الأورومو.. كبرى قوميات إثيوبيا وأشدها حرمانا

Members of the Ethiophian Oromo Liberation Front protest against the political situation in their country in front of the Chancellery in Berlin, Germany, 02 September 2016. Members of the Oromo people, which in Ethiopia forms the largest ethnic group, have been protesting against what they claim to be systematic persecution and in Ethiopia and over territorial disputes.
إحدى المظاهرات التي ينظمها أبناء الأورومو في المهجر لمطالبة المجتمع الدولي بالضغط على الحكومة الإثيوبية لإنصاف قوميتهم (الأوروبية)

"الأورومو" كبرى القوميات الإثيوبية، يمثل المسلمون أغلبيتها الساحقة، وتحتج منذ عشرات السنين بسبب "انتهاك" حقوقها والتمييز الاقتصادي والمجتمعي الذي تمارسه الحكومة ضدها، وتناضل لإنصافها عبر مجموعة من المنظمات بعضها فصائل مسلحة.

معلومات أساسية
تحتل منطقة "أوروميا" معظم أراضي وسط إثيوبيا محتلة كبرى ولاياتها التسع، وتتكون من عشرة أقاليم من أشهرها إقليم "شوا" الذي تقع في قلبه عاصمة البلاد أديس أبابا، وإقليم "هرر" الذي كان مملكة إسلامية طوال قرون عدة.

تقدر مساحة منطقة "أوروميا" -التي يطالب أهلها بالاستقلال- بنحو 600 ألف كلم مربع، وتحد أراضيها شرقا صحراءُ أوغادين (الصومال الغربي)، وغربا جمهورية السودان، وشمالا أقاليمُ قوميتيْ "التغراي" و"العفر" ودولة إريتريا، وجنوبا كينيا التي للأورومو امتدادات بين سكانها.

يبلغ تعداد قومية الأورومو زهاء 40 مليونا، وتشكل أغلبية سكان البلاد البالغ عددهم نحو 94 مليون نسمة (حسب إحصاءات 2013) والمكونين من نحو 80 عرقية، ثم تأتي بعدها عدديا قومية "الأمهرية" -المهيمنة على حكم البلاد- بنسبة تقدر بـ27%.

تنتمي الأورومو في الأصل السلالي إلى "العنصر الحامي" (الشعوب الكوشية) إلى جانب القومية "الصومالية" و"العفرية"، في حين تعود أصول قوميتيْ "الأمهرية" و"التغراي" المتحكمتين في البلاد إلى "العنصر السامي"، وللأورومو لغتها الخاصة بها والمختلفة عن "الأمهرية" التي هي اللغة الرسمية في إثيوبيا.

تتراوح نسبة المسلمين في قومية الأورومو بين 50% و80% حسب تباين مصادر الإحصاءات، والنسبة الباقية تتوزع بين المسيحيين الأرثوذوكس والبروتستانت وبعض النِّحَل الأفريقية المحلية. ومن كبريات قبائلها "برينتوما" و"بورانا"، ويعتمد اقتصادهم أساسا على الزراعة والرعي لكون أرضهم من أخصب أراضي أفريقيا.

التاريخ والسياسة
يأتي شعب الأورومو في مقدمة الشعوب التي استوطنت منطقة القرن الأفريقي منذ القدم (ما يقارب 7000 سنة)، وقد خضعوا على مر التاريخ لدول وممالك عديدة، من أواخرها الممالك الإسلامية التي حكمت المنطقة قرونا إثر دخولها الإسلام إليها.

وفي العصر الحديث تعود بداية تكون الدولة الإثيوبية إلى منتصف القرن الـ19 الميلادي، حين اتسمت سياسات الأباطرة الإثيوبيين بالتوسع على حساب الأقاليم الإسلامية المجاورة وقومياتها، فتشكلت الدولة من عرقيات مختلفة تحت هيمنة عرقيتيْ  الأمهرية والتيغراي اللتان تنتميان في معظمهما إلى المسيحية.

ومن هنا ترى الأورومو أن إثيوبيا ليست دولة موحدة من حيث التاريخ والثقافة واللغة المشتركة، وإنما تشكلت عبر حروب قادها "الغزاة الإثيوبيون" بمساعدة من الأوروبيين، بدافع تصورهم أن إثيوبيا "جزيرة مسيحية تعيش في بحر إسلامي".

ومنذ ستينيات القرن العشرين حاولت جماعات من ناشطي الأورومو إعادة صياغة مفهوم هويتهم الوطنية برفض الهوية الوطنية الإثيوبية "المفروضة على الجميع"، لكن الانشقاقات التي اتسمت بها صفوفهم ساهمت في إضعاف قدرتهم على تحقيق أهدافهم.

فقد شكلت الأورومو منظمات قومية عديدة منها "جبهة تحرير أورومو الإسلامية"،  و"الرابطة الدولية لشعب الأورومو"، و"جمعية المرأة الأوروموية"، و"شباب مسيرة الأورومو"، لكن أبرز وأكبر هذه المنظمات هي "جبهة تحرير الأورومو" التي نشأت عام 1973، فحققت شعبية عظيمة في مناطق قوميتها.

وفي عام 1991 شاركت الجبهة -مع "الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية"- في تشكيل حكومة انتقالية للبلاد إثر إسقاط حكم منغستو هيلا مريام، الذي استولى على حكم البلاد عام 1974 وكان مدعوما من الاتحاد السوفياتي.

لكن الجبهة -التي لا تزال ينظر إليها بوصفها الصوت المعبر عن مظالم الأورومو- خرجت من التحالف الحاكم إثر انتخابات صيف 1992، وشنت بدءا من 1993 "كفاحا مسلحا" ضد الحكومة الإثيوبية التي تقودها قوميتا الأمهرية والتغراي، ولم تشارك في الحكم منذ ذلك التاريخ بل أصبحت تطالب بالحكم الذاتي أو الانفصال.

وبعد ابتعاد جبهة تحرير أورومو عن العملية السياسية أصبحت "المنظمة الديمقراطية لشعب الأورومو" المشاركة في الحكومة هي المسيطر على المقاعد النيابية المخصصة لولاية أوروميا، وأصبحت هذه المنظمة تحتكر بصورة شبه كاملة السلطة السياسية في الولاية منذ 1992.

وعلى العموم، تتهم الأورومو السلطات الإثيوبية بأنها تعتمد تجاهها سياسة القتل والتنكيل والاعتقال العشوائي، واغتصاب النساء والتهجير القسري والاستيطان المنظم والإبادة الجماعية ومحاربة الثقافة الخاصة لقوميتها، وباعتمادها سياسة تكرس انتشار الفقر والتخلف والجهل ومحاربة التنمية والتطور في مناطقها.

وتعتبر برامج الحكومة المركزية التي تنفذها في مناطقها تحت مسميات الإغاثة والتنمية ومحو الأمية في القرى "تضليلا للرأي العام العالمي"، وتتهمها كذلك باستخدام سياسة تقسيم الأراضي والاستيطان بغرض الإخلال بالتركيبة السكانية لصالح "الاحتلال".

كما تشتكي هذه القومية من منع السلطات أبناء الأورومو من استخدام لغتهم في التعليم، حيث يُشترط في من يلتحق بالمدارس والجامعات إتقان اللغة الأمهرية التي يرون أنها "لغة استعمارية"، الأمر الذي أدى إلى انتشار الجهل وسط أبناء القومية بنسبة 80%.

وتعاني الأورومو فقدان الحقوق الأساسية كحرية التعبير والحركة والتجارة، وحرية تأسيس الأحزاب والجمعيات، إضافة إلى ما تسميه "المستقبل المجهول" الذي ينتظر أطفالها المحرومين من مقومات الحياة الأساسية من تعليم وصحة.

ويقول ناشطو الأورومو إن أغلبية أبناء القومية اضطروا إلى ترك مدنهم وقراهم إما إلى المناطق الداخلية أو إلى الخارج بنسبة 75% منذ 1992، نتيجة "السياسات العدوانية" التي تنتهجها أديس أبابا ضدهم.

ويؤكدون أن 45% من النازحين هربوا إلى دول السودان واليمن وإريتريا والصومال وكينيا وأوغندا ومصر وجنوب أفريقيا ودول الخليج العربي، وبعضهم هاجر إلى أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا.

ويرجعون أسباب استهداف الحكومة الإثيوبية لقوميتهم إلى ثلاثة عوامل، أولها هو خوفها من كثافتها السكانية إذ تشكل 40% من مجمل سكان الدولة، وثانيها يتمثل في الديانة الإسلامية حيث تقدر نسبة المسلمين فيها بنحو 80%، في حين يتجسد الثالث في تمسك القومية بمبدأ حق تقرير المصير والاستقلال عن إثيوبيا.

وقد نظمت قومية الأورومو منذ 2001 حملات عدة احتجاجا على الأوضاع التي تعانيها وسياسة الحكومة المركزية تجاهها، وكان أكبرها تلك التي خرجت في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2014، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015 حيث وقعت اضطرابات في 130 مدينة وخلفت مئة قتيل ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين.

وقد وجهت كل من منظمة العفو الدولية والمفوضية الدولية لحقوق الإنسان انتقادات حادة ومتكررة في مناسبات مختلفة إلى السلطات الإثيوبية بسبب اضطهادها للأورومو، بينما تصدر منظمة هيومن رايتس ووتش منذ 1992 تقارير سنوية عن إثيوبيا تؤكد تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مناطق هذه القومية.

وفي 19 مايو/أيار 2014 طالبت "المنظمة الألمانية للدفاع عن الشعوب المهددة" المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بإرسال لجنة مستقلة إلى إثيوبيا للتحقيق في "قمع دموي" نفذته الشرطة هناك ضد احتجاجات نظمها تلاميذ مدارس وطلاب جامعات من عرقية الأورومو.

وقالت المنظمة إن ثمانين تلميذا وطالبا على الأقل قُتلوا برصاص قوات الأمن خلال هذه المظاهرات التي شهدتها جامعات في تسع مدن إثيوبية، احتجاجا على إجراءات عدلت الحكومة بمقتضاها حدود المناطق والمدن.

وأكدت أن هذه السياسة تقتطع مساحات واسعة من الأراضي الزراعية بولاية أوروميا (تقدر بـ120 كيلومترا مربعا) وتضمها إلى حدود العاصمة، مما يهدد بتهجير عشرات آلاف الفلاحين من الأورومو عن أراضيهم التي تعتزم الحكومة إقامة مبان سكنية ومشاريع استثمارية فيها، من بينها مشروع لزراعة الورود لتصديرها إلى أوروبا.

وفي 18 يونيو/حزيران 2016 طالب مجلس الأحزاب السياسية الإثيوبي -الذي يضم 58 حزبا من بينها الائتلاف الحاكم- بتشكيل "هيئة محايدة" للتحقيق في مظاهرات اندلعت في إقليميْ أورومو وأمهرا وفي العاصمة أديس أبابا احتجاجا على خطط توسيع حدود العاصمة، وقتل فيها عشرات الأشخاص.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية