جون ستيوارت ميل

الاقتصادي البريطاني جون ستيوارت - الموسوعة

فيلسوف ومفكر اقتصادي إنجليزي؛ يعد من رموز المذهب النفعي في الفلسفة وأحد أقطاب المدرسة الكلاسيكية في الاقتصاد. ترك عدة مؤلفات ساهمت في إثراء الفكر الإنساني.

المولد والنشأة
ولد جون ستيوارت ميل يوم 20 مايو/أيار عام 1806 في لندن، ونشأ في رعاية أب يقدر العلم ويحرص على اكتساب المعارف، فقد كان والده جيمس ميل فيلسوفا ومؤرخا وصاحب إسهامات في علم الاقتصاد، وهو ما كان له بالغ الأثر في حياة ابنه البكر جون وتشكيل ميوله نحو الفلسفة والاقتصاد في سن مبكرة.

الدراسة والتكوين
تلقى ميل تعليمه على يد والده الذي كان صارما معه فلم يكن يحظى بأوقات الفراغ للعب مثل أقرانه. وحتى عندما كان يأخذه والده للتنزه مشيا على الأقدام في الهواء الطلق، فإن الصغير كان عليه أن يعرض ما قرأه بالأمس ويناقش أباه في ما فهم منه وما استغلق عليه فهمه.

بدأ ميل تعلم اللغة الإغريقية في سن الثالثة، وحينما بلغ الثامنة من عمره كان قد انتهى من قراءة كتب العديد من المؤلفين الإغريق من أمثال هيرودوت وأفلاطون وزينوفون، كما شرع في تعلم اللاتينية وتكفل بتعليمها لإخوته الصغار، وتمكن من دراسة الجبر والهندسة الإقليدية والمنطق.

وفي سن الثالثة عشرة، اشتغل ميل بدراسة الاقتصاد السياسي واطلع على أمهات الكتب في هذا المجال، مثل "ثروة الأمم" لمؤلفه آدم سميث، و"مبادئ الاقتصاد السياسي والضرائب" لـديفد ريكاردو.

وبفضل هذا التعليم الصارم والمضني استطاع جون ستيوارت ميل -كما يقول هو عن نفسه في سيرته الذاتية- أن يسبق أقرانه بـ"ربع قرن"، لكن الثمن الذي دفع مقابل ذلك كان باهظا، فقد حُرم من طفولته وترك ذلك أثرا عميقا في شخصيته.

التوجه الفكري
بنى جون ستيوارت ميل قناعاته الفلسفية على أفكار المذهب النفعي الذي أسس له الفيلسوف الإنجليزي غيريمي بنثام، وهو مذهب في فلسفة الأخلاق يبني فكرة الخير والشر والتمييز بين الصواب والخطأ انطلاقا من مآلات الأفعال وعواقبها من حيث المنفعة والمتعة التي يحققانها.

ورث ميل تأثره بالمذهب النفعي من والده الذي كان يرى في بنثام أبا روحيا له من الناحية الفكرية. لكنه -على عكس والده- لم يجمد على أفكاره بل أعاد صياغة الكثير منها طوال حياته، حتى يحدث نوعا من التوافق بينها وبين القواعد الأخلاقية التي تعارف عليها الناس والمنتشرة بينهم منذ زمن.

كما تأثر ميل بأفكار ومبادئ الليبرالية الكلاسيكية التي بدأت تزدهر في عصره، وأصبح من أشد المتحمسين لها والمدافعين عنها.

الوظائف والمسؤوليات
التحق جون ستيوارت ميل بشركة الهند الشرقية (البريطانية) عام 1823 فعمل بها مراقبا ثم كبيرا للمراقبين إلى أن حُلت سنة 1858، وهو ما مكنه من الاستفادة من معاش مريح أعانه على التفرغ بعد ذلك للكتابة.

وفي عام 1865، انتخب ميل نائبا عن دائرة ويست مينستر في مجلس العموم البريطاني، وكانت تلك فرصة بالنسبة له للإسهام في النقاشات السياسية والاقتصادية التي طبعت ذلك العصر.

كما عُين عام 1867 عميدا للجامعة الأسكتلندية في سانت أندروز، لكنه -ونظرا لعدم تجديد انتخابه لعضوية البرلمان البريطاني– آثر الهجرة والاستقرار في مدينة أفينيون الفرنسية، حيث يرقد جثمان زوجته.

التجربة العلمية
يعد جون ستيوارت ميل من أهم الفلاسفة الذين كتبوا عن الحرية وانتصروا للفرد في وجه سطوة المجتمع وطغيان الأغلبية، الذي لا يقل خطورة في نظره عن أي شكل آخر من الطغيان السياسي.

وكان مؤلفه الذي خصصه لهذا الموضوع بمثابة مرافعة فكرية عن الحرية، أجهد نفسه فيها لدحض كل الآراء التي تبرر تقييد المجتمع لحرية الفرد دون أي وجه حق لمجرد الاعتقاد في صواب رأي الجماعة.

ويرى ميل بهذا الصدد أن رأي الأغلبية ليس بالضرورة صحيحا ومن الممكن أن يخطئ الناس وإن كانوا أكثرية، لأن كثرة العدد ليست سلطة منطقية. ويؤكد أن السبيل الوحيد لإدراك صواب رأي من عدمه هو عرضه على محكمة الدليل والبرهان.

وفي مجال الاقتصاد السياسي، رأى ميل أن توزيع الملكية مسألة ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار التطور التاريخي لكل مجتمع وأن تخضع لما تقتضيه مصلحة هذا المجتمع، ودافع عن توزيع الأراضي بين الناس بشكل يؤمن عدالة أكبر. كما برر تدخل الدولة من أجل تحقيق هذا المطلب إذا اقتضى الحال.

وقد قرأ البعض أفكار ميل حول الملكية كنوع من الميول نحو الاشتراكية المثالية، لكن تقديسه للحرية السياسية والاقتصادية على حد سواء، وإيمانه بحرية المبادرة والمنافسة يجعلانه على مسافة كبيرة من الاشتراكية، ويفندان ذلك الزعم.

المؤلفات
ترك جون ستيوارت ميل عدة مؤلفات في الفلسفة والاقتصاد السياسي، منها: "نظام المنطق" (1843)، "مبادئ الاقتصاد السياسي" (1848)، "عن الحرية" (1859)، "الحكومة التمثيلية" (1861)، "المذهب النفعي" (1863)، "أوغست كونت والمذهب الوضعي" (1865)، "عن الطبيعة" (1874)، و"ثلاث مقالات حول الدين" (1874).

الوفاة
توفي جون ستيوارت ميل يوم 8 مايو/أيار عام 1873 بمدينة أفينيون في فرنسا عن عمر ناهز 68 عاما.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية