"المرابطون".. تنظيم يتنازعه الظواهري والبغدادي

فتح الاسلام/ Fatah al-Islam - الموسوعة
جماعة مسلحة تتبنى الفكر "السلفي الجهادي"، أعلنت تأسيسها 2013 إثر اندماج فصيلين من أنشط الفصائل الإسلامية المسلحة بشمالي مالي والصحراء الكبرى، لكنها شهدت خلافات تنظيمية بين مكونيْها كادت تعصف بها.


النشأة والتأسيس

أعلِنت نشأة تنظيم "المرابطون" في شمالي مالي يوم 23 أغسطس/آب 2013 إثر قرار زعيميْ جماعة "الملثمون" المختار بلمختار المكنى "خالد أبو العباس"، و"جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا" أحمد ولد العامر المكنى "أحمد التلمسي" (نسبة إلى منطقة تلمسي في شمال مالي)، تطوير تحالفهما الذي استمر أزيد من سنة ونصف سنة بحل تنظيميهما السابقين ودمجهما في تنظيم يُدعى "المرابطون".

وقال التنظيم الجديد -في بيان إعلان تأسيسه- إنه يسعى لتوحيد الجهود لتأسيس "دولة إسلامية"، وتوعد فرنسا وحلفاءها في المنطقة بما "يسوؤهم" وبـ"دحر" جيوشهم و"تدمير مخططاتهم ومشاريعهم"، داعيا إلى "ضرب المصالح الصليبية الموجودة في كل مكان".

الفكر والأيديولوجيا
ينتمي تنظيم "المرابطون" لتيار "السلفية الجهادية" الذي يؤمن بالرؤية الفكرية لتنظيم القاعدة المؤسسة على ضرورة "المفاصلة الجهادية" مع الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي و"حلفائها الغربيين"، تمهيدا لإقامة "دولة الخلافة الإسلامية" لتطبيق أحكام الإسلام.

المسار الميداني
حين قرر بلمختار والتلمسي اندماج جماعتيهما اتفقا على ألا يتولى أي منهما قيادة التنظيم الوليد في المرحلة الأولى، وبعد حوار داخلي استقر رأيهما على اختيار المصري أبو بكر المهاجر أميرا للتنظيم الجديد، وكان من الميزات التي أهلته لذلك سابقته في القتال في أفغانستان مرتين، الأولى نهاية الثمانينيات ضد الاتحاد السوفياتي، والثانية بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 ضد القوات الأميركية.

بيد أن رئيس اللجنة الشرعية لجماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا حماد ولد محمد الخير المكنى "أبو القعقاع" رفض حينها مبايعة أبو بكر المهاجر، وآزره في ذلك الموقف رئيس مجلس شورى التنظيم عدنان أبو الوليد الصحراوي، لكن هذا الأخير تراجع عن موقفه وقبل بيعة "المهاجر" وعُيّن عضوا في مجلس شورى التنظيم الجديد، بينما رفض حماد البيعة وترك التنظيم نهائيا.

وبعد أشهر معدودات قـُتل أبو بكر المصري في أبريل/نيسان 2014 فأصبح منصب الأمير شاغرا، فاختار مجلس الشورى أحمد ولد العامر (التلمسي) أميرا جديدا للتنظيم. ويقول أنصار بلمختار إن بيعة التلمسي تمت بعد رفض بلمختار عرضا من مجلس الشورى بمبايعته أميرا للتنظيم، وفي نهاية 2014 اغتالت القوات الفرنسية التلمسي، فشغر منصب الأمير مجددا للمرة الثانية خلال 15 شهرا.

وعشية مقتل أحمد التلمسي كان بالمختار موجودا خارج منطقة أزواد مع عناصر من مجلس الشورى، فسارع أبو الوليد الصحراوي إلى أخذ البيعة من أعضاء الشورى الموجودين معه في شمال مالي وأعلن نفسه أميرا للتنظيم، وهنا عادت حالة الاستقطاب الثنائي من جديد داخل صفوف الجماعة، بين فريقيْ "الملثمون" و"التوحيد والجهاد".

فقد رفض بلمختار ومن معه من عناصر جماعة "الملثمون" إمارة الصحراوي واعتبروها غير شرعية، وقالوا إن الصحراوي لا يزال شابا تنقصه الحنكة والتجربة الكافية، فضلا عن أن مدرسته الفكرية والإيديولوجية لا تلائم نهج التنظيم وتميل إلى التشدد والتهور، حسب قولهم.

أما أبو الوليد الصحراوي، فقد تمسك هو ومن يؤيده من عناصر "التوحيد والجهاد" سابقا ببيعته أميرا للتنظيم، وبدأ في تسيير شؤون التنظيم انطلاقا من موقعه الجديد، لكن الطرفين أبقيا على هذا الخلاف الداخلي في أوساطهما دون أن يخرج إلى العلن لمدة خمسة أشهر.

غير أن اتصالات ومشاورات بدأها المختار بلمختار مع قيادة "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" تهدف إلى دمج تنظيم "المرابطون" في القاعدة من جديد، حركت سواكن مياه الخلاف بين الرجلين؛ فقد سارع أبو الوليد الصحراوي إلى القيام بخطوة اعتبرها قطعا نهائيا للطريق على ذلك الاندماج المحتمل، فأعلن بيعة جماعته لـتنظيم الدولة الإسلامية بزعامة أبو بكر البغدادي.

وقال في تسجيل صوتي نشر على الإنترنت يوم 13 مايو/أيار 2015، "تعلن جماعة المرابطون بيعتها لأمير المؤمنين وخليفة المسلمين أبو بكر البغدادي. وندعو كل الجماعات الجهادية إلى مبايعة الخليفة لتوحيد كلمة المسلمين ورص صفوفهم أمام أعداء الدين، كما ندعو كافة المسلمين إلى الالتفاف حول دولة الإسلام والدفاع عن الخلافة".

ثم أشفع ذلك ببيان آخر أعلن فيه عدم وجود أي صلة تنظيمية بين جماعة "المرابطون" وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، مؤكدا سيطرته على شؤون التنظيم وأنه هو الآمر الناهي فيه.

لكن بلمختار سارع خلال أيام إلى الطعن في شرعية بيعة الصحراوي للدولة الإسلامية، وأكد أنها "لا تلزم شورى المرابطين" لكونها "مخالفة صريحة البيان التأسيسي الذي حدد منهج وسلوك التنظيم"، مشددا على أن تلك الخطوة لن تؤثر سلبا في مسار الحوار بينه (هو ومن يؤيده في التنظيم) وبين قيادة القاعدة في المغرب الإسلامي، بل قد تدفع الطرفين إلى تسريع تحقيق الاندماج المنشود قريبا.

وفي يوليو/تموز 2015، أعلن تنظيم "المرابطون" عزل أميره عدنان أبو الوليد الصحراوي وتنصيب مختار بلمختار أميرا جديدا.

وقال التنظيم -في بيان حصلت الجزيرة نت على نسخة منه – إنه يتمسك ببيعته تنظيم القاعدة، ويتشبث بمنهج زعيمه ومؤسسه أسامة بن لادن "منهج أهل السنة والجماعة بعيدا عن الغلو والإرجاء".

وأعلن التنظيم أن مجلس الشورى فيه اجتمع "وقرر تنصيب الشيخ المجاهد خالد أبو العباس أميرا على المرابطين".

ولم يتطرق البيان إلى مصير أمير التنظيم السابق عدنان أبو الوليد، لكنه أكد تبرؤ "المرابطون" من تنظيم الدولة الإسلامية الذي واصف تصرفاته بالمخالفات الشرعية، وقال "نبرأ إلى الله تعالى مما صنعت دولة البغدادي وروافدها من اجتهادات ومخالفات غير شرعية في تفريق صفوف المجاهدين وسفك دماء المسلمين المعصومة".

كما طالب التنظيم القبائل المتناحرة في منطقة أزواد (شمالي مالي) بنبذ الخلاف "والرجوع إلى الحق والتوحد عليه وتوجيه أسلحتهم إلى المحتل الفرنسي وأعوانه وقتالهم". ودعا مَن سمّاهم المجاهدين في شتى أنحاء العالم "للتوحد تحت كلمة واحدة وراية واحدة لاستعادة الخلافة الراشدة".

ويرى مراقبون أن الانقسام الذي شهده جماعة "المرابطون" سببه وجود بون شاسع في الطرح الفكري داخلها بين الرجلين الكبيرين فيها (بلمختار والصحراوي).

إذ بينما يُعرف أبو الوليد الصحراوي ومعظم قادة "التوحيد والجهاد" بأنهم يعتنقون فكرا وطرحا أيديولوجياً أقرب إلى فكر تنظيم "الدولة الإسلامية" منه إلى فكر القاعدة، يوصف بلمختار -لما كان عضوا في القاعدة- بأنه من "الحمائم" أو القادة الأقل تشددا فيها.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن السنوات الأخيرة شهدت مستوى من المراجعة في تفكير بلمختار، فضلا عن تشبثه برؤية وبيعة تنظيم "القاعدة في بلاد خراسان" بقيادة أيمن الظواهري.

ومن أبرز العمليات التي تبنتها جماعة "المرابطون" الهجوم الذي استهدف مطعما في باماكو (العاصمة المالية) يوم 6 مارس/آذار 2015 وأوقع خمسة قتلى بينهم أوروبيون، وأصيب فيه نحو ثمانية أشخاص -بينهم عسكريان سويسريان- وصفت إصابتهم بالخطيرة.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، عاود التنظيم استهداف مالي  في هجوم على فندق راديسون بلو  بباماكو، ذهب ضحيته أكثر من عشرين شخصا قبل أن تحرر القوات الخاصة الرهائن.

وأعلن تنظيم "المرابطون" مسؤوليته عن عملية احتجاز الرهائن بالتنسيق مع "إمارة الصحراء" في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي التي يتزعمها الجزائري يحيى أبو الهمام.

المصدر : الجزيرة