المادة 155.. "قنبلة ذرية" تستخدم ضد كتالونيا
وتعتمد إسبانيا نظاما غير مركزي، إذ يمنح الدستور الذي أقر عام 1978 الأقاليم الـ17 في البلاد والمعروفة بـ"المناطق المستقلة" سلطات واسعة في مجالات كالصحة والتعليم، لكنه ينص على ضمانات تتيح للحكومة المركزية التدخل مباشرة في شؤون إحدى هذه المناطق عند مرورها بأزمة.
وفي ظل الأزمة التي نشبت بين مدريد وكتالونيا على خلفية استفتاء تقرير مصير الإقليم لجأت الحكومة المركزية إلى خيار تفعيل المادة 155 من الدستور التي تمنحها صلاحية فرض الوصاية على الإقليم الذي نظم في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2017 استفتاء الانفصال وصوت فيه أكثر من 90% لصالح الانفصال، بحسب السلطات الكتالونية.
نص المادة
وتنص المادة 155 من الدستور الإسباني على أنه يجوز للحكومة المركزية "اتخاذ الإجراءات اللازمة لحمل (المنطقة المعنية) على احترام الالتزامات التي يفرضها الدستور أو غيرها من القوانين"، ولكن الدستور لا يفصل ماهية "الإجراءات اللازمة".
وتتخذ تلك "الإجراءات اللازمة" في حال "لم يمتثل مجتمع حكم ذاتي بالواجبات التي يلزمها به الدستور أو تلزمه إياها قوانين أخرى، أو في حالة قام بتصرف يضر بشكل خطير المصلحة العامة لإسبانيا".
وتنص المادة على أنه يحق للحكومة المركزية اتخاذ تلك الإجراءات بعد توجيه إشعار مسبق إلى رئيس الجهة الراغبة في الانفصال على ضرورة امتثالها للقوانين والواجبات، غير أن تطبيق المادة 155 يتطلب موافقة مجلس الشيوخ الإسباني بالأغلبية المطلقة.
وتسمح المادة 155 للحكومة المركزية في مدريد بسحب صلاحيات الحكم الذاتي من الأقاليم التي تخالف الدستور والقوانين الإسبانية.
والمادة 155 مثار جدل في إسبانيا، ووصفها وزير الخارجية الأسبق خوسيه مانويل غارسيا بأنها "قنبلة ذرية" في الحياة الدستورية، كما أن بعض خبراء الدستور في إسبانيا يؤكدون أن هناك مواد أخرى في الدستور تمنع إلغاء الحكم الذاتي بالكامل، مما يتناقض مع المادة 155.
إجراءات راخوي
الحكومة المركزية برئاسة ماريانو راخوي لجأت إلى المادة 155 بعد أن فشلت في حمل الإقليم الكتالوني على التراجع عن قرار الانفصال عن مدريد، واتهمت في مذكرة إلى مجلس الشيوخ حكومة الإقليم بأنها "لم تحترم القانون الذي تتأسست عليه الديمقراطية الإسبانية ولا المصلحة العامة"، مشددة على أن "هذا الموقف غير قابل للاستمرار".
ويتعين على مجلس الشيوخ الإسباني الموافقة على تفعيل المادة 155 قبل تاريخ 27 أكتوبر/تشرين الأول 2017، وعلى الإجراءات التي طلبتها الحكومة الاتحادية، مع العلم أن حزب الرئيس راخوي (الحزب الشعبي) يتمتع بالأغلبية في مجلس الشيوخ.
ويحظى قرار تفعيل المادة 155 بإجماع في الأوساط السياسية الإسبانية، بما في ذلك حزب العمال الاشتراكي الإسباني المعارض، والحزب الوسطي (المواطنون).
كما أن الملك فيليب السادس ألمح إلى تأييده تلك الخطوة بقوله في حفل توزيع جوائز "جائزة أميرة أستورياس" إن "على إسبانيا مواجهة محاولة غير مقبولة لفصل جزء من أراضيها الوطنية، وعليها أن تقرر استخدام المؤسسات الديمقراطية المشروعة، واحترام دستورنا وفقا للقيم والمبادئ الديمقراطية البرلمانية التي نعيش في ظلها منذ 39 عاما".
وفي حال صادق مجلس الشيوخ على تفعيل المادة فإنه ستتم تنحية رئيس إقليم كتالونيا وحل مجلسه الوزاري مع الإبقاء على البرلمان ممثلا للشعب ولكن بدون صلاحيات، بالإضافة إلى الإعلان عن انتخابات تشريعية في الإقليم قد يأتي بأغلبية غير انفصالية كما تأمل مدريد.
من جهته، رفض الزعيم الكتالوني كارلس بوغديمونت إجراءات الحكومة الإسبانية، وقال في كلمة عبر التلفزيون إنها "لا تتلاءم مع السلوك الديمقراطي ولا تحترم دولة القانون". كما وصف برلمان الإقليم تلك الإجراءات بأنها "انقلاب"، وقالت رئيسة برلمان كتالونيا في كلمة أمام زملائها إن رئيس الوزراء الإسباني "نفذ انقلابا لإنهاء صلاحيات البرلمانيين".
يذكر أن رئيس إقليم كتالونيا أعلن استقلالا رمزيا للإقليم يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول 2017 بعد استفتاء أجري في الأول من الشهر نفسه وجاءت نتيجته مؤيدة للانفصال، لكن مدريد وصفته بأنه غير دستوري.