هل يندم برشلونة للإبقاء على تشافي بعد الموسم الصفري؟

برشلونة ودّع جميع المسابقات هذا الموسم خالي الوفاض (الفرنسية)

خرج فريق برشلونة الإسباني لكرة القدم بموسم صفري بعد فشله محليا وقاريا، ليكتب المدرب تشافي هيرنانديز تاسع رقم تاريخي سلبي للـ(بلوغرانا) في الألفية الجديدة من إجمالي 23 موسما.

وأخفق النادي الكتالوني في مسابقات الدوري والكأس والسوبر الإسباني، كما ودّع دوري أبطال أوروبا بهزيمة مذلة برباعية أمام باريس سان جيرمان.

في أعقاب الهزيمة (3-5) أمام فياريال في الجولة 22 من الدوري الإسباني في يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن تشافي أنّه سيرحل عن الفريق بنهاية الموسم.

وقال "يحتاج الوضع إلى تغيير ديناميكي" قبل أن يعدل عن قراره ويكشف استمراره بمنصبه في أواخر أبريل/نيسان الماضي، مُعللا ذلك بـ"أنّه يريد إكمال المشروع الذي لم ينته بعد".

هل يملك تشافي الأدوات

خلّف قرار تشافي بالبقاء انقساما في مجلس الإدارة وغرف خلع الملابس وحتّى الصحافة الموالية للنادي، وبينما انتظرت الجماهير أن يبدأ الرئيس لابورتا مفاوضاته مع مدرب من الصف الأول وإنقاذ الفريق من المستويات المتذبذبة الحالية، أطل لابورتا مع تشافي وأعلنا معا استمرار التعاون بينهما. هل يملك تشافي الأدوات؟

يبدو برشلونة كحقل تجارب مع تشافي، ومن الواضح أنّه يعالج الأمور من منظور اللاعب وليس المدرب، في حين تكمن المعضلة الأساسية في فلسفة المدرب نفسها.

من أجل تطبيقها، سيستنزف ذلك وقتا طويلا ربما يمتد لمواسم، والسبب أن تشافي لا يملك الأدوات الكاملة لتحويل أفكاره -المتواضعة أساسا- إلى واقع ملموس على أرض الملعب.

على سبيل المثال، لجأ تشافي إلى استخدام قلب الدفاع الدنماركي أندرياس كريستنسن في خط الوسط مرّات عديدة هذا الموسم، في محاكاة لما يفعله غوارديولا مع أكانجي وستونز في مانشستر سيتي، لكن ذلك لم يساعد تشافي كثيرا، بالنظر لمحدودية قدرات اللاعب.

مع صعوبة تطبيق فلسفته القائمة على الاستحواذ والضغط المضاد، التي اشتهرت بها مدرسة برشلونة لعقود، انتهج تشافي ثقافة مضادة، حيث عمد إلى التسجيل عبر الركلات الثابتة، من مبدأ "ميكيافيلي بحت" وهو تحقيق الانتصار بأي طريقة كانت.

فقد أحرز برشلونة 16 هدفا من الركلات الثابتة هذا الموسم، أبرزها في 3 مباريات متتالية أمام باريس سان جيرمان وريال مدريد وفالنسيا.

في المحصلة يمكن القول إن تشافي وأد نهج "التيكي تاكا"، وبدأ مرحلة جديدة تعتمد على الكرات الطولية والعرضيات.

ففي الموسم الأخير قبل وفادة تشافي كانت نسبة العرضيات 17% من جملة الكرات المرسلة إلى منطقة الجزاء، وارتفعت في الموسم التالي مباشرة بعد قدومه إلى 41%.

تسببت هذه الأدوات المتاحة لتشافي في جعل برشلونة مطمعا واضحا، فمن أصل 10 خسائر تلقّاها هذا الموسم، جاءت 4 منها عن طريق الريمونتادا من الخصوم، ما يعكس ضعف خبرات وشخصية اللاعبين، وانعدام قدرتهم في السيطرة على نتائج المباريات.

لقد أخذ الفريق الأسبقية وسجّل أولا أمام ريال مدريد وجيرونا وسان جيرمان، ثم انهار لاحقا وخسر المباريات الثلاث بنتائج (1-4) و(2-4) و(2-3) على التوالي.

من الجلي أن الاعتماد على مواهب مدرسة برشلونة، أمثال الأمين جمال وغافي وبيدري وباو كوبارسي، لن يؤتي ثماره، وأنّ الفريق بحاجة إلى 3 أو 4 نجوم من العيار الثقيل، غير أنّ مسألة انتداب لاعبين جُدد ليست بهذه السهولة عطفا على الوضع الاقتصادي.

ما الوضع الاقتصادي في برشلونة؟

من الواضح أن السياسات المالية لن تخدم الطموح الرياضي مطلقا، لا سيما بعد أن قلّصت رابطة الدوري الإسباني سقف رواتب الفريق من 650 مليون يورو عام 2022 إلى 270 مليون يورو في 2023، ثم إلى 204 ملايين يورو في الموسم الحالي.

في ظل هذا الوضع يستحيل على برشلونة التعاقد مع نجوم من الصف الأول، إلا بمغادرة نجوم في المقابل، ما يعني بالتبعية نسف أي مخططات من تشافي للتعاقد مع لاعبين ذوي ثقل في الميركاتو الصيفي المقبل.

تبلغ تكاليف تشغيل برشلونة أضعاف الإيرادات الداخلة، ما يجعل النادي يخسر باستمرار، إضافة إلى الديون المتراكمة بالمليارات (2.7 مليار يورو) وفوائدها أيضا، وهذه المشكلات المالية ألقت بظلالها على فريق البارسا.

برشلونة خارج البطولات الكبرى

أدّى إقصاء برشلونة من ربع نهائي دوري أبطال أوروبا أمام باريس سان جيرمان إلى حرمانه من مداخيل إضافية تقارب 8 ملايين يورو، وغيابه عن النسخة المقبلة من كأس العالم للأندية 2025 بنظامها الجديد، التي كانت كفيلة بإنعاش خزائن النادي بمبلغ كبير.

يحتل برشلونة حاليا الترتيب الثالث في الدوري الإسباني، ما يعني عمليا فقدانه فرصة المشاركة في كأس السوبر الإسباني الموسم المقبل، وهي مسابقة من شأنها أن تدرّ أرباحا لا بأس بها، تتراوح بين 6 و7 ملايين يورو.

سيدفع هذا الوضع برشلونة لبيع حصص إضافية من أصول النادي، أو سيُجبر على بيع نجومه في الميركاتو المقبل، وهي نقطة ستُقيّد تشافي بكل تأكيد.

هل أصاب برشلونة بإبقاء تشافي؟

يخبرنا التاريخ أنّ برشلونة يستفيق ويعود إلى حصد الألقاب مرّة أخرى بعد الموسم الصفري، لكن مع مدرب وصفقات جديدة.

فعلى سبيل المثال، عندما خرج الفريق بموسمين صفريين متتاليين في (2006-2007) و(2007-2008) مع المدرب الهولندي فرانك رايكارد، عاد لمعانقة الألقاب في الموسم التالي تحت قيادة بيب غوارديولا، بل وفاز بالثلاثية.

هذا المثال يشير إلى أنّ وضع برشلونة لا يستقيم مع المدرب ذاته بعد الموسم الصفري، ومن المهم تغيير جلد الفريق والنهج التكتيكي، للعودة إلى حصد البطولات.

لكن في حالة برشلونة ووضعه الاقتصادي المزري وما نتج عنه من تحييد التعاقدات الكبيرة، فإن الإبقاء على تشافي يُعد خيارا معقولا.

ما المتوقع من تشافي الموسم المقبل؟

النقطة المضيئة في فريق برشلونة الحالي هي أنّه يطبق الضغط العالي جيّدا، فهو الأفضل في الدوري الإسباني منذ قدوم تشافي، أمّا في الشق الدفاعي ومع استعادة تير شتيغن، ونمو كوبارسي ومعالجة الأخطاء الدفاعية القاتلة، فإنه من المتوقّع أن يشهد الخط الخلفي الموسم المقبل تحسّنا طفيفا.

تظل المشكلة الرئيسية هي صناعة الأهداف والنهج التكتيكي في نقل الكرة بين الخطوط، ومن المتوقّع ألا يتحسّن برشلونة كثيرا في هذا الصدد طالما لا يملك خط وسط متمرّسا، ومن المرجّح أن يستمر الفريق في لعب الكرات الطولية، والاعتماد شبه التام على ليفاندوفسكي.

المصدر : الجزيرة