السلاح النووي الهندي

Indian Army's Pinaka multi barrel rocket launcher systems are displayed during the Republic Day parade in New Delhi January 26, 2015. U.S. President Barack Obama watched a dazzling parade of India's military might and cultural diversity on Monday, the second day of a visit trumpeted as a chance to establish a robust strategic partnership between the world's two largest democracies. REUTERS/Adnan Abidi (INDIA - Tags: ANNIVERSARY MILITARY)
قامت الهند بأول تفجير نووي عام 1974 وطورت منظومة الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية (رويترز)

في إطار توازن الرعب بينها وبين الصين وباكستان، بدأت الهند برنامجها النووي منذ خمسينيات القرن الماضي، وأجرت أول تفجير نووي عام 1974، وقامت بخمس تجارب نووية عام 1998. وبادرت باكستان من جهتها إلى إجراء تفجيرات مماثلة بعيد ذلك بأيام قليلة، ليعلن الطرفان وبقوة دخولهما النادي النووي العالمي.

مبادرات مبكرة
كيف استطاعت الهند امتلاك السلاح النووي؟

بعد الاستقلال بعام واحد أُصدر قانون الطاقة الذرية، وفي العام التالي 1949 أنشئت لجنة الطاقة الذرية، وفي عام 1950 تم إنشاء وحدة البحث عن الخامات النادرة التي تستخدم في البرامج النووية مثل اليورانيوم والثوريوم، وبعد أربع سنوات تم إنشاء هيئة الطاقة الذرية.

في عام 1955 أنشأت الهند أول مفاعل بحثي بقدره واحد ميغاوات، بمساعدة من إنجلترا وفرنسا بدأ العمل في العام التالي.

وفى العام نفسه بدأ التعاون مع كندا، حيث أنشئ مفاعل قوته أربعون ميغاوات يعمل باليورانيوم الطبيعي. وفي عام 1957 بني مصنع لإنتاج اليورانيوم المنضب من خامات محلية.

واستكملت الهند سنة 1964 دورة الوقود النووي على المستوى البحثي والتجريبي. ومنذ ذلك التاريخ وطوال عشر سنوات قامت بعمليات إجراء فصل البلوتونيوم.

وفي عام 1974 كان التفجير النووي الهندي الأول الذي وصفته بأنه من أجل الأغراض السلمية. وبعد التفجير استمرت الهند في تطوير قدرتها النووية، حيث بدأت في تشغيل مفاعل قدرته مائة ميغاوات عام 1985، مما جعل الهند أكثر قدرة على إجراء التفجيرات وامتلاك السلاح النووي، وهو ما حدث بالفعل فى مايو/أيار 1998 عندما أجرت خمسة تفجيرات نووية، ثلاثة يوم 11 واثنين يوم 13.

وكانت الهند قد أعلنت قبل إجراء التفجيرات بحوالي خمسة أشهر عن صفقة مع روسيا تحصل بموجبها على مفاعلين بقوة ألف ميغاوات لتوليد الطاقة الكهربائية. واستفادت من التعاون مع العديد من الدول مثل كندا وبريطانيا والاتحاد السوفياتي وخليفته روسيا وحتى الولايات المتحدة التي زودتها ببعض المعدات المهمة للبرنامج النووي في عام 1964.

وهكذا فإن الهند قد وفرت قاعدة بشرية وعلمية وتكنولوجية، ومراكز أبحاث علمية ومعاهد ومعامل متخصصة، ومفاعلات نووية، وهي العناصر التي تمثل البنية الأساسية في أي برنامج نووي، كما أنها قد عملت جاهدة على تدبير الخامات النووية اللازمة، ووفرت التمويل اللازم للبرنامج النووي مما مكنها في النهاية من امتلاك الأسلحة النووية.

ويرجع استمرار البرنامج النووي الهندي وامتلاك السلاح النووي إلى الإرادة السياسية القوية، التي أصرت على تحقيق أهدافها، رغم الضغوط الخارجية والمصاعب الاقتصادية، إلى جانب التأييد الشعبي الجارف للبرنامج النووي. ويرجع ذلك إلى اعتبار السلاح النووي وسيلة ردع تجاه الخصوم القائمين أو المحتملين الحائزين للسلاح النووي أو المحتمل حيازتهم له.

undefined

على مستوى التوقيت، دفعت العوامل السياسية المتمثلة في وصول حزب بهارتيا جاناتا إلى السلطة (كان يرفع في برنامجه الانتخابي شعار امتلاك الأسلحة النووية) الهند إلى هذا المجال. وإن كان ذلك لا يعني أن الحزب هو وحده صاحب خيار امتلاك السلاح النووي، حيث إن التقدم الذي وصل إليه البرنامج النووي يثبت أنه كان من الممكن امتلاك السلاح النووي وأن الاختلاف كان حول التوقيت والظروف المناسبة لذلك.

ورفضت الانضمام إلى اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية في ظل عدم تحقيق تقدم في نزع السلاح النووي من جانب الدول الخمس النووية واستمرار التمييز ضد الدول غير النووية. فضلا عن اعتبارات المكانة الإقليمية والدولية التي تطمح الهند إلى تحقيقها.

وقد بررت الهند امتلاك السلاح النووي بأنه وسيلة للدفاع عن الأمن القومي للهند من خلال توفير الرادع المناسب. وأكدت أنها لن تستخدم الأسلحة النووية أو تهدد باستخدامها ضد أي دولة، وإنما هي لردع الآخرين عن استخدام السلاح النووي ضدها. وأعربت عن استعدادها للدخول في اتفاق مع أي دولة تتعهد فيه الهند بألا تكون البادئة باستخدام الأسلحة النووية، مؤكدة أنها لن تدخل في سباق تسلح نووي كما كان الوضع بين القطبين أثناء الحرب الباردة.

نووي باكستان
في أجواء سباق التسلح النووي بين الهند وباكستان، والتساؤلات حول المدى الذي سيصل إليه الطرفان، تجدر الإشارة أولا إلى أن باكستان قد أعلنت عام 1965 أنها لن تدخر وسعا لامتلاك السلاح النووي إذا ما امتلكته جارتها الهند، ومن ثم فإن باكستان قد استمرت في تطوير برنامجها النووي الذي بدأ بتشكيل لجنة الطاقة الذرية في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين.

وعندما قامت الهند بتفجيرها النووي الأول عام 1974 زادت باكستان إصرارا على المضي قدما في تطوير برنامجها النووي وعدم الركون إلى التأكيدات الهندية بأن التفجير كان للأغراض السلمية، مؤكدة أنها لن تقبل الهيمنة الهندية وأنها لن تذعن لأى تهديد نووي هندي.

ومن ثم فإن باكستان تمكنت من تطوير برنامجها النووي على الرغم من الضغوط الخارجية بحيث أصبحت منذ أواخر الثمانينيات قادرة على امتلاك السلاح النووي، وهذا ما أشار إليه رئيس الأركان الباكستاني عام 1993.

وما يؤكد ذلك أن باكستان لم تتأخر في الرد على التفجيرات الهندية حيث ردت بعد أسبوعين بخمسة تفجيرات في 28 مايو/أيار وتجربة سادسة بعد يومين من التجارب الخمس الأولى. ولو أن هناك نقصا في البرنامج النووي الباكستاني لما تمكنت من الرد بهذه السرعة.

وقد أكدت باكستان أن تجاربها النووية كانت مرتبطة بالظروف الجديدة في جنوبي آسيا بعد التفجيرات الهندية، حيث باتت باكستان في وضع شديد الحرج، ومثلها مثل الهند أعلنت أنها لا ترغب في الدخول في سباق تسلح نووي، وأنها سوف تنتهج إستراتيجية الحد الأدنى من الردع النووي، ولكن أيا من الدولتين لم تحدد طبيعة ولا حجم هذا الرادع.

والواقع أن ذلك يجعل احتمال الاستمرار في سباق التسلح النووي قائما على الرغم من إعلان الدولتين عدم رغبتهما في الدخول في مثل هذا السباق. ويجب ألا ننسى أن الدولتين لم تغلقا باب التجارب النووية، كما أنه يوجد بينهما سباق مؤكد في ما يتعلق بوسائل إيصال السلاح النووي كما اتضح في مجال الصواريخ الباليستية، ولا يقف الأمر عند ذلك وإنما يشمل الطائرات والغواصات القادرة على إطلاق الأسلحة النووية.

الصين
قبل الحرب الهندية الصينية وما تبعها من إجراء الصين أول تفجير نووي كانت الهند ترى أن القنبلة النووية لن تساعدها في حل أي من مشاكلها على الرغم من أن قادتها كانوا يعلنون عن قدرة الهند على تصنيعها.

وفي ما بعد أثير نقاش في البرلمان حول الموضوع، وكان هناك إقرار لأول مرة بحاجة الهند إلى تصنيع السلاح النووي وإن استمرت السياسة الرسمية تعلن عن رفضها ذلك، إلى جانب رفضها لتوفير مظلة نووية من القوى الأجنبية، ثم كان رفضها الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

وقد تطور البرنامج النووي الهندي للضرورة التي فرضها تنامي القوة النووية الصينية والتخوف من تعاونها مع باكستان، ومن ثم فإن الهند كانت قلقة جدا من التقارير التي أشارت عام 1983 إلى أن الصين قد نقلت إلى باكستان التصميم الكامل للقنبلة النووية واليورانيوم الكافي للقيام بالتفجير.

ويعلن المسؤولون الهنود -حتى بعد تحسن العلاقات مع الصين في السنوات الأخيرة- أن بكين ما زالت تمثل التهديد الرئيسي للهند، وأن مواجهة هذا التهديد تتطلب حيازة الأسلحة النووية. ولا تقتصر هذه الرؤية على المسؤولين وإنما هي رائجة بين الرأي العام الهندي.

وإذا كانت الصين عاملا رئيسيا في امتلاك الهند للسلاح النووي إلا أنها ليست العامل الوحيد، حيث توجد عوامل أخرى منها تحقيق التفوق على باكستان، وعدم تحقيق تقدم في مجال نزع الأسلحة النووية، والتغيرات في البيئة الدولية واعتبارا للهيبة والمكانة الدولية التي تسعى الهند لتحقيقها.

مواقف دولية
أثار امتلاك الهند وبعدها بأيام قليلة باكستان السلاح النووي ردود فعل واسعة على الساحة الدولية. حيث أصدر مجلس الأمن بيانا رئاسيا بعد التجارب النووية الهندية بيوم واحد في 14 مايو/أيار 1998 استنكر فيه بشدة التجارب النووية الهندية، وحث الهند على عدم إجراء المزيد من التجارب، معتبرا أن هذه التجارب تتعارض مع الجهود الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية، وحث البيان الهند على الانضمام لاتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية واتفاقية الحظر الشامل للتجارب النووية دون تأخير ومن دون أي شروط.

وفي 4 يونيو/حزيران 1998 أصدر وزراء خارجية الدول الخمس الأعضاء في الأمم المتحدة بيانا مشتركا بعد اجتماعهم في جنيف، أدانوا فيه التجارب التي أجرتها كل من الهند وباكستان، والتي من شأنها تهديد السلام والاستقرار في المنطقة، وحثوا الطرفين على بذل الجهود من أجل الحيلولة دون سباق التسلح النووي والصاروخي جنوبي آسيا، وعلى حل خلافاتهما بالطرق السلمية، والتوقف عن إنتاج المواد الانشطارية التي تستخدم في تصنيع الأسلحة النووية.

وبعد يومين من البيان الوزاري السابق أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1172 كرر فيه ما ورد في البيان الوزاري، وطالب كلا من الهند وباكستان بالامتناع عن تصدير تكنولوجيا تصنيع الأسلحة أو التكنولوجيا التي تساعد على ذلك.

ومن جانبها فإن الولايات المتحدة اعتبرت أن ما حدث في جنوبي آسيا يمثل تحديا مباشرا للنظام العالمي الجديد الذي كانت تقوده منفردة منذ انتهاء الحرب الباردة. وقامت بفرض عقوبات اقتصادية على الهند وباكستان، وإن كان قد تم تخفيفها في ما بعد.

وقد كررت الولايات المتحدة المطالب التي وردت في قرار مجلس الأمن، وإن كانت تتعامل مع الأسلحة النووية في جنوبي آسيا كواقع، وليس أدل على ذلك من قول وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد في 9 يونيو/حزيران 2001 إن الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية المهتمة بالقضية النووية عليها أن تشجع الهند وباكستان على تعلم كيفية التعايش مع الأسلحة النووية دون استخدامها.

المصدر : الجزيرة