الهوليغانز.. جماهير تعيث فسادا في الأرض

الهوليغانز مجموعات لتشجيع فرق كرة قدم، نشأت في بريطانيا وانتشرت عبر العالم. تتبنى منهج عنيفا في تشجيع فرقها يصل إلى الاعتداء الجسدي، وقد تركت أفعالها جراحا غائرة في الذاكرة الكروية، بسبب سقوط عشرات القتلى والجرحى في أحداث مختلفة.

التسمية
هوليغان كلمة إنجليزية تعني المشاكس أو العنيف أو الشخص صاحب السلوك المدمر، بل حتى الدموي السفاح، كأن يكون عضو عصابة إجرامية مثلا.

جذور
تعود جذور الهوليغانز إلى نهاية القرن التاسع عشر مع بدء ظهور الأندية الإنجليزية، حيث شهدت الملاعب عددا من أحداث العنف كان ضحيتها إما الحكم أو مشجعو الفرق المنافسة.

فقد ظهر لكل فريق مجموعة مشجعين أطلقوا على أنفسهم أسماء غريبة توحي بالعنف، من بينها "ذو هيرد" لنادي أرسنال، و"الجيش الأحمر" لمانشستر يونايتد، و"ييد آرمي" لنادي توتنهام، وذلك إلى جانب رابطة "نادي الانتحاريين" المشجعة لفريق نادي بيرنلي، و"طاقم عمل السيوف" لنادي شيفيلد يونايتد.

حوادث
تسببت ظاهرة الهوليغانز في عشرات الحوادث الدموية داخل البطولات المحلية والأجنبية، من أبرزها ما وقع خلال تصفيات أولمبياد طوكيو 1964، حيث قام هوليغانز الفريق البيروفي باقتحام الملعب في لقاء بيرو مع الأرجنتين، مما دفع الأمن إلى غلق الأبواب وإطلاق الغاز المسيل للدموع، ما تسبب في سقوط 327 قتيلا على الأقل، نتيجة للتدافع.

وفي عام 1974 خلال كأس الاتحاد الإنجليزي بين نوتنغهام فوريست ونيوكاسل، تقدم نوتنغهام بثلاثة أهداف لهدف واحد في بداية الشوط الثاني، مما دفع مشجعي نيوكاسل لاقتحام الملعب والتهجم على اللاعبين والمشجعين، حيث نقل 23 شخصا إلى المستشفى وكان بعضهم في حال خطيرة.

وفي نهائي دوري الأبطال عام 1975 بين بايرن ميونيخ وليدز يونايتد، اعتدى الهوليغانز على جماهير البايرن مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى إيقاف النادي أوروبيا.

بعدها عوقب مانشستر يونايتد عام 1977 باللعب خارج ملعبه بسبب اعتداء بعض جماهيره على جماهير سانت إتيان الفرنسي.

وسيبقى تاريخ 13 مارس/آذار 1985عالقا في الأذهان، عندما واجه لوتون تاون صاحب الملعب فريق ميلوول ضمن ربع نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي.

فقد ألقى جمهور ميلوول أدوات حادة على حارس لوتون، وبمجرد انتهاء المباراة اقتحم هوليغانز ميلوول الملعب وحاولوا الاعتداء بالضرب على لاعبي لوتون تاون الذين فروا مسرعين نحو غرف الملابس، بينما عاث الهوليغانز فسادا في الملعب وكسروا وخربوا التجهيزات، ثم ما لبثوا أن خرجوا إلى المدينة واستكملوا ما بدؤوه في الملعب من تخريب منشآت عمومية، مما دفع السلطات البريطانية إلى تشكيل مجلس لمحاربة الظاهرة ووضع حد لها. وقد خلفت تلك الأحداث نحو 81 جريحا بينهم 31 رجل أمن.

وبتاريخ 29 مايو/أيار 1985 وقعت واحدة من أسوأ الأحداث المرتبطة بالهوليغانز عبر العالم، وذلك في ستاد هيسل في بلجيكا. الواقعة بدأت قبل خمس دقائق من انطلاق مباراة نهائي دوري أبطال أوروبا التي جمعت بين ليفربول الإنجليزي ويوفنتوس الإيطالي، حيث اتجه الهوليغانز نحو جماهير اليوفي التي حاولت الهروب، فسقط أحد الجدران فوقهم مما تسبب في وفاة 32 مشجعا لليوفنتوس، وجرح نحو ستمئة شخص، في حين توفي سبعة من المتفرجين المحايدين.

الاتحاد الأوروبي سارع بعدها إلى اتخاذ قرار بمنع الفرق الإنجليزية من المشاركة في البطولات الأوروبية خمس سنوات، ومنع ليفربول ست سنوات، مع التهديد باتخاذ عقوبات أشد صرامة إن لم يتم اتخاذ قرارات لاستئصال الظاهرة.

ومن بين القرارات التي اتخذتها السلطات البريطانية لمواجهة شغب الملاعب: منع العناصر المشاغبة من دخول الملاعب إلى الأبد، إلى جانب السجن المشدد فترات طويلة، مما ساهم في التخفيف من حدة الظاهرة.

وخلال دوري أبطال أفريقيا 2000 في اللقاء بين الترجي التونسي وهارتس أوف الغاني تسبب الهوليغانز بمقتل ما لا يقل عن ستة أشخاص، والاعتداء على لاعبي الترجي رغم فوز هارتس الذي عوقب بالإيقاف لمدة سنة عن اللعب.

وفي نهائي كأس الاتحاد الأوروبي 2008 قام أحد  من هوليغانز اسكتلندا بطعن مشجع روسي بالسلاح الأبيض في اللقاء الذي جمع زينيت سان بطرس الروسي ورينجرز الاسكتلندي.

ومع يورو 2016 الذي احتضنته الملاعب الفرنسية لمدة شهر ابتداء من 10 يونيو/حزيران، برزت حكاية شغب الهوليغانز مجددا لكن هذه المرة خارج الملعب، حيث اشتبكت جماهير إنجليزية مع جماهير روسية إلى جانب الشرطة في مدينة مارساي، مما خلف إصابات بعضها حرج، ودفع رجال الأمن للتدخل وتفريق المشتبكين، بينما ألقى المشجعون الغاضبون مقذوفات على الشرطة التي اضطرت للتدخل لأكثر من يومين ووضع حد لأعمال الشغب.

وقد هدد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بإقصاء المنتخبين الإنجليزي والروسي في حال استمر الهوليغانز بالتسبب في مشاكل أمنية للبلد المضيف.

بلدان عربية
ظاهرة شغب الملاعب وإن كان منشؤها بريطانيا، فإنها انتشرت انتشار النار في الهشيم في شتى أقطار الأرض، وبينها الدول العربية التي شهدت ملاعبها خلال فترات متباعدة حوادث شغب دامية تسببت في سقوط قتلى وجرحى.

فعلى سبيل المثال في مصر، وخلال مباراة النادي الأهلي مع النادي البورسعيدي ضمن الجولة 17 من الدوري العام عام 2012، لقي نحو 77 شخصا مصرعهم وأصيب أكثر من 1400 بجروح بعضها خطر، وذلك إثر اقتحام جماهير النادي البورسعيدي الملعب بعد نهاية المباراة.

وأعلن مجلس إدارة النادي الأهلي في اجتماع طارئ بعيد الواقعة تجميد النشاط الرياضي للنادي، والانسحاب من كافة المسابقات الرياضية، وتقدم ببلاغ للنائب العام للتحقيق فيما حدث.

وفي 2 أبريل/نيسان 2009 خلال مباراة الزمالك المصري ضد الأفريقي التونسي بالقاهرة، اجتاحت الجماهير المصرية الملعب، واعتدوا على لاعبين، وذلك احتجاجا على إلغاء الحكم هدفا أحرزه الزمالك بحجة وجود تسلل.

وفي يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2009، اضطر ثلاثة من لاعبي الجزائر لوضع ضمادات على رؤوسهم في لقائهم مع مصر ضمن إقصائيات كأس العالم، بعدما رشقت حافلتهم قبيل المباراة، وعاقب الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بنقل مباريات المنتخب المصري خارج القاهرة.

وفي المغرب، اضطرت السلطات في أبريل/نيسان 2016 لاتخاذ قرار بحل حركة الألتراس في البلاد بعد وقوع حوادث شغب بارزة في كل من الرباط والدار البيضاء ومدن أخرى، خلفت سقوط قتلى وعشرات الجرحى، إلى جانب أعمال تخريب واسعة في الممتلكات العمومية.

غير أن حركات الألتراس في الوطن العربي تدافع عن نفسها وتقول إنها تعمل على تأطير المشجعين، ودفعهم إلى الإبداع في تشجيع فرقهم بعيدا عن جميع أشكال العنف، وبالتالي فإصدار قرارات بحلها يزيد المشكلة تعقيدا.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية