شعار قسم مدونات

الخوف والهشاشة!

2- في بعض الحالات يكون السبب في شلل القرار هو الخوف من النتائج-(بيكسلز)
الهشاشة ضعف نفسي يتأثر صاحبها بالكلمة وتجرح مشاعره بالملاحظة والنقد (بيكسلز)

بدأت حياتك طفلا مقبلا على الحياة، تتعرف على تفاصيلها الصغيرة، وتحاول امتلاك ما يعرض لك في طريقك، غير آبه بأخطار محدقة، ولا ملتفت لانتقادات محيطة محبطة، ولا تساورك أوهام أو ظنون بما قد يحدث بعد. إنما هي الشجاعة الفطرية والإقدام المغروس في داخلك لاستكشاف الحياة ومواجهتها بنفسك.

تكبر هذه المخاوف لكن ليس في الواقع وإنما في تصوراتنا، فيذكي الخيال مشاعر الخوف ويهوّل الخوف تصورات الخيال

ثم تكبر شيئا فشيئا، فإذا عوائق الزمن، ومرارة التجارب، وآراء الآخرين، وحسابات المستقبل المجهول؛ تزرع فيك خوفا يقيد انطلاقتك الأولى، ويضعف من عزمك، وينال من إقدامك.

يكبر الإنسان وتكبر معه مخاوفه؛ يخاف أن ينفق خشية الفقر، ويخاف أن يخوض تجربة جديدة هربا من الفشل، ويخاف أن يبني علاقات جديدة تجنبا للعواقب، ويخاف فقد الوظيفة، ويخاف قلة الرزق، ويخاف على أبنائه، ويخاف من التقاعد، ويخشى أن تداهمه الأمراض على حين غرة. بل إننا أصبحنا نخاف من الكلمة الجارحة، أو الملاحظة العابرة، أو النقد الموجه إلينا.

تكبر هذه المخاوف لكن ليس في الواقع وإنما في تصوراتنا، فيذكي الخيال مشاعر الخوف ويهوّل الخوف تصورات الخيال، فيمد كل منهما الآخر بأسباب البقاء والامتداد، حتى يصاب الإنسان بالهشاشة.

والهشاشة ضعف نفسي يتأثر صاحبها بالكلمة، وتجرح مشاعره بالملاحظة والنقد. الهشاشة لا يقوى معها المرء على مواجهة تحديات الحياة فضلا عن اختبار جديدها واكتشاف أغوارها وسبر عوالمها.

وتزيد هشاشة المرء النفسية كلما ابتعد عن خوض تجارب جديدة في حياته، وتهرب من مواجهة الصعوبات والتحديات.

تبقى الشجاعة هي الحل لمواجهة المخاوف والتعامل معها رغم الشعور بالخوف.

إن القوة في أخذ المسؤولية عن كل ما يهمك ويليك، والتفكير الحر خارج حدود أنماط وقوالب رسمتها أو رسمت لك في محيطك، من المعينات على الصلابة النفسية وقوة الشخصية، واجتناب العجز فيما يستقبلك من صروف الدهر ونوائب الزمن.

وإذا كان الإنسان جُبل على الخوف، فإنه أيضا جُبل على الشجاعة والإقدام، بل إن الشجاعة والإقدام وجدا في نفس الطفل قبل الخوف، وهذا دليل على أن خلق الشجاعة والإقدام هو ما يسير حياة الفرد ويقودها.

وبعد عمر مديد، يكتشف الإنسان الخائف أنه "عاش ميتا في حياته"، وكما قال برتراند رسل "الخوف من الحياة ثلاثة أرباع الموت"، أو كما قال نجيب محفوظ "الخوف لا يمنع من الموت ولكنه يمنع من الحياة".

وتبقى الشجاعة هي الحل لمواجهة المخاوف والتعامل معها رغم الشعور بالخوف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.