- دعمها للإسلاميين الأفغان، وكان قلب الدين حكمتيار -الذي أسس في تلك الظروف "الحزب الإسلامي"- يدها النافذة داخل أفغانستان آنذاك، خاصة بعد أن قُتل والده واثنان من إخوته في سجون كابل بعد مجيء الشيوعيين إلى السلطة في أبريل/نيسان 1978.

خلال هذه الفترة من نهاية السبعينيات التي تميزت بالقمع المتواصل للإسلاميين الأفغان والتدافع الشديد مع الشيوعيين، أسس قلب الدين حكمتيار الحزب الإسلامي في المهجر؛ حيث اتفق مع برهان الدين رباني عام 1974 على إعادة تنظيم الجمعية الإسلامية الأفغانية في المهجر في منطقة بيشاور الباكستانية، على أن يتولى رباني رئاسة الجمعية وشؤون العلاقات الخارجية بينما يتولى حكمتيار الشؤون الداخلية والعسكرية.

ولكن سرعان ما تفجرت الخلافات بين الاثنين وتطورت حتى خرج حكمتيار من الجمعية ليؤسس الحزب الإسلامي عام 1976.

التوجه الفكري
تأسس الحزب في بدايته كرد فكري وسياسي وأيديولوجي على المد الشيوعي في أفغانستان، واحتضن جزءا من المقاتلين العرب الذين ساهموا في قتال السوفيات، ثم تحول لاحقا إلى مواجهة القوات الأجنبية في أفغانستان.

ويصنف مراقبون الحزب فكريا وأيديولوجيا ضمن الأحزاب السلفية الجهادية ذات الطبيعة المحلية الصرفة، المستندة على الأبعاد القبلية والمناطقية والمصالح السياسية التي تفرض تغييرا متواصلا في التحالفات والولاءات والمواقف والتوجهات.

المسار السياسي والعسكري
مرّ الحزب الإسلامي الأفغاني بقيادة حكمتيار بأربع محطات رئيسية، هي:

الحرب مع السوفيات: تأسس الحزب في خضم مواجهة مفتوحة بين التيارات والشخصيات الإسلامية مع المد الشيوعي الداخلي في أفغانستان، وكان أحد سبعة أحزاب اتخذت من باكستان مقرا لها قبل انهيار حكومة نجيب الله الموالية لموسكو.

وساهم الحزب مساهمة كبيرة في الحرب على الاتحاد السوفياتي (1979-1989)، واحتضن بين صفوفه عددا من المقاتلين العرب الذين عرفوا لاحقا بـ"أفغان العرب" الذين قدموا من بلاد عربية شتى لنصرة الأفغان ودعمهم في قتال السوفيات.

ثم شارك رئيسه حكمتيار في تحالف المنظمات السبع، واختير يوم 24 فبراير/شباط 1989 وزيرا للخارجية بحكومة المجاهدين، إلا أنه جمد عضويته في الحكومة في أغسطس/آب 1989.

دخول كابل: كانت المرحلة الثانية من مسار الحزب هي مرحلة ما بعد هزيمة الاتحاد السوفياتي ودخول المقاتلين إلى العاصمة كابول، ولكن سرعان ما اندلع القتال بين فصائل المجاهدين بعد دخولهم كابل، مما تسبب في عقد العديد من التحالفات والتراجع عنها، وكان رئيس الحزب حكمتيار في كل تلك التحولات عنصرا فاعلا، لكنه حافظ مع ذلك على خلافه مع رباني وشاه مسعود حتى أخرجتهما حركة طالبان من العاصمة.

مرحلة طالبان: مثّل ظهور طالبان وسيطرتها على كابل مرحلة فارقة في حياة الحزب الإسلامي؛ فبمجرد دخولها العاصمة اختفى رئيس الحزب عن الأنظار، وبدأ الحزب في التراجع تحت ضربات طالبان التي بسطت نفوذها وسيطرتها سريعا على الجزء الأكبر من أفغانستان.

ورغم أن العلاقة بين الحزب الإسلامي وطالبان اتسمت بالعداوة في بدايتها، فإنها تحسنت لاحقا بعد سقوط حكم طالبان ومقدم الاحتلال الأميركي، حيث تحول الحزب إلى مقاتلة القوات الأجنبية في أفغانستان وظلت العلاقة بين الطرفين في تحسن بحكم اتفاقهما في حرب القوات الأجنبية وحكومة كابول.

اتفاق المصالحة: بعد حوالي 14 سنة من قتال القوات الأميركية وقوات الحكومة الأفغانية في مناطق مختلفة من البلاد، دخل الحزب في أواخر 2016 مرحلة جديدة ومختلفة تماما عما سبقها، بعد أن وقع اتفاقا مع الحكومة.

فبعد تأييده تنظيم الدولة الإسلامية، فاجأ رئيس الحزب قلب الدين حكمتيار عام 2016 الساحة الجهادية الأفغانية بقبوله التفاوض مع حكومة كابل.

وقد أعلن الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار قبوله المشاركة في مفاوضات سلام دعاه إليها الرئيس الأفغاني برسالة خاصة، في إطار المحادثات الرباعية بمشاركة كل من باكستان والصين والولايات المتحدة بالإضافة إلى أفغانستان.

وجاء هذا الموقف بعد فترة وجيزة من اعتبار حكمتيار حركةَ طالبان عميلة لجهات أجنبية وغدة سرطانية يجب استئصالها، وذلك في ظل أنباء عن خلافات داخل الحركة.

وفي نهاية سبتمبر/أيلول 2016، وقع اتفاق مصالحة بين الحزب الإسلامي والحكومة الأفغانية، حيث تحدث حكمتيار في المناسبة -وهو من أبرز المطلوبين على "لائحة الإرهاب الدولية"- وخاطب الشعب مباشرة عبر جميع وسائل الإعلام الأفغانية من خلال دائرة تلفزيونية مغلقة من مكان مجهول.

وظهر حكمتيار لاعبا سياسيا جديدا بعد أن كان زعيم معارضة مسلحة خلال 16عاما من عمر التدخل العسكري الأميركي الغربي في البلاد، وتعززت صورته مع حضور معظم القيادات الأفغانية التي اجتمعت في القصر الجمهوري بكابل لمباركة اتفاق يمهد لعودته مع دعم دولي وإقليمي للاتفاق الموقع.

وقد شمل الاتفاق العفو عن أعضاء الحزب وتسريح السجناء منهم، والموافقة على رفع اسم زعيمه حكمتيار من القائمة السوداء للأمم المتحدة، وحقه في العودة والاعتراف بجماعته حزبا سياسيا.

في المقابل، تنازل الحزب الإسلامي عن مطلبه الأساسي، وهو تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، وتعهد مقاتلوه بإلقاء السلاح واحترام الدستور.

وفي أبريل/نيسان 2017، عاد حكمتيار إلى الحياة السياسية بعد عشرين عاما قضاها في المنفى، داعيا طالبان إلى إلقاء سلاحها والانضمام إلى "قافلة السلام".

وتوجّه حكمتيار -بعمامته السوداء التي اشتهر بها- بكلمة لمناصريه في مدينة مهترلام عاصمة ولاية لغمان شرقي البلاد بثت على نطاق واسع بأفغانستان، وقال "تعالوا بالله عليكم وأوقفوا القتال في حرب ضحاياها هم الأفغان"، مضيفا "انضموا لقافلة السلام (…) حددوا أهدافكم وأنا سأكون معكم في أهدافكم الجيدة".

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية