عبد القادر الأرناؤوط

الموسوعة - عبد القادر بن قدري بن صَوْقَل الأرناؤوط
داعية إسلامي ومحقّق سوري الجنسية ألباني الأصل. لقب بخادم السنة النبوية في دمشق، وحقّق أكثر من خمسين كتابا.

المولد والنشأة
ولد عبد القادر بن قدري بن صَوْقَل الأرناؤوط عام 1928 في قرية فريلا بإقليم كوسوفو، ثم هاجر مع أسرته وهو في الخامسة من عمره، حيث قدم والده دمشق عام 1932 فرارا بدينه من اضطهاد الصرب، وأقام هناك فنشأ نشأة إسلامية.

الدراسة والتكوين
طلب العلم الشرعي، وقرأ القرآن وجوّده، وحفظ حوالي عشرة آلاف حديث، واشتغل بإصلاح الساعات لدى رجل أزهري يدعى الشيخ سعيد الأحمر التلي فكان يعلمه علوم الدين واللغة.

وعندما لاحظ نبوغه وحفظه للقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وجّهه إلى طلب العلم في المسجد الأموي بدمشق، وساعده بالمال وقال له: يا بني أنت لا تصلح إلا للعلم، وسلّمه للشيخ عبد الرزاق الحلبي، وطلب منه تعليمه علوم الشرع واللغة والأدب.

أخذ الأرناؤوط عن الشيخ سليمان غاوجي الألباني شيئا من الفقه وعلم الصرف، وقرأ القرآن وجوّده على الشيخ صبحي العطار، وأعاد القراءة على الشيخ محمود فايز الدير عطاني المقرئ بدمشق، وقرأ اللغة العربية والتفسير والبيان والمعاني والفقه الحنفي على الشيخ محمد صالح الفرفور، ثم تبحّر في علوم الحديث، وتتلمذ على علاّمة الشام الشيخ محمد بهجة البيطار، وكان يتمتّع بحافظة قوية، ويجيد اللغة الألبانية، ويلم باللغة الفرنسية.

الوظائف والمسؤوليات
عمل مدرسا لعلوم القرآن والحديث النبوي الشريف بين عامي 1952 و1959 في مدرسة الإسعاف الخيري التي درس فيها، واشتغل بالدعوة وتدريس العلوم الشرعية بمدارس المعهد العربي الإسلامي عام 1960 ثم انتقل إلى معهد الأمينية، ثم إلى معهد المحدّث الشيخ بدر الدين الحسني، وخطب بجامع الديوانية البرّانية بدمشق، وجامع عمر بن الخطاب بمنطقة القدم، وجامع الإصلاح بالدحاديل، وجامع المحمدي بالمزّة.

واشتغل بالمكتب الإسلامي عام 1957 الذي أسّسه الشيخ زهير الشاويش، وهناك ظهر نبوغه في تحقيق آثار السلف الصالح مع مجموعة من أهل العلم والفضل منهم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وتولّى إدارة المكتب بعد غياب الشيخ الشاويش عام 1963 أكثر من عشر سنوات.

وكان على صلة طيبة بالشيخ عبد العزيز بن باز، فكان يزوره في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. وقد عينه ابن باز واعظا في كوسوفو التي يتقن لغة أهلها.

وقد أدرك الأرناؤوط أهمية إعادة نشر الدين في كوسوفو، وضرورة استئناف الحياة الإسلامية فيها بعد انحسار الشيوعية عنها فكان يحث أبناء كوسوفو على الالتحاق بالمعاهد الشرعية في بلاد الشام والمملكة العربية السعودية، ويسعى لتأمين المساعدات المادية والعلمية لهم.

ولم يكن يمنعه بُعد المسافة ومشاق السفر من السعي إلى تحقيق هدفه السامي بالدعوة إلى الله تعالى، وكانت معظم رحلاته العلمية إلى مسقط رأسه كوسوفو في يوغسلافيا وما جاورها من البلاد المتعطشة إلى الإسلام كألبانيا التي ترك فيها أثرا باقيا.

التوجه الفكري
كان الشيخ عبد القادر الأرناؤوط يتبع المذهب الأقوى اعتمادا على الدليل الذي استند إليه صاحب القول أيّا كان مذهبه، ويقول الشيخ في مسألة التزام الإنسان مذهبا معينا: "في المسألة تفصيل، فبالنسبة للعامي لا مذهب له ومذهبه هو مذهب مفتيه، فالتزامه بمذهب يكون أمرا طبيعيا، وطالب العلم الذي في أول أمره لا يستطيع أن يمِّيز بين الأقوال الصحيحة والضعيفة، فهو يعمل ضمن ما يسمع من شيخه، أما بالنسبة لطالب العلم المتمكن الذي درس الفقه المقارن، وعرف دليل كل إمام من الأئمة، فإنه عندئذٍ يستطيع أن يميّز بين القول الصحيح والضعيف، وأرى أنه في هذه الحالة لا يحق له أن يكون مقلدا".

التجربة العلمية
اهتم عبد القادر الأرناؤوط بتراث شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم. وكان لا يرى مانعا من التصوف بمعنى الزهد في الدنيا والتقوى والورع، ومراقبة الله عز وجل ضمن الحدود الشرعية، ولا يرضى عن الأمور الخارجة عن الكتاب والسنة.

وقد حارب البدع، وهي كل ما أُلصق بالدين وهو ليس منه، ورفض كل ما دخل في العبادات أو الأقوال مما خالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وقال في إحدى خطبه: "إياكم أن تشاركوا النصارى في أعيادهم وعاداتهم وتقاليدهم وفي شربهم الخمر ومشاكل النساء"، فوشوا به وقالوا إنه يدعو إلى الطائفية، فمنع من الخطبة، والتعليم، وحضور الاجتماعات، ثم ألزموه البقاء في بيته مدة.

أثنى عليه الدكتور وهبة الزحيلي فقال: "يتميز الشيخ عبد القادر بسلامة لغته، وقوة حافظته، وتقواه، وورعه، ومحبة الناس له، ومعرفته بأحكام الحلال والحرام، وتميّزه بحفظ الأحاديث النبوية بالرجوع إلى مصادرها وضبطها ومعرفة الأحكام المترتبة عليها، ويتميز أيضا بأنه ذو خلق كريم، وأدب رفيع، ويحترم أهل العلم، ويجد فيهم ويجدون فيه أُنْسا وفضلا وحبّا للسنة النبوية والعناية بها، وقد شهد له عالم التأليف والتصنيف، تحقيقات كثيرة دقيقة وجيدة وممتازة".

وكتبت في سيرته رسالة جامعية بعنوان: "كشف اللثام عن أحد محدثي الشام الشيخ عبد القادر الأرناؤوط".

المؤلفات
رأى عبد القادر الأرناؤوط أن التحقيق أولى من التأليف بسبب كثرة المؤلفات، فحقّق أكثر من خمسين كتابا، وأتم تحقيق كتاب "غاية المنتهى" في الفقه الحنبلي الذي بدأ تحقيقه شيخ الحنابلة آنذاك جميل الشطي، وأعاد تحقيق كتاب "شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد" و"جامع الأصول" لابن الأثير الجزري، و"الأذكار" للنووي، و"مختصر شعب الإيمان" للبيهقي، وغيرها.

اشترك مع الشيخ شعيب الأرناؤوط في تحقيق مخطوطات المكتب الإسلامي المنشورة ومنها: "زاد المسير في علم التفسير" لابن الجوزي في تسع مجلدات، و"المبدع في شرح المقنع" لابن مفلح في ثماني مجلدات، و"روضة الطالبين" للنووي في 12 مجلدا، و"جلاء الأفهام في الصلاة على خير الأنام" لابن القيم، وساعد في إعداد مؤلفات الشيخ ناصر الدين الألباني للطبع.

الوفاة
توفي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 بدمشق ودفن في مقبرة الحقلة.

المصدر : الجزيرة