القرن الأفريقي.. أهمية متعاظمة وصراعات مستمرة

صورة خريطة تشمل دول القرن الأفريقي (الصومال، جيبوتي، إرتيريا، إثيوبيا..).

يقصد بمنطقة القرن الأفريقي -جغرافيا- ذلك الجزء الممتد على اليابسة الواقع غرب البحر الأحمر وخليج عدن على شكل قرن، وهو بهذا المفهوم يشمل أربع دول هي الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا، بينما تتسع المنطقة أكثر عند النظر لها من زاوية سياسية واقتصادية لتشمل كينيا والسودان وجنوب السودان وأوغندا.

ويقول بعض الباحثين إنه وفقا لهذا المفهوم فإنها تمثل منطقة شرق أفريقيا المتحكمة بمنابع النيل والمسيطرة مداخل البحر الأحمر وخليج عدن، وهي إن لم تكن جزءا رئيسيا من القرن الأفريقي فهي امتداد حيوي له.

المساحة والسكان
تقدر مساحة القرن الأفريقي بمفهومه الضيق (الصومال، جيبوتي، إريتريا، إثيوبيا) نحو 1.9 مليون كيلومتر مربع. ويبلغ عدد سكانها نحو 115 مليون نسمة وفقا لتقديرات عام 2014.

الاقتصاد
تعتبر إريتريا واحدة من أكثر دول العالم اعتمادا على الدول المانحة للمساعدات، في حين توقفت المساعدات بشكل كبير عن الصومال منذ تدخل دولي مأساوي ودموي أوائل التسعينيات.

أما إثيوبيا فإن مساعدات التنمية الأوروبية تشكل ثلث ميزانيتها السنوية، وقد تحولت من بلد فقير شهد سلسلة من المجاعات أودت بحياة أكثر من مليون إنسان إلى أيقونة أفريقيا، وأصبحت تسجل منذ سنوات أسرع معدل نمو عالمي بعد أن كانت عام 2000 ثاني أفقر بلاد العالم حيث قفز ناتجها القومي من نحو سبعة مليارات دولار عام 1994 إلى قرابة 62 مليارا عام 2016.

كما استطاعت الحكومة خفض نسبة الفقر إلى 50%، وتفيد الأرقام بأن 22 مليونا ما زالوا تحت خط الفقر.

أما جيبوتي فتسعى إلى رفع مستوى اقتصادها بالاستفادة من موقعها الإستراتيجي على مضيق باب المندب الذي يتيح لها الاستثمار في اقتصاد الموانئ.

الأهمية الإستراتيجية
ليست أهمية القرن الأفريقي وليدة اليوم، فقد كانت ومنذ العصور القديمة محط أنظار القوى والإمبراطوريات المهيمنة، لأهميتها الإستراتيجية وإطلالها على طرق التجارة الدولية البرية والبحرية، ومنذ القرن الـ 15 ازداد التنافس الغربي على النفوذ بهذه المنطقة، بل وتحول لصراع في حالات عديدة.

وبالنظر للأهمية الإستراتيجية التي تشكلها هذه المنطقة الحساسة فقد أصبحت نقطة جذب وتركيز واهتمام من لدن أطراف دولية وإقليمية عديدة تتصارع على مواطن الثروة والنفوذ ومراكز القوة والحضور.

وزاد من أهميتها الإستراتيجية كونها تمثل منطقة اتصال مع شبه الجزيرة العربية الغنية بالنفط، فالموانئ وحاملات النفط والغاز والاتجار بالبضائع والأسلحة وعبور الأشخاص عوامل جعلت منها نقطة جذب دولية.

وسعت دول عربية عديدة السنوات الأخيرة لتقوية حضورها في تلك المنطقة نظرا للأهمية الاقتصادية والإستراتيجية لتلك الدول عموما وللبلدان التي يمر نفطها عبر المنافذ البحرية التي تتحكم فيها هذه الدول، بيد أن ذلك لم يكن قاصرا فقط على هذه الدول، فالعديد من دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة وكذلك الصين والهند واليابان وتركيا وإيران وإسرائيل تسعى كلها لتقوية نفوذها بهذه المنطقة.

وأصبحت الولايات المتحدة بعد حرب الخليج الثانية تُولي القرن الأفريقي أهمية جيوسياسية إستراتيجية كبرى، وتجلى اهتمام واشنطن -التي تتمسك بمقولة "الربط بين الأمن القومي الأميركي وأمن الطاقة النفطية" وحصلت بذلك على قدرة مضافة للتحكم في منابع الطاقة بالمنطقة أكثر منذ أواخر القرن الماضي.

وعمقت حالة الفراغ العسكري والأمني التي شهدها الإقليم بالعقود الماضية وساهمت في دفع واشنطن للاهتمام به أكثر، خاصة بعد تخلي فرنسا وبريطانيا وإيطاليا -طوعا أو قسرا- عن هذه المنطقة التي كانت تاريخياً مجالا لنفوذها بالتقاسم، وبعد أن بدأ تغلغل الصين بأفريقيا عامة والقرن الأفريقي خاصة.

ومع أن واشنطن تمتلك -وبشكل معلن- قاعدة عسكرية في جيبوتي، فإن مصادر صحفية تحدثت عن وجود قواعد عسكرية سرية لها بالقرن الأفريقي وما حولها، وتتحدث عن وجود قاعدتين بحريتين في كينيا (مومباسا ونابلوك). وفي إثيوبيا توجد قاعدة أربا مينش الجوية لـ الطائرات بدون طيار منذ عام 2011، ومهمتها الاستطلاع والتجسّس في شرق أفريقيا.

وقد وجدت إسرائيل مجالا حيويا في تلك المنطقة الحيوية، فأسست وجودا عسكريا وأمنيا كما طورت من علاقاتها السياسية مع بعض أنظمة تلك المنطقة وخاصة النظام الإريتري والأوغندي.

وتعاظمت الأهمية الإستراتيجية للقرن الأفريقي بعد اندلاع الحرب في اليمن وتدخل التحالف العربي عسكريا بقيادة المملكة السعودية تحت ذريعة التصدي لتوسع النفوذ الإيراني. وتقاطع ذلك مع مصالح مجموعة من الدول (أميركا وإسرائيل وبعض دول الخليج) لمواجهة الخطر الذي يمثله النفوذ الإيراني مستقبلا على نفوذها ومصالحها.

ولم تكن الصين كقوة عظمى بعيدة مما يجري هناك، فقد حاولت منذ فترة غرس أقدامها في القارة الأفريقية عموما وفي منطقة القرن الأفريقي خصوصا، فبنت قاعدة بحرية في جيبوتي بحجة مكافحة القرصنة وضمان أمن باب المندب.

وعلى المستوى الإقليمي، سعت تركيا هي الأخرى لتعزيز وجودها عبر البوابة الصومالية حيث كثفت من تدخلها الإنساني والتنموي، وعززت وجودها عام 2017 بافتتاح أكبر قاعدة عسكرية لها خارج حدودها جنوب العاصمة مقديشو لتدريب عشرة آلاف جندي حكومي بهذا البلد الأفريقي الذي تمزقه الصراعات السياسية والحروب الأهلية.

وفي الجانب الآخر من الصورة وربما بسبب تلك الأهمية الإستراتيجية الفائقة وذلك الصراع الدولي والإقليمي المتعاظم، أصبح القرن الأفريقي ومنذ القرن الماضي أكثر المناطق الأفريقية احتمالا للتفجر، بعد أن عانى من أطول الصراعات وأكثرها مرارة خلال ذلك القرن.

وفي الوقت ذاته، شهدت المنطقة خلال العقدين الماضيين مجاعات وحروبا بسبب الصراعات السياسية والجفاف وانعدام الأمن الغذائي، وهو ما دفع السكان ثمنه قتلا وتشريدا.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية