قانون منع الأذان.. تتويج لمحاولات إسرائيلية قديمة

مقدمو القانون يزعمون" رفع الأذان عبر مكبرات الصوت، "يزعج المواطنين الإسرائيليين، ويسبب أذى بيئي، ويضر بمستوى المعيشة"، بلدة قرية جت بالداخل الفلسطيني وبقربها بلدات يهودية، أيلول/سبتمبر 2016.
القانون الإسرائيلي يهدف لمنع رفع الأذان بواسطة مكبرات الصوت في نحو 500 مسجد بالقدس والداخل الفلسطيني (الجزيرة)

"قانون الأذان" مشروع قانون إسرائيلي؛ ينص على حظر رفع الأذان عبر مكبرات صوت المساجد في القدس وفلسطين 1948 ويعاقب على ذلك. وافقت عليه لجنة التشريعات في الحكومة الإسرائيلية، وإذا صادق عليه الكنيست فسيصبح قانونا ساري المفعول، رغم ما لاقاه من رفض وانتقادات داخل فلسطين وخارجها.

محاولات سابقة
ينظر الخبراء والمراقبون إلى مشروع قانون منع الأذان الذي أقره الائتلاف الحكومي الإسرائيلي -يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2016- على أنه يأتي ضمن "خطة ممنهجة لإكمال تهويد القدس وكل فلسطين"، ويعتبرونه واحدا من أخطر قرارات إسرائيل العنصرية. ومع ذلك تنبغي الإشارة إلى أنه ليس المحاولة الأولى من نوعها في ما يتعلق بحظر الأذان.
 
ففي 26 سبتمبر/أيلول 2006 (3 رمضان 1427هـ) دهمت شرطة عكا حي وولفسون -الذي تبلغ نسبة السكان العرب فيه حوالي أكثر من 90% من مجمل سكان الحي البالغ عددهم حوالي 2500- وصادرت مكبرات الصوت من منزل مواطن كان يرفع بها أذان المغرب ليُعلِم أهالي الحي المسلمين بدخول موعد الإفطار، وذلك لأنهم لا يسمعون الأذان المرفوع من داخل مساجد عكا القديمة.

لكن الشرطة تراجعت عن قرارها بمنع الأذان في الحي، واشترطت لإعادة رفعه ألا تسبق ذلك تلاوة لآيات القرآن الكريم عبر مكبرات الصوت، وألا يرفع الأذان مساء أيام الجمعة مراعاة لدخول عطلة السبت لدى اليهود. وهو ما وافق عليه سكان الحي.

وفي 13 ديسمبر/كانون الأول 2011 تحدثت صحيفة إندبندنت البريطانية عن مشروع قانون -قالت إنه مثير للجدل ويهدد بتأجيج الحساسيات العربية الدينية والعرقية في إسرائيل- يقضي بتضييق الخناق على المساجد التي تستخدم مكبرات الصوت في رفع الأذان، وأنه تسبب في انقسام مجلس الوزراء الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو.

وقضى مشروع القانون -الذي سُمي "قانون المؤذن" واعتبِر أول محاولة لفرض تغيير على الأذان منذ إعلان قيام إسرائيل عام 1948- بحظر استخدام مكبرات الصوت في "أي مكان عبادة"، لكنه موجه في الأساس إلى مساجد المسلمين.

وفي 14 فبراير/شباط 2014 أدلت يوليا شترايم (من حزب "إسرائيل بيتنا") نائبة رئيس بلدية حيفا بتصريح شبهت فيه صوت الأذان بـ"أصوات الخنازير البرية"، ودعت أثناء اجتماع المجلس البلدي مؤخرا لوقف صوت الأذان في مساجد المدينة. لكن رئيس البلدية يونا ياهف قال -ردا على سؤال للجزيرة نت– إن "ما قالته نائبته لا يمثل رأيه".

وفي 29 أكتوبر/تشرين الأول 2014 قرر حزب "إسرائيل بيتنا" تقديم مشروع قانون قديم جديد هدفه "إسكات" الأذان الذي ينطلق من المساجد الفلسطينية. ويمنح القانون وزير الداخلية صلاحية توقيع مرسوم يمنع فيه استخدام مكبرات الصوت في كل مكان يعتبر "بيتا للصلاة"، والمقصود بذلك هو تخويل السلطات الحق في الأمر بـ"إسكات الأذان". لكن القانون جُمد بسبب حل الكنيست الإسرائيلي (البرلمان).

وفي 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 قدم النائب البرلماني عن حزب "البيت اليهودي" بتسلئيل سموتريتش مشروع قانون للكنيست يسمح بصدور قرارات أمنية بإغلاق "أي مكان يثبت أنه صدر منه تحريض" للقيام بعمليات مسلحة ضد اليهود "بما في ذلك المساجد"، لأنه -حسب زعمه- لا يوجد نص في القانون "ضد الأماكن التي يمارس فيها هذا التحريض".

وقد حصل المشروع على توقيعات أعضاء في الكنيست من حزب سموتريتش وحزبيْ "الليكود" و"كلنا إسرائيل"، وجاء تقديمه في ظل تصاعد "انتفاضة السكاكين" عبر عمليات الطعن والدعس التي يستهدف بها فلسطينيون غاضبون قوات الاحتلال وجماعات المستوطنين.

وفي 6 مارس/آذار 2016 أجلت اللجنة الوزارية لشؤون التشريعات في الحكومة الإسرائيلية مناقشة مشروع قانون تقدم به عضو الكنيست مردخاي يوجيف عن حزب "البيت اليهودي" المشارك في الائتلاف الحكومي.

ويحظر المشروع -وهو عبارة عن تعديل للمشروع الذي قدمه الحزب قبل سنوات- رفع الأذان بواسطة مكبرات الصوت في نحو 500 مسجد وخاصة في ساعات الليل والفجر، وذلك بذريعة "إزعاج مئات الآلاف من اليهود والحفاظ على جودة البيئة".

وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 أقرت اللجنة الوزارية الخاصة بالتشريعات مشروع قانون يمنع رفع الأذان عبر مكبرات الصوت في مساجد القدس والمناطق القريبة من المستوطنات وداخل أراضي فلسطين عام 1948، وذلك تمهيدا لعرضه على الكنيست لمناقشته والمصادقة عليه في ثلاث قراءات حتى يصبح قانونا واجب النفاذ.

وأعلن رئيس الحكومة نتنياهو -الذي أخفق في تمرير قانون مماثل في لجنة التشريعات 2011- تأييده للمشروع قائلا: "لا أستطيع أن أعدّ كم مرة توجه إلي مواطنون من جميع الشرائح وجميع الأديان واشتكوا من الضجيج والمعاناة التي يعيشونها". وأضاف أن إسرائيل ملتزمة بحماية من يعانون من الضجيج الذي تسببه مكبرات الصوت رغم أنها "دولة تحترم حرية العبادة لأبناء جميع الأديان".

مضمون القانون
ينص مشروع القانون المعدل -الذي تقدم به نواب يتزعمهم عضو الكنيست عن حزب "البيت اليهودي" مردخاي يوجيف- على حظر تشغيل السماعات الخارجية للمساجد في الأماكن المختلطة بين المسلمين واليهود والمسيحيين بالقدس والمناطق المحتلة 1948، وذلك وفق آلية تقدرها السلطات المحلية والشرطة.

وقد علل القانون هذا الحظر بأن الأذان "يزعج المواطنين الإسرائيليين ويسبب أذى بيئيا ويضر بمستوى المعيشة"، وجاء في القانون أن "مئات الآلاف من اليهود القاطنين قرب التجمعات السكنية العربية يعانون -بشكل يومي وغير اعتيادي- من الضوضاء الشديدة الناتجة عن رفع الأذان عدة مرات خلال الليلة وفي ساعات الصباح الباكرة".

وأضاف مشروع القانون -ضمن ذرائع منع الأذان- أن "سماعات المساجد تستعمل لبث مضامين تحريضية دينية ووطنية" خلال مناداة المصلين إلى الصلاة، مضيفا أن "القانون المقترح يقوم على فكرة أن حرية العبادة والاعتقاد لا تشكل عذرا للمس بنمط ونوعية الحياة".

وبناء على نص هذا القانون؛ سيتم تحديد معدلات مكبرات الصوت في "مختلف بيوت العبادة لجميع الديانات" في إسرائيل، علما بأن المساجد هي الوحيدة في فلسطين التي تستخدم مكبرات الصوت لرفع الأذان.

ويمنح مشروع القانون -الذي تقول الحكومة الإسرائيلية إنه يستند إلى قانون حماية البيئة لعام 1961- وزير الداخلية صلاحية منع استخدام مكبرات الصوت في دور العبادة خلال ساعات الليل وعند الفجر.

وسيمنح المشروع -في حال إقراره من الكنيست- الشرطة الإسرائيلية صلاحية استدعاء المؤذنين والأئمة للتحقيق معهم، واتخاذ إجراءات جنائية ضدهم وفرض غرامات مالية على مخالفيه منهم.

ووفقا لمعطيات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية (حكومية)، فإنه يعيش ما يزيد على مليون وأربعمئة ألف عربي فلسطيني في إسرائيل، ويشكلون 20% من عدد السكان البالغ أكثر من ثمانية ملايين نسمة.

ردود غاضبة
لاقى مشروع قانون منع رفع الأذان انتقادات واسعة من أطراف محلية ودولية، فقد رفض أئمة ومؤذنو مساجد القدس والداخل الفلسطيني الالتزام بمقتضياته، وصدرت انتقادات شديدة له من البرلمانيين العرب والأحزاب العربية داخل إسرائيل باعتباره "خطوة عنصرية" غير قانونية تستهدف المساجد بشكل خاص.

ورأت قيادات سياسية ودينية بالداخل الفلسطيني في المصادقة على منع رفع الأذان انفلاتا خطيرا وتعديا عنصريا آخر على الحريات، وانتهاكا لحرية العبادة للمسلمين واعتداء على الديانة الإسلامية، وإعلان حرب دينية من قبل نتنياهو.

المصدر : الجزيرة