الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.. حركة يسارية فلسطينية ولدت من رحم القومية العربية

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - الموسوعة

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حزب سياسي فلسطيني يساري المرجعية يؤمن بضرورة الكفاح لاستعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية، وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.

تأسست الجبهة بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967، وهي من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، قادها جورج حبش منذ التأسيس إلى غاية عام 2000، وخلفه أبو علي مصطفى ثم أحمد سعدات، عارضت اتفاقية كامب ديفيد واتفاق أوسلو ومخرجاته.

النشأة والتأسيس

تأسست الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين امتدادا للفرع الفلسطيني من حركة القوميين العرب بعد اندماج 3 منظمات فدائية فلسطينية هي "شباب الثأر" و"أبطال العودة" و"جبهة التحرير الفلسطينية" ومجموعة من الضباط الناصريين وشخصيات مستقلة.

اندمجت المنظمات الثلاث في تنظيم واحد بعد قراءة سياسية لهزيمة يونيو/حزيران 1967 اعتبرت أن سببها يعود إلى "طبيعة البنية الطبقية والأيديولوجية للأنظمة العربية البرجوازية الصغيرة التي خاضت الحرب، ومن ضمنها نظام جمال عبد الناصر".

وانتهت التنظيمات المذكورة إلى أن الجماهير المنظمة هي الأساس في مواجهة إسرائيل، وضرورة الكفاح المسلح عبر حرب تحرير شعبية، وعدم الاكتفاء بحرب الجيوش العربية النظامية.

تم الإعلان عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيانها السياسي الأول يوم 11 ديسمبر/كانون الأول 1967، ومن أبرز مؤسسيها جورج حبش وأبو علي مصطفى ووديع حداد وهاني الهندي ونايف حواتمة وغسان كنفاني.

ولم تكد تمضي 10 أشهر على البيان الأول حتى انسحبت جبهة تحرير فلسطين بقيادة أحمد جبريل في أكتوبر/تشرين الأول 1968، ثم انسحب لاحقا في فبراير/شباط 1969 تيار آخر بقيادة نايف حواتمة.

الفكر والأيديولوجيا

انطلقت مكونات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من حركة القوميين العرب، لكن قراءتها لهزيمة الجيوش العربية في يونيو/حزيران 1967 جعلتها تغير توجهها نحو اليسار في مؤتمرها الأول في أغسطس/آب 1968، حيث أعلنت انحيازها إلى "أيديولوجية البروليتاريا".

وتبنت الجبهة في مؤتمرها الثاني في فبراير/شباط 1969 الماركسية اللينينية وتأثرت أكثر بتوجه الزعيم الصيني ماو تسي تونغ والجنرال الفيتنامي فو نجوين جياب أو ما سميت "الماركسية الآسيوية" التي عُرفت بالتركيز على أولوية الكفاح المسلح بدل النضال السياسي.

وبناء على ذلك اعتبرت الجبهة إسرائيل والحركة الصهيونية العالمية والإمبريالية العالمية والرجعية العربية أعداء للثورة الفلسطينية، واعتبرت نفسها طليعة متقدمة للطبقة العاملة الفلسطينية تسعى مع باقي الفصائل اليسارية والديمقراطية الفلسطينية إلى بناء حزب الطبقة العاملة لـ"تحرير الجماهير الفلسطينية من الاستعباد القومي والطبقي".

وفي مؤتمرها الثالث في مارس/آذار 1972 تخلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن الماركسية اللينينية بصيغتها الآسيوية السالف ذكرها، وأزالت مقولات ماو تسي تونغ من وثيقتها التنظيمية، وتبنت الماركسية اللينينية بالصيغة السوفياتية.

ورغم انهيار المعسكر الاشتراكي فإن الجبهة بقيت على خطها اليساري، ولم تتخل عن الفكر الماركسي والمنهج الجدلي التاريخي في تحليل الواقع وقراءته، وأكدت أنها تستحضر كذلك في تحليلها ورؤيتها كل ما هو ديمقراطي وإنساني في التراث الفكري والثقافي للشعب الفلسطيني والأمة العربية وكل الإنسانية.

سطرت الجبهة في أوراقها التنظيمية أهدافها وخطها السياسي، وأعلنت أنها تناضل من أجل استعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية، وعلى رأسها حق عودة اللاجئين وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية المستقلة وعاصمتها القدس، وتحرير فلسطين من الصهيونية، والعمل من أجل تحقيق مجتمع عربي اشتراكي موحد.

وأكدت أنها لأجل تحقيق أهدافها تمارس "كافة أشكال النضال السياسية والفكرية والاقتصادية السلمية والعنفية -بما في ذلك الكفاح المسلح (شكلت الجبهة جناحا مسلحا باسم قوات المقاومة الشعبية تغير اسمه عام 2001 إلى كتائب أبو علي مصطفى)- على أرضية ترابط أشكال وأساليب ووسائل الكفاح وضرورة إجادة استخدامها والتوفيق بينها واستنباط وتعميم الأشكال الملائمة وفق الظروف الملموسة في كل مرحلة".

عارضت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بشدة الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وأبرزها اتفاق أوسلو ومخرجاته.

فغسان كنفاني، ليس جسداً يمزق، ويتَنَاثَرُ بقدر ما هو مشروع فكري ثوري، رسم لنا الطريق الصحيح، بعدما أيقن أننا نعيشُ في عالمٍ ليس فيه مَكَانٍ للضعفاء
غسان كنفاني من أبرز مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (مواقع التواصل الاجتماعي)

الأعلام والرموز

يعتبر جورج حبش من أبرز الشخصيات في الجبهة، إذ قادها وشغل منصب أمينها العام منذ تأسيسها حتى تنحيه عام 2000، وخلفه مصطفى الزبيري المعروف بـ"أبو علي مصطفى".

تولى بعدها أحمد سعدات قيادة الجبهة، لكن السلطة الفلسطينية اعتقلته عام 2003 إثر اغتيال الوزير الإسرائيلي رحبعام زئيفي عام 2002، واقتحمت قوات إسرائيلية سجن أريحا عام 2006 واختطفت سعدات وحكمت عليه بالسجن 30 عاما.

وهناك شخصيات أخرى بارزة بصمت تاريخ الجبهة، من بينها وديع حداد والروائي غسان كنفاني وأحمد اليماني وحسين حمود.

أبرز المحطات

خرجت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من رحم حركة القوميين العرب التي تبنت الكفاح المسلح خيارا لتحرير فلسطين، وتشكلت بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967.

  • أعلنت عن نفسها في بيانها السياسي الأول يوم 11 ديسمبر/كانون الأول 1967.
  • انضمت عام 1968 إلى منظمة التحرير الفلسطينية.
  • شهدت في سنواتها الأولى تعثرات تنظيمية أدت إلى انشقاقات متتالية.
  • الانشقاق الأول وقع في أكتوبر/تشرين الأول 1968 بقيادة أحمد جبريل الذي أسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة.
  • الانشقاق الثاني في فبراير/شباط 1969 وقع بقيادة نايف حواتمة الذي أسس الجبهة الشعبية الثورية لتحرير فلسطين، قبل أن يتغير اسمها إلى الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
  • وفي أغسطس/آب 1970 انسحبت من الجبهة مجموعة الضباط الناصريين بقيادة أحمد زعرور وشكلت "منظمة فلسطين العربية"، وانضمت لاحقا إلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح).
  • وبعد قرابة سنتين انشق عن الجبهة عدد قليل من اليساريين من الجبهة، وشكلوا في مارس/آذار 1972 الجبهة الشعبية الثورية لتحرير فلسطين، وانضمت الجبهة إلى منظمة التحرير الفلسطينية عام 1968.
مهرجان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في غزة مواقع التواصل
مهرجان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في غزة (مواقع التواصل الاجتماعي)

تقلبات مرجعية

شهدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تقلبات في مرجعيتها النظرية والأيديولوجية، إذ انطلقت من خلفية قومية، ثم تحولت إلى الماركسية اللينينية بالصيغة الماوية، قبل أن تتحول إلى الماركسية اللينينية بالصيغة السوفياتية.

وأقرت الجبهة في مؤتمرها الوطني الثالث في مارس/آذار 1972 الهيكل التنظيمي للجبهة واعتمدت فيه الهيئات التالية:

  • المؤتمر الوطني العام.
  • اللجنة المركزية العامة.
  • لجنة الرقابة المركزية.
  • المكتب السياسي.
  • الأمين العام.

كما أقرت وثيقة "مهمات المرحلة الجديدة" التي أكدت أن "كل مقاتل سياسي، وكل سياسي مقاتل".

خاضت الجبهة منذ 23 يوليو/تموز 1968 العمل المسلح عبر "فرع العمليات الخارجية" برئاسة وديع حداد، ونفذت سلسلة عمليات تحت شعار "وراء العدو في كل مكان".

واشتهرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين باختطاف طائرة لشركة طيران العال الإسرائيلية، وفي ما بين 6 و9 سبتمبر/أيلول 1970اختطفت 3 طائرات أميركية وسويسرية وأنزلتها في الأردن، مما دفع منظمة التحرير الفلسطينية إلى تجميد عضوية الجبهة في لجنتها المركزية، كما واجهت القوات الإسرائيلية في قطاع غزة بقيادة محمد الأسود الذي كان يوصف بـ"غيفارا غزة".

بعد خروج قوات المقاومة الفلسطينية من الأردن انتقل الجسم الرئيسي من مقاتلي الجبهة إلى لبنان، وفي هذه المرحلة أدار وديع حداد عبر "فرع العمليات الخارجية" شبكة تحالفات مع حركات جذرية مثل "الجيش الأحمر الياباني" و"الألوية الحمراء" الإيطالية و"مجموعة بادر ماينهوف" الألمانية.

ودفع قرار الجبهة إيقاف عمليات خطف الطائرات -وفق تصريح جورج حبش في بيروت في 14 مارس/آذار 1972- إلى خلاف مع حداد الذي أصر على استمرارها، الأمر الذي جعل قيادة الجبهة تفصله من عضويتها وتتبرأ منه.

أصدرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1973 وثيقة بعنوان "البديل الثوري ومشروع الدولة التصفوي" دعت فيها إلى مواجهة الدعوة لمؤتمر جنيف الدولي عام 1973 الذي سعى إلى إخراج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي، واصفة إياه بالمؤامرة الخطيرة على الشعب الفلسطيني وعلى شعوب الأمة والمنطقة، ودعت إلى مواجهته سياسيا وإعلاميا، كما دعت لتصعيد الكفاح المسلح وتأسيس البديل الثوري الجديد.

سحبت الجبهة في 26 سبتمبر/أيلول 1974 ممثلها من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد تبني دورة المجلس الوطني الفلسطيني الـ12 في يونيو/حزيران 1974 البرنامج المرحلي والدخول في مرحلة الاستعداد لحلول التسوية.

وأسست برفقة 3 منظمات فدائية فلسطينية "جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية" في 15 أكتوبر/تشرين الأول 1974.

شاركت الجبهة في الحرب الأهلية اللبنانية مع فصائل منظمة التحرير والحركة الوطنية اللبنانية، كما شاركت في مقاومة الاجتياحات الإسرائيلية عامي 1978 و1982، لكن حصار بيروت بعد الغزو الإسرائيلي أخرج الفصائل الفلسطينية من لبنان، حيث توجه التنظيم العسكري للجبهة إلى مناطق في سوريا واليمن الجنوبي، فيما انتقلت القيادة السياسية إلى دمشق.

معارضة التسويات السياسية

أدانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين زيارة الرئيس المصري أنور السادات للقدس في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1977، واعتبرتها خيانة حمّلت مسؤوليتها لكل أطراف "التسوية السياسية"، كما عارضت بشدة اتفاقيات "كامب ديفيد".

انعطفت الجبهة نحو نهج المرحلية بعد انعقاد دورة المجلس الوطني الفلسطيني الـ14 بدمشق في يناير/كانون الثاني 1979، وتبنت "البرنامج السياسي والتنظيمي للوحدة الوطنية" وأكدت فيه حق الشعب الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية المستقلة على كامل ترابه الوطني وحق العودة.

وقد كرس المؤتمر الرابع للجبهة في نهاية أبريل/نيسان 1981 هذا التوجه الذي ينص على إمكانية إقامة الدولة والسلطة الفلسطينية على الأجزاء المحررة من فلسطين.

انخرطت الجبهة في الانتفاضة الأولى في ديسمبر/كانون الأول 1987، وكانت عضوة في "القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة"، ورحبت بوثيقة "إعلان الاستقلال" التي تضمنت إعلان الدولة الفلسطينية على أساس قرار الجمعية العامة رقم 181 (1947).

عارضت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين برفقة فصائل فلسطينية أخرى -أبرزها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) و"الجهاد الإسلامي"- مبدأ المشاركة الفلسطينية في مؤتمر مدريد للسلام في أكتوبر/تشرين الأول 1991.

وعلى الرغم من أنها أدانت "اتفاق أوسلو" في سبتمبر/أيلول عام 1993 فإن الجبهة بقيت متشبثة بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني.

George Habash, leader of the Popular Front for the Liberation of Palestine, attends a meeting of Palestine Liberation Organization leaders. (Photo by Peter Turnley/Corbis/VCG via Getty Images)
جورج حبش قاد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منذ تأسيسها حتى عام 2000 (غيتي)

عاد بين عامي 1998 و1999 عدد من قيادات الجبهة إلى ما تسمى مناطق سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني بالضفة الغربية وقطاع غزة، وأبرزهم مصطفى الزبيري (أبو علي مصطفى) الذي انتخب أمينا عاما للجبهة في مؤتمرها السادس في أبريل/نيسان 2000 خلفا لجورج حبش، وشاركت في انتفاضة الأقصى التي اندلعت في العام نفسه.

وفي 27 أغسطس/آب 2001 اغتالت إسرائيل أبو علي مصطفى بإطلاق صاروخ من مروحية أباتشي استهدف مكتبه في مدينة البيرة، فردت الجبهة باغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي.

انتخبت اللجنة المركزية للجبهة في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2001 أحمد سعدات أمينا عاما جديدا، لكن أجهزة السلطة الفلسطينية اعتقلته بعد 3 أشهر ونصف من انتخابه، وأودعته في سجن بأريحا بتهمة قتل وزير السياحة الإسرائيلي، وفي مارس/آذار 2006 اختطفته قوات إسرائيلية وأدخلته سجن عوفر.

وفي العام نفسه شاركت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في انتخابات المجلس التشريعي بهدف "محاولة ضبط وتعديل ميزان القوى الداخلي للتقليل من عملية التفرد والاستئثار بالقرارات، والاشتباك السياسي مع القيادة المتنفذة التي لم تزل متمسكة بأوسلو وتبعاته على الأرض"، وحصلت على 3 مقاعد فقط.

رفضت الجبهة توظيف الانتخابات للانخراط في مفاوضات جديدة في ظل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن واعتبرتها امتدادا لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية، داعية إلى "الفصل الكلي بين وظيفة السلطة الإدارية ومنظمة التحرير وبين المجلسين الوطني والتشريعي".

في فبراير/شباط 2021 قررت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المشاركة في الانتخابات التشريعية في مايو/أيار من العام نفسه، وبررت قرارها بالسعي إلى تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية عبر انتخابات المجلس الوطني، والتصدي لتقويض التعددية السياسية في فلسطين، ومواجهة الاستبداد والفساد وسياسة التفرد باتخاذ القرار في السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير.

وأكدت الجبهة في الوقت نفسه أن مشاركتها لا تعني أنها "شريك في تكريس اتفاقات أوسلو المذلة والكارثية"، بل شكل من أشكال مقاومة مخرجات الاتفاقات المذكورة.

المصدر : الجزيرة