جرادة المغربية.. مدينة الأيتام و"الساندريات"

A general view taken on December 27, 2017 shows part of the northeastern Moroccan city of Jerada, 60 kilometres southwest of Oujda. Thousands of protesters in northeastern Morocco called for "jobs and development" in the fourth day of mass protests since two miners died in a shuttered coal pit. / AFP PHOTO / FADEL SENNA (Photo credit should read FADEL SENNA/AFP/Getty Images)
مدينة جرادة اعتمدت طويلا على المنجم وعند إغلاقه عام 2001 دخلت في أزمة اقتصادية (غيتي)

جرادة مدينة مغربية اشتهرت بمناجم الفحم الحجري، ويبلغ عدد سكانها نحو 43 ألفا، وعند إيقاف العمل بالمناجم انهار اقتصادها فحاولت الحكومة إيجاد بدائل، لكن السكان يؤكدون استمرار الأزمة، مما تسبب في اندلاع احتجاجات بارزة في 2018. 

الموقع
تقع مدينة جرادة شرق المغرب بالقرب من الحدود مع الجزائر، وتبعد عن محافظة وجدة -التي توصف بعاصمة الشرق- بنحو ستين كيلومترا.

السكان
بحسب الإحصاء الرسمي لعام 2014، يبلغ عدد سكان إقليم (محافظة) جرادة نحو 108 آلاف، في حين وصل عدد سكان المدينة نفسها إلى 43490.

المناخ
تقع جرادة بمنطقة يغلب عليها الطابع الجبلي، وذلك ما يجعل مناخها يتميز بالبرودة الشديدة شتاء، والحرارة المرتفعة صيفا، مع عدم انتظام سقوط الأمطار.

الاقتصاد
قبل اكتشاف الفحم الحجري، اعتمدت القبائل القاطنة بمنطقة جرادة على النشاط الرعوي، وبسبب عدم انتظام سقوط الأمطار، وضعف التربة، لم تعتمد تلك القبائل على النشاط الفلاحي، وكانت مضطرة للرحيل بحثا عن الكلأ للثروة الحيوانية.

وفي 1927، اكتشف المحتل الفرنسي الفحم الحجري بها، وسارع لإنجاز التجهيزات الضرورية بالمدينة لبدء استغلال ثروات الفحم الذي تزخر به المدينة، وهو من نوع "الأنتراسيت" ويعد من أجود أنواع الفحم الحجري في العالم.

ومع مرور الأعوام، بدأت طبقة اليد العاملة تتسع، وكبرت المدينة، حيث شكلت مناجم جرادة فرصة للعمل بالنسبة لعشرات آلاف العمال من مختلف مناطق المغرب.

لكن كل شيء تغير مع قرار الحكومة المغربية إغلاق تلك المناجم عام 2001، بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج، وتعهدت بتوفير بدائل اقتصادية لسكان المدينة، لكن السكان يؤكدون أن شيئا من ذلك لم يحدث، علما بأن المناجم كانت العمود الفقري لاقتصاد المدينة، ومع انهياره انهار كل شيء.

المحتجون طالبوا الحكومة بفك العزلة عن المدينة وتوفير بدائل اقتصادية لآبار الفحم الحجري (رويترز)
المحتجون طالبوا الحكومة بفك العزلة عن المدينة وتوفير بدائل اقتصادية لآبار الفحم الحجري (رويترز)

بسبب ذلك تعاني جرادة من نسبة بطالة مرتفعة، وذلك ما دفع الشباب للخروج منها بحثا عن العمل داخل المغرب وخارجه، ومن اضطر للبقاء، فقرر الاشتغال في مهن معيشية بسيطة أغلبها دكاكين تجارية متواضعة.

كما لجأ بعض الشباب أيضا للبحث عن الفحم الحجري بطرق غير نظامية، عبر حفر آبار تقليدية في ضواحي المدينة، يطلق عليها محليا اسم "الساندريات"، وهي التي تسببت في اندلاع احتجاجات كبيرة في 2018 حظيت بتغطية إعلامية دولية.

احتجاجات
العمل "بالساندريات" في جرادة كان دوما محفوفا بالمخاطر، إذ إن الشباب العاطل المنحدر من عائلات تعاني من فقر مدقع يلجؤون لحفر آبار بطرق بدائية، يتراوح عمقها بين خمسين وثمانين مترا، ثم عند الوصول لطبقة الفحم يبدؤون الحفر بشكل عرضي متتبعين خطوط الفحم، وهو ما يتطلب منهم محاولة "تثبيت" طبقات الأرض المحفورة بجذوع الأشجار التي يقطعونها من الغابة المجاورة، أما الإضاءة فيلجؤون للشموع التي تحرق ما تبقى من أوكسجين داخل أعماق الأرض المظلمة.

وبسبب كل ذلك، لقي عاملون "بالساندريات" مصرعهم في حوادث مؤلمة على مدى سنوات طويلة، بينها انهيار طبقات الأرض عليهم، أو تفجر المياه الجوفية، بالإضافة إلى الأمراض التنفسية العديدة التي سببها استنشاق الغازات السامة بباطن الأرض، وغبار الفحم الحجري الذي يتسبب في مرض السحار السيليسي أو السيليكوزيس (Silicosis)، وهو مرض رئوي سببه استنشاق جسيمات غبار ثنائي أوكسيد السيليكون وغازات أخرى تؤدي إلى التهابات حادة بالرئة التي تفشل في أداء وظيفتها مع مرور الوقت.

ويعتبر هذا المرض القاتل السبب الرئيسي في وفيات الذين عملوا بمناجم المدينة بشكل نظامي قبل إغلاق المناجم، حيث إن نسبة من نجح منهم في الوصول لسن التقاعد وهو على قيد الحياة قليلة جدا، ولهذا السبب يصف السكان جرادة بأنها "مدينة الأيتام والأرامل".

وفي 22 ديسمبر/كانون الأول 2017، اندلعت احتجاجات كبيرة بالمدينة إثر وفاة أخوين غرقا داخل إحدى "الساندريات"، وظلا داخلها ساعات طويلة قبل أن ينجح رفاقهما في انتشال جثتيهما.

واستمرت الاحتجاجات عدة الأيام، وقدم المحتجون عدة مطالب؛ بينها ضمان بدائل اقتصادية لتشغيل الشباب، وتنفيذ ما تعهدت به الدولة عقب إغلاق المنجم عام 2001، إلى جانب فك العزلة عن المدينة عبر فتح طرق، ومراجعة فواتير الماء والكهرباء، وإنشاء مدارس وملحقة جامعية، ودعم الفلاحين الصغار بالمحافظة، وتعزيز البنية التحتية، وتحسين المرافق الخدمية.

وأعلنت السلطات المغربية في 16 يناير/كانون الثاني 2018 خطة طارئة لتحقيق مطالب السكان، وتهدف الخطة -بحسب وكالة الأنباء المغربية الرسمية- إلى "الاستجابة للمطالب العاجلة لسكان إقليم جرادة"، وتشمل فاتورتي الماء والكهرباء، وإحداث فرص عمل ومراقبة استغلال مناجم الفحم المتهالكة، وتدهور البيئة وتعزيز خدمات الصحة.

كما تشمل الخطة مشروعات من شأنها توفير فرص عمل، بينها إنشاء محطة حرارية خامسة بجرادة، ومنح أولوية التوظيف لقاطني المنطقة، لكن من دون تحديد موعد بدء تنفيذ تلك الخطة.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية