أزواد.. من "ثورة تحرر" إلى "حرب إرهاب"

A Tuareg man holds the flag of the National Movement for the Liberation of Azawad (MLNA) during a demonstration in support of the MLNA on July 28, 2013 in Kidal, northern Mali. Malians defied Islamist death threats to vote on July 28 for a president expected to usher in a new dawn of peace and stability in the conflict-scarred nation. Voters have a choice of 27 candidates in the first election since last year's military coup upended one of the region's most stable democracies as Islamist militants hijacked a separatist uprising to seize a vast swathe in the desert north of the country. Clashes between Tuaregs and black Africans in the run-up to the election left four people dead. And gunmen thought to be from the MNLA kidnapped five polling officials 200 kilometres (125 miles) north of Kidal.
رغم مراوحة الصراع بين جولات الحروب ومؤتمرات المصالحة مازال الأزواديون يحلمون بإقامة حكم يعبر عن تطلعاتهم في إقليمهم (غيتي إيميجز)
صراع سياسي يتعلق بالسيادة على إقليم أزواد في شمالي جمهورية مالي، نشب بين الحكومات المالية ومعظم سكان الإقليم من الطوارق والعرب إثر استقلال البلاد عن المستعمر الفرنسي، وقاد أطرافـَه أحيانا إلى نزاعات مسلحة سبّبت مآسي مجتمعية.

جذور القضية
تعود جذور الصراع في إقليم أزواد إلى حقبة الاستعمار الفرنسي للبلاد، حيث عمدت السلطات الاستعمارية عشية استقلال مستعمراتها في المنطقة إلى تقطيع جغرافي لبلدانها، وزعت بموجبه شعب الطوارق بين كل من مالي والجزائر والنيجر وبوركينا فاسو.

وتسبب ابتعاد سكان الإقليم من الطوارق والقبائل العربية -الذين تقوم حياة معظمهم على التنقل الحر طلبا للمراعي- عن المراكز الحضرية وتوغلهم في الصحاري إلى جعلهم في شبه عزلة عما يجري في الدول التي ينتمون إليها، كما حرم مناطقهم من أي تنمية اقتصادية أو اجتماعية.

وشهد عام 1962 -بُعيد حصول مالي على استقلالها عن فرنسا– انطلاق "ثورة كيدال" الأزوادية إثر مطالبة بعض أعيان ووجهاء منطقة أزواد -بقيادة الأمير الطوارقي محمد علي الأنصاري- بالانفصال التام عن مالي وتكوين دولة مستقلة للأزواديين في إقليمهم الذي يشكل نحو 66% من مساحة مالي، ويشكل أهله (المكونون من عرقيات الطوارق والعرب والسونغاي والفولان) 10% تقريبا من سكان البلاد.

غير أن الموقف الصارم لنظام الرئيس موديبو كيتا (أول رئيس لمالي بعد استقلالها 1960-1968) -مدعوما من الجزائر والمغرب– أجهض ذلك طموح القادة الأزواديين واضطهدهم بقسوة بالغة، وهو الموقف الذي رسخه خليفته الجنرال موسى تراوري طوال حكمه الذي بدأ بانقلاب عسكري على كيتا عام 1968 وانتهى بانقلاب آخر قاده الجنرال أمادو توماني توري يوم 16 مارس/آذار 1991.

وحين عمّ الجفافُ القاسي منطقة الساحل الأفريقي في السبعينيات كان من أشد المتأثرين به سكان الصحراء المالية، إذ هلكت قطعانهم وهاجر الكثير منهم خاصة نحو الجزائر وليبيا. وانخرط الكثير من شباب الطوارق النازحين إلى ليبيا في معسكرات ومليشيات قاتلت فيما بعد -بأوامر من الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي الذي استولى على السلطة عام 1969- في مناطق مثل تشاد ولبنان والصحراء الغربية.

وبعد العودة غير المنظمة لهؤلاء المقاتلين إلى مناطقهم الأصلية في أزواد خلال التسعينيات -لأسباب عدة من بينها تراجع نفوذ نظام القذافي جراء فرض حصار دولي عليه بسبب قضية لوكربي– بدأ الصدام بينهم وبين الجيش المالي. وكان من أبرز أسبابه الشعور بالإحباط لدى سكان أزواد من جراء تردي أوضاعهم المعيشية وغياب قنوات اتصال سياسية من شأنها إيصال مطالبهم إلى الحكومة المركزية في بماكو.

وهكذا أدى تجاهل الحكومات المالية في فترة ما بعد الاستقلال لمطالب الأزواديين بإعطاء مناطقهم وضعية خاصة والاعتناء بها في مجالات إدارة البلاد وخدمات التعليم والصحة ومشاريع التنمية البشرية، إلى اندلاع "تمرد" دامٍ قاده الطوارق في إقليم أزواد شمالي مالي مطلع التسعينيات، وتتالت فصوله بعد ذلك مراوحة بين حرب طحون وسلام هش مخلفة مآسي بشرية لسكان الإقليم.

فخلال أحدث جولات الصراع في الإقليم؛ أوضح مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية يوم 15 يناير/كانون الثاني 2013 -بعد ثلاثة أيام من بدء التدخل العسكري الفرنسي في مالي- أن عدد اللاجئين الذين اضطروا إلى مغادرة البلاد يقارب 150 ألف شخص في البلدان المجاورة، وأن عدد النازحين داخل البلاد يناهز 230 ألفا. وسجلت المفوضية العليا للاجئين 144500 لاجئ من مالي، منهم 54100 في موريتانيا، و50 ألفا في النيجر و38800 في بوركينافاسو و1500 في الجزائر.

مسار الصراع
في عام 1988 شكل الأزواديون أول جبهة سياسية ذات نشاط عسكري عُرفت باسم "الحركة الشعبية لتحرير أزواد" بقيادة إياد غالي الزعيم التقليدي لإحدى قبائل "الإيفوغاس" الطوارقية والمدعوم مالا وتسليحا من القذافي. وهي التي قادت "تمرد" الأزواديين العسكري الثاني عام 1990، غير أنها ما لبثت أن انشقت على نفسها وتناسلت منها تشكيلات كان من أبرزها "الجبهة الشعبية لتحرير أزواد" و"الجيش الثوري لتحرير أزواد".

ويغلب على هذه التشكيلات الطابع القبلي وخصوصا الطوارقي، في حين شكل عرب أزواد "الجبهة العربية الإسلامية لتحرير أزواد"، ومن أبرز قادتها أحمد بن سيدي محمد الذي عمل فترة في الدبلوماسية الموريتانية.

ودخلت هذه الجبهات -بتنسيق وبغيره- في مواجهات دامية مع الجيش المالي، واستطاعت في كثير من الأحيان أن تسيطر على بعض المناطق.

وفي مقابل نشاط المسلحين الأزواديين ظهرت في الشمال المالي مليشيات أفريقية تطلق على نفسها اسم "غندا غوي" (Gan Dagoy) وتعني في لهجة قومية السونغاي الزنجية "ملاك الأرض".

وتشكلت هذه المليشيات في أغلبها من أبناء مجموعة السونغاي المستقرين في الحواضر والقرى شمالي مالي والتي غالبا ما تكون هدفا لعمليات المسلحين الأزواديين. وقدمت "غندا غوي" نفسها على أنها مليشيات للدفاع عن النفس، وعُرفت بعدائها الشديد للعنصرين الأزوادييْن الطوارقي والعربي اللذيْن اتهماها بارتكاب مجازر ضدهم عام 1994.

وفي المقابل يتهم المسلحون الأزواديون هذه المليشيات باستعمال الاغتصاب والقتل الجماعي واستهداف المدنيين والعنصرية، وبأنها تعتبر الطوارق والعرب ضيوفا لا ينبغي أن تكون لهم مطالب في مالي. كما اتهم الأزواديون الجيش المالي برعاية وتأطير مقاتلي "غندا غوي" الذين يمدونه بالمعلومات ويمهدون الأرض أمام قواته.

وعلى الصعيد السياسي؛ تطورت المطالب السياسية للجبهات والحركات العسكرية الأزوادية من المطالبة بالانفصال في الستينيات إلى المطالبة في التسعينيات بإيجاد كونفدرالية تجمع داخل جمهورية مالي بين الجنوب الزنجي والشمال الطوارقي العربي. وقد قابل النظام المالي بالرفض كلا المطلبين في حينه.

وتقزمت المطالب الأزوادية من الانفصال والكونفدرالية إلى المطالبة "بحكم ذاتي إداري" يسمح بتوجيه 47.3% من ميزانية مالي السنوية لصالح الولايات الشمالية الثلاث (تمبكتو وغاوو وكيدال). ثم صار المطلب بعد ذلك إيجاد "وضع خاص" لولايات الشمال.

وهكذا اتفقت أطراف النزاع بموجب "اتفاقية تمنراست" (مدينة في جنوبي الجزائر) -المؤلفة من 13 مادة في يناير/كانون الثاني 1991 والموقعة من الحكومة المالية و"الحركة الشعبية لتحرير أزواد" و"الجبهة العربية الإسلامية لتحرير أزواد" ممثلتين للأزواديين- على إعطاء "وضع خاص" لولايات الشمال يقضي بالاعتراف بتخلف مناطق الأزواديين وتأمين الدعم المالي لتنمية إقليمهم ووضع آليات للتحقق من تنفيذ ذلك، مع التشديد على تخليهم عن السلاح.

ونظرا لوقوع خروقات أعقبت توقيع الاتفاقية فقد دُعمت "بالميثاق الوطني" الموقع في باماكو (عاصمة مالي) في أبريل/نيسان 1992، بيد أن المواجهات تجددت في مايو/أيار 1992 مما أدى إلى نزوح العديد من العوائل من مالي نحو موريتانيا والجزائر.

ثم تجددت المواجهات في أبريل/نيسان 1994 واتهم المسلحون الجيش المالي بقتل مئات الأزواديين، لكن الأوضاع عادت إلى التهدئة بعد توقيع "اتفاقية الجزائر" بين المتصارعين في نفس السنة.

وفي عهد الرئيس المدني المنتخب ألفا عمر كوناري (حكم ولايتين خلال 1992-1997 و1997-2002) وُقعت "اتفاقية تمبكتو" عام 1996، وبموجبها تخلى الآلاف من المسلحين الأزواديين عن العمل العسكري ودمج بعضهم في صفوف الجيش المالي، مما أنهى كليا الصراع المسلح، وفتح الباب أمام ولوج الكفايات الأزوادية في دواليب حكم الدولة.

وبحلول عام 2000 شهدت المنطقة تدهورا أمنيا متصاعدا، حيث تحولت إلى منطقة مفتوحة لتهريب البشر (الهجرة غير النظامية إلى أوروبا) وتجارة الأسلحة والمخدرات ومسرح لصراع أجهزة المخابرات المعنية بشؤون المنطقة، كما وصلت إليها جماعات إسلامية مسلحة توصف بالتشدد عُرفت لاحقا باسم "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي" الذي تناسلت منه أو ألهم حركات أخرى مشابهة.

وفي أبريل/نيسان 2006 انسحب العقيد السابق في الحرس المالي حسن فغاغا -بصحبة القيادييْن الطوارقييْن إياد غالي والراحل إبراهيم باهانغا- إلى مرتفعات جبال آدغاغ إيفوغاس مع 100 مسلح ليحتل مدينة كيدال في مايو/أيار من نفس العام، متهما الحكومة بتعطيل بنود الاتفاق الذي تم بينها وبين مسلحي الطوارق.

ومن جهتها اتهمت الحكومة المالية المسلحين "المندمجين" بعدم صدق نواياهم وبتكرار "تمردهم" ورجوعهم إلى العمل المسلح، في حين اتهمها المسلحون بالتباطؤ في تطبيق "الميثاق الوطني" وما ينص عليه من خلق تنمية اجتماعية واقتصادية في مناطقهم المهمشة، لكن الطرفين نجحا في التفاهم مجددا عام 2009 ووقعا في مدينة كيدال اتفاق سلام بوساطة ليبية.

وإثر انهيار نظام العقيد الليبي معمر القذافي بثورة شعبية عارمة عام 2011، عاد الآلاف من مقاتلي الطوارق المدججين بالسلاح قادمين من صفوف كتائب القذافي إلى مواطنهم الأصلية في إقليم "أزواد" مما أحدث تحولا جديدا في المنطقة، وبدا واضحا للعيان أنها مقبلة على مزيد من الاحتراب والاقتتال بين الأطراف المتصارعة.

وقد ساهم تجاهل الحكومة المالية في باماكو للتحذيرات والتقارير -التي كانت تتحدث عن استعداد الأزواديين لاستئناف حربهم- في التعجيل باندلاع شرار المواجهة مجددا، وما إن بدأت طبول الحرب تقرع هناك حتى كان الطوارق قد أنهوا عملية الاستقطاب الداخلي واستقر أمرهم على جبهتين مقاتلتين يلتبس في كل منهما البعد الوطني بالقومي بالديني:

أولاهما هي "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" (MNLA) التي أسسها قوميون طوارق وعرب وليبراليون ومستقلون 1 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2010، وتقدم نفسها ممثلا لكل سكان الإقليم رغم أن معظم مقاتليها ينتمون إلى قبائل "الأيدينان" الطوارقية، ويتولى قيادتها العسكرية الضابط السابق في الجيش الليبي محمد ناجم.

أما الجبهة الثانية فهي "حركة أنصار الدين" ذات التوجه "السلفي الجهادي" بقيادة إياد غالي الذي تحولت -خلال العشرية الأولى من الألفية الثالثة- رؤيته للعمل المسلح في أزواد من عمل "نضالي تحرري" إلى عمل "جهادي ديني"، ويتهم بأنه وثيق الصلة بتنظيم القاعدة.

وقد دشن إياد غالي نشاطه العسكري بالهجوم على مدينة "أغلهوك" في أقصى الشمال المالي، حيث توجد قاعدة عسكرية محصنة تابعة للجيش المالي تمكن من السيطرة عليها، ثم ما لبث أن هاجم قاعدة "تساليت" العسكرية فاستطاع اقتحامها والسيطرة عليها، وأعلن عزمه تطبيق الشريعة الإسلامية في المناطق الواقعة تحت سيطرة حركته، حيث أسس مجالس محلية لتسيير شؤون المدن والبلدات التي سقطت في أيدي مقاتليه.

وإلى جانب هاتين الجبهتين الطوارقيتين، تأسست "حركة الجهاد والتوحيد في غرب إفريقيا" التي يرى مراقبون أنها نسخة عربية من حركة "أنصار الدين" الطوارقية، فحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا ظهرت إثر انشقاق قادتها عن تنظيم القاعدة بعد رفض هذه الأخيرة طلبهم تأسيس كتائب خاصة بالمقاتلين من أبناء القبائل العربية في أزواد، أسوة بسرية "الأنصار" في تنظيم القاعدة التي تضم المقاتلين الطوارق.

ويقود الحركة -التي تأسست في أكتوبر/تشرين الأول عام 2011- سلطان ولد بادي أحد شخصيات المجتمع العربي في أزواد، وبمعيته الناشط الموريتاني السابق في القاعدة حماد ولد محمد الخير المكنى "أبو القعقاع"، وإليهما انضم عشرات المقاتلين من أبناء القبائل العربية في شمالي مالي، لتصبح الحركة بذلك واجهة للتيار "السلفي الجهادي" في المجموعات العربية بأزواد، كما شكلت "حركة أنصار الدين" الواجهة السلفية الجهادية داخل المجموعات الطوارقية.

ورغم أن منطقة أزواد شهدت أربع ثورات أو حركات "تمرد" على حكومة مالي منذ استقلال البلاد عام 1960؛ فإن أخطرها وأوقعها تأثيراً هي الحركة التي انطلقت في 17 يناير/كانون الثاني 2012، وشكل عمودها الفقري كل من الحركة الوطنية لتحرير أزواد وحركة أنصار الدين.

وفي 17 يناير/كانون الثاني 2012 بدأت "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" الحرب على القوات المالية من أجل طردها من إقليم أزواد. وجاء في بيان للحركة أن انطلاق العمليات الحربية ضد القوات المالية "جاء بعد رفض الحكومة في باماكو الاستجابة لدعوات ومطالب الحركة الداعية إلى حل القضية بشكل سلمي عبر الحوار".

وقالت الحركة إن أولى عمليات القتال مكنتها من "تحرير" مدينة منكا في الجنوب الشرقي من مالي، وبسط سيطرة قواتها عليها وطرد وحدات الجيش المالي التي كانت ترابط في المدينة التي تعتبر ثالث أهم مدينة في إقليم أزواد من حيث الكثافة السكانية والأهمية الإستراتيجية بعد مدينتيْ تمبكتو وغاو.

وبعد شهرين من اندلاع المعارك أعلنت الحركة أنها سيطرت على نحو 70% من أراضي الإقليم الذي يمثل نحو ثلثي التراب المالي، وأنها "ماضية في نضالها لتحرير كامل التراب الأزوادي بغض النظر عمن يحكم مالي"، مطالبة العالم الخارجي ودول الجوار بشكل خاص "بتفهم المطالب المشروعة للشعب الأزوادي في تقرير المصير، وإنهاء الظلم والمعاناة التي واجهها طوال العقود الماضية".

وردا على تلك التطورات ومحاولة لوقف هزائم الجيش المالي في أزواد؛ نفذ جنود ماليون يوم 22 مارس/آذار 2012  انقلابا واستولوا على السلطة لـ"إنهاء النظام العاجز لأمادو توماني توريه" (ترأس البلاد فترتين خلال 2002-2012) الذي اتهموه بالفشل في إنهاء "التمرد" في شمال البلاد، والتقاعس عن دعم الجيش وتحسين تسليحه وإمداداته مما أدى لهزيمته أمام "المتمردين"، وأعلنوا أن الحرب مع الجماعات الأزوادية ستستمر حتى "توحيد كامل التراب المالي".

وفي 5 أبريل/نيسان 2012 أعلنت "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" استقلال المناطق التي سيطرت عليها في شمال مالي تحت اسم "جمهورية أزواد" مشيرة إلى رغبتها في إقامة دولة علمانية. وقد ناشد الأمين العام للحركة بلال الشريف -في بيان أصدره- دول العالم الاعتراف باستقلال بلاده وتبادل التمثيل الدبلوماسي معها.

وقالت الحركة إنها قررت بشكل أحادي وقف العمليات العسكرية نزولا عند طلب المجتمع الدولي وخصوصا مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة وفرنسا ودول المنطقة، داعية دول الجوار والمجتمع الدولي إلى حماية "شعب أزواد" من أي اعتداءات في مالي.

كان من نتائج هذه المواجهات تشريد نحو 200 ألف من سكان الإقليم عن منازلهم، ومقتل وأسر المئات من الطرفين، لكن النتيجة الأبرز هي ما أثارته من مخاوف إقليمية ودولية من تحول المنطقة إلى ملاذ آمن لبعض التنظيمات المسلحة التي توصف بالتطرف.

وقد تعمقت هذه المخاوف إثر إعلان الحركة الوطنية لتحرير أزواد وحركة أنصار الدين اتفاقهما على الاندماج، وإنشاء دولة إسلامية في "دولة أزواد" المعلنة شمالي البلاد تتبنى "تطبيقا معتدلا لأحكام الشريعة الإسلامية"، في مقابل إبعاد جميع الحركات المسلحة (الجماعات الجهادية) عن أراضي الإقليم.

وبعد تراجع أطراف داخل الحركة الوطنية عن هذا الاتفاق، تعرضت الحركة في يونيو/حزيران 2012 لضغط عسكري من حركتيْ التوحيد والجهاد وأنصار الدين، مما اضطرها لإخلاء مواقعها في المدن الكبرى (مثل تمبكتو غاو)، وبذلك سيطرت الحركات الإسلامية على المنطقة مثيرة مخاوف الدول المجاورة والغرب خاصة فرنسا.

ورغم أن الحركات السلفية بسطت سيطرتها بالكامل تقريبا على مناطق الشمال المالي فإنها لم تعلن إقامة دولة إسلامية، واكتفت بتطبيق الشريعة الإسلامية وأعلنت استعدادها -بل ودخل بعضها عمليا- في مفاوضات مع الحكومة المالية بغرض الاتفاق على صيغة تضمن التحام شمال مالي مع جنوبه بطريقة تضمن مصالح وحقوق الطرفين.

وعلى صعيد ردود الأفعال الدولية؛ أجاز مجلس الأمن الدولي بالإجماع يوم 20 ديسمبر/كانون الأول 2012 التدخل في مالي بقراره رقم 2085، ووافق على السماح للاتحاد الأوروبي وأعضاء آخرين في الأمم المتحدة بالمساعدة في إعداد قوات الأمن في مالي للحرب. كما وافقت الأمم المتحدة على القيام بعملية عسكرية تقودها دول أفريقيا لاستعادة شمال مالي.

ومع اندفاع قوات الحركتين جنوبا واقترابهما من العاصمة المالية باماكو؛ اتخذت فرنسا قرارها بالتدخل العسكري في مالي يوم 11 يناير/كانون الثاني 2013 وأطلقت على عمليتها العسكرية اسم "سيرفال" (القط البري)، مؤكدة أنها تأتي "في نطاق الشرعية الدولية" وأنها اتخذت "بالاتفاق مع الرئيس المالي (الانتقالي) ديونكوندا تراوري".

وصرح رئيسها فرانسوا هولاند قائلا "لدينا ثلاثة أهداف لتدخلنا الذي يتم في إطار الشرعية الدولية وهي: وقف الاعتداء الإرهابي…، وتأمين باماكو حيث لدينا الآلاف من رعايانا، والسماح لمالي باستعادة وحدة أراضيها". ودعم فرنسا في موقفها هذا الاتحاد الأوروبي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا (إيكواس) فأرسلت قوات إلى مالي.

وبعد أسابيع من حملات القصف الجوي والبري المكثف دخلت القوات الفرنسية -البالغة أربعة آلاف جندي- وحليفتها الأفريقية إلى أغلب المدن الأزوادية دون قتال يذكر، ثم اتجهت إلى تنفيذ المهمة الأصعب وهي اقتحام معاقل المسلحين الإسلاميين في منطقة جبال آدرار الإيفوغاس بأقصى شمال مالي، خصوصا سلسة جبال "تغرغارت" الوعرة التي اتخذ منها مقاتلو تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وحلفاؤهم مأوى منذ سنين عديدة وأطلقوا عليها اسم "طورا بورا المغرب الإسلامي".

وفي أبريل/نيسان 2013 أعلنت فرنسا وقف عملياتها العسكرية في مالي، وقررت الإبقاء على ألفي جندي (نصف القوات المشاركة في التدخل) حتى يوليو/تموز 2013، تاريخ الموعد المحدد لتنظيم الانتخابات الرئاسية في مالي.

وقفي 18 يونيو/حزيران 2013 وقعت حكومة مالي اتفاقاً مع الأزواديين المسيطرين على مدينة كيدال في أقصى شمالي البلاد ينص على وقف فوري لإطلاق النار وتأمين انسحاب المسلحين من المدينة، مما مهد الطريق لعودة الجيش المالي إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة المسلحين.

وفي أبريل/نيسان 2014 بدأت الجزائر -بدعم من الأمم المتحدة- استضافة محادثات سلام بين الحركات السياسية والعسكرية الأزوادية والحكومة المالية، تـُوجت باتفاق سلام وُقع بالتزامن في مدينتيْ الجزائر العاصمة وباماكو (عاصمة مالي) يوم 15 مايو/أيار 2015، ونص على تخلي الأزواديين عن مطلب الانفصال عن مالي مقابل منحهم حكما ذاتيا موسع الصلاحيات، ودمج مقاتلي هذه الحركات في الجيش الوطني وتنظيم مؤتمر عام للمصالحة خلال سنتين من توقيع الاتفاق.

ومن جهة أخرى؛ عقدت الحركات الأزوادية المناوئة للحكومة والأخرى الموالية لها وعشرات من الوجهاء وشيوخ العشائر اجتماعات تفاوضية -تحت رعاية الأمم المتحدة وبوساطة من قيادة القوات الدولية في مالي (المنيسما)- في ضواحي بلدة أنفيف (شمال مالي) خلال أكتوبر/تشرين الأول 2015، في محاولة للبحث عن أفضل السبل لإصلاح ذات البين بعد فترة طويلة من الاقتتال والحروب.

واتفقت هذه الأطراف على خريطة طريق لتصفية الحسابات العالقة بين المجموعات القبلية والحركات المسلحة شمال مالي، وعلى تخصيص جلسات تفاوض لبحث سبل المصالحة بين مجموعة قبائل "الإفوغاس" الطوارقية المنخرطة في الحركات "المتمردة"، وقبائل "الإيمغاد" الطوارقية التي تشكل العمود الفقري لحركة "غاتيا" المسلحة الموالية للحكومة.

كما ستخصَّص جلسات تفاوض بين القبائل العربية وقبائل "الإيدنان" الطوارقية لتجاوز الإشكالات التي حصلت في السابق وأدت إلى اقتتال عنيف بين المجموعتين القبليتين، هذا فضلا عن بذل جهود أخرى للمصالحة بين قبائل "البرابيش" العربية وقبائل "عرب تلمسي".

المصدر : الجزيرة