"عساكر".. وثائقي أثار غضب نظام السيسي

"عساكر.. حكايات من التجنيد الإجباري في مصر"، شريط وثائقي بثته قناة الجزيرة مساء الأحد 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، تحدث عن واقع التجنيد الإجباري في مصر، وما يعانيه المجندون من ممارسات تؤثر سلبا على معنوياتهم وطموحاتهم في خدمة الجيش والبلد. أثار الفيلم غضب النظام المصري.

خدمة إجبارية
تفرض الخدمة العسكرية الإجبارية على كل مصري أتم 18 من عمره، ومدتها ثلاث سنوات تنخفض إلى سنة واحدة لخريجي الجامعات والمعاهد العليا، وإلى سنتين لذوي الشهادات المتوسطة، ويعاقب المتخلف عنها بالحبس والغرامة أو بإحداهما.

غير أن واقع التجنيد الإجباري في مصر يشير إلى خلل واسع تشرف عليه المؤسسة العسكرية، ويقع تحت وطأته مجندون يجدون أنفسهم في واقع غير ذي صلة بالخبرة العسكرية، بل أبعد من ذلك، مما يعتبره كثيرون مساسا مباشرا بآدميتهم.

مضمون الشريط
الفيلم الوثائقي "عساكر.. حكايات من التجنيد الإجباري في مصر" الذي بثته الجزيرة، قدم عبر شهادات وتحليلات مشهدا مفصلا ضمن سلسلة "تحقيق خاص" لما يعيشه المجندون بالجيش المصري.

ولم يتردد العديد من الضباط والمجندين وضباط الصف السابقين الذين ما زالوا على رأس أعمالهم، في التأكيد على أن المجند لا يُعدّ لكي يكون مؤهلا لأي معركة مقبلة.

فالمجندون يقضون شهورا وهم يتدربون على العرض الذي سيقدم أمام مسؤولي الدولة، وسوى ذلك ليست لديهم أدنى خبرة في التدريب العسكري.

العقيد الأميركي المتقاعد نورفيل دي أتكين أمضى فترة سنتين ونصف السنة بمصر في مكتب التعاون العسكري، و18 عاما في التدريس بمعهد كينيدي لعمليات الحرب الخاصة، يلخص الأمر بالقول "لا تنظر إلى طريقة استخدامه للأسلحة، بل إلى الثقافة التي بني عليها هذا الجيش".

عروض جميلة -يضيف- أكثر من مهارة العروض التي تقدم في الجيش الأميركي، لكنها لا تشير إلى مستوى التدريب الحقيقي، بل أكثر من ذلك "تعطينا انطباعا خاطئا".

ويزيد على ذلك ضابط احتياطي متسائلا: هل سأحارب بما اكتسبته في العرض العسكري؟ وهل سأواجه في المعركة باستعراض "كتفا سلاح أو جنبا سلاح؟

شهادات
شهادات كثيرة قدمها الفيلم لمجندين يعملون في الفلاحة وجني المحاصيل لحساب ضابط، أو لآخر يكون من ضمن خدماته العمل سائقا لدى أسرة الضابط، وعساكر يُمنحون إجازات من أجل صبغ شقة قائد الوحدة.

يقول أحد المجندين إنه أتى ليحفر خندقا في تدريب على معركة، وليس حفر أرض خاصة للضابط.

وعرض الشريط مقطعا من فيلم "الإرهاب والكباب" للممثل المصري عادل إمام، يظهر مجندا (أشرف عبد الباقي) وهو يتلقى الشتائم والإهانات من اللواء الذي احتج على طلب المجند من ابن اللواء -الذي يقوم بخدمته – باحترامه وعدم السخرية منه أمام أقرانه الصغار.

ويسلط الفيلم الضوء على فئة تسمى السيكات، و"السيكا" هو المجند المرصود للعمل مع ضابط، قد تصل خدماته إلى غسل ملابس الضابط أو تلميع "بيادته"، أي حذائه العسكري.

استخدام المجندين يبدو مربحا لمؤسسة الجيش المعفاة مشاريعها من الضرائب، كما لا يحق لأي جهة مدنيّة مراقبتها.

وحكى أحد المجندين عن عمل المجند في فنادق وأندية القوات المسلحة، وآخر عن خدمته العسكرية في محطة بنزين. كل ذلك مقابل 235 جنيها هو مرتب المجند، وهذا أفضل للضباط من دفع أضعافها لموظفين غير عسكريين.

"الجندي"
يلخص العقيد أتكين قائلا إن "استخدام العسكري للخدمة الشخصية أمر مفجع ويقوض دافعية القتال لديه".

الطعام في الجيش طعامان، واحد للعسكري يصفه أحدهم بأنه أكثر من سيئ، والثاني من فئة خمس نجوم للضابط. ووفقا لمجند فإنه لا مانع أن يأكل العسكري طعاما غير جيد إذا كان ذلك يستهدف تمرينه على الظرف القاسي، لكن ليس بالإهانة التي لا "تصنع رجالا".

لماذا لا يأكل الضابط كما يأكل العسكري؟ هذا سؤال ليس للإجابة ما دامت أسئلة أكبر منه ما زالت معلقة.

يلجأ بعض العساكر إلى الانتقام كما يذكر أحدهم في الفيلم، وذلك بالبصق في الطعام أثناء إعداده للضباط.

أما العقيد أتكين فيرى أنه يجب الفصل بين العساكر والضباط لضمان الاحترام والتراتبية، لكن لا يجوز أن يكون طعام هذا مختلفا عن طعام ذاك، "وهذا ما يحدث في مصر".

ضباط الصف
تطرق الفيلم إلى ضباط الصف الذين يشعرون بالإجحاف بسبب تحصيلهم الدراسي المتدني، والذين يتعرضون للإهانة من الضباط، فيقتصون من العساكر الأدنى رتبة في الجيش. ضابط تدريب عساكر يبرر اضطهاده للعساكر بأنهم متغطرسون بدعوى مستواهم التعليمي.

سلطة مطلقة للضابط، تحرم وتعاقب بلا حدود، لذا لا يبدو خارج المألوف أن يعاقب عشرات الجنود لأن "الضابط الأهلاوي غضب لخسارة فريقه المفضل"، هذا ما تبيّنه إحدى الشهادات.

أما الواعظ الديني فيزور المعسكرات ليذكّر بأن الانتحار حرام، بينما يردّ أحد العساكر بأن الحرام هو ما يحصل "بحقنا"، مفيدا بأن حالات الانتحار متكررة في صفوف العساكر.

ويختم العسكري بالقول "سألتُ ضابطا: لماذا تذلون العسكري؟ قال: حتى يعتاد على ظروف الأسر في المعركة؟ فقلت: علموني أن أحارب أوّلا حتى لا أقع في الأسر".

المصدر : الجزيرة