رياضة البوتشيا.. مُتنفس ذوي الهمم لإبراز إبداعاتهم في تونس

صورة 4 ـ مشهد من إحدى مباريات البوتشيا في تونس (الجزيرة نت)
رياضة البوتشيا تحظى بشعبية كبيرة لدوى ذوي الهمم في تونس (الجزيرة)

تونس- عندما دخلت الشابة مها عون الله قاعة الرياضة المخصصة لاحتضان نهائيات بطولة تونس لرياضة البوتشيا، التي أقيمت في مدينة بني خيار (شمال شرق)، كانت مشاعر الفرحة والانتظار تغمرها قبيل بداية ذلك الحدث اللافت، وتغمر والديها اللذين كانا حريصين على ملازمتها في نشاطها الرياضي.

ولم تخيب مها -الفتاة البالغة من العمر 24 عاما، والتي تعاني من إعاقة جسدية وذهنية منذ ولادتها- آمال عائلتها، وذلك بعد تتويجها بالميدالية الذهبية لبطولة تونس للبوتشيا، التي نظمتها اللجنة البارالمبية بحضور ما يزيد على 70 لاعبا ولاعبة من ذوي الهمم.

ويبدو أن مها عون الله -التي تجلس على كرسيها المتحرك وبجانبها والدتها التي تنظر إليها بفخر- وجدت في رياضة البوتشيا متنفسا، مثلها مثل عشرات التونسيين الذين عوضتهم هذه الرياضة عن الفراغ القاتل الذي يعيشونه والشعور بالإعاقة.

إبداعات ذوي الإعاقة العميقة

وبكلمات مقتضبة تختزل شعورا جميلا بالانتصار والتحدي والبطولة، تقول مها للجزيرة نت إن "تتويجي بالميدالية الذهبية إنجاز بمثابة التحدي بالنسبة لي، أنا فخورة بما حققته، أمي تساعدني كثيرا للفوز والنجاح".

بدأت مها ممارسة رياضتها المفضلة منذ سنوات ووجدت فيها متنفسا أمثل يعوضها عن شعورها بالإعاقة، وفازت العام الماضي أيضا بالميدالية الفضية للبطولة العربية للبوتشيا.

صورة عدد 2 ـ مها عون الله بطلة تونس للبوتشيا للاستخدام الداخلي
مها فخورة بما حققته من إنجازات في رياضة البوتشيا الجزيرة)

تنظر اللاعبة في عيني والدتها هناء، كما لو أنها تعبر عن امتنانها بما وجدته من دعم ومساعدة، أما الأم فتقول: "لم نكن نعتقد أن تعوض مها شعورها بالإعاقة والدونية بهذا النشاط الذي أبدعت فيه، يراودني إحساس جميل وأنا أنظر في عيني ابنتي ترفع الميدالية الذهبية بيدين مرتعشتين وبقلب ينبض بالتحدي والعزيمة".

تضيف والدتها: "بدأت ابنتي ممارسة البوتشيا منذ 10 سنوات، كنت مع والدها أكبر المشجعين لها، ورغم أن تلك اللعبة لم تكن معروفة في تونس، فقد كنا نعلم أنها ستأخذ صيتا كبيرا، نحن ممتنان لرئيس اللجنة البارالمبية، ولكل من ساهم في أن تحظى البوتشيا بمزيد من الاهتمام".

بدوره أبدى أكرم عثمان أحد أبرز لاعبي منتخب تونس للبوتشيا شغفه اللامحدود بهذه اللعبة التي كانت متنفسا مثاليا له للاندماج في الحياة العامة وممارسة الرياضة بهدف الترفيه والإبداع، حسب ما أكده للجزيرة نت.

ويقول أكرم الذي توج ببطولة تونس (صنف الرجال) للعام الحالي: "أنشط بنادي القاصرين عن الحركة بصفاقس (جنوب) منذ أكثر من 9 سنوات، وأعتبر البوتشيا النشاط الذي لا يمكنني أن أستغني عنه، أحمد الله على كل حال، وأنا ممتن كثيرا لكل من دعمني، والدي ومدربي وأعضاء اللجنة البارالمبية وكل من سعى لتنظيم هذه البطولة وتخفيف الشعور بالإعاقة عن اللاعبين".

أكرم عثمان بطل تونس لرياضة البوتشيا
أكرم عثمان بطل تونس لرياضة البوتشيا (الجزيرة)

يبلغ أكرم عثمان من العمر 29 عاما، ويعاني ضعف العضلات مما جعله يستعمل كرسيا متحركا، لكنه برع في رياضة البوتشيا، إذ توج ببطولة أفريقيا والبطولة العربية للمنتخبات عام 2021، ويتطلع للتألق في بطولة أفريقيا 2023، لكن حلمه الأكبر هو التأهل للألعاب البارالمبية باريس 2024، حسب قوله.

باريس 2024: رهان كبير

وتعتبر البوتشيا في تونس متنفسا لذوي الاحتياجات الخاصة، وإحدى أكثر الرياضات إقبالا من أصحاب الهمم، وذلك في وقت تعمل فيه اللجنة البارالمبية التونسية على تنظيمها وزيادة أعداد الناشطين بها من خلال إقامة مسابقات محلية خاصة، وتحفيز المولعين بها على الانخراط ضمن أندية خاصة بتلك اللعبة.

وفي تونس، ظهرت رياضة البوتشيا منذ ما يقارب 14 عاما، من خلال مسابقات ودية يشرف عليها الاتحاد التونسي لرياضة ذوي الاحتياجات الخاصة، لكن سنة 2010 كانت أول منعرج على طريق تطوير هذه الرياضة وتحويلها من مجرد لعبة مهمشة إلى رياضة مسجلة ضمن الرياضات البارالمبية، وذلك عندما استضافت تونس الدورة الدولية الأولى للبوتشيا بمشاركة 7 منتخبات.

ويقول رئيس اللجنة البارالمبية التونسية محمد المزوغي للجزيرة نت: "بعد تنظيم أول دورة دولية وبعد سنوات من النشاط غير المنظم محليا، عزمنا على تنظيم أول بطولة للبوتشيا، وكانت نسخة العام الجاري ثمرة لمجهودات اللجنة البارالمبية واتحاد رياضة المعوقين، والهدف منها هو دعم اللعبة والتركيز على الجوانب الرياضية والإنسانية".

وأشاد المزوغي بما اعتبره "نجاحا كبيرا لأول نسخة من البطولة التي احتضنتها مدينة بني خيار بمحافظة نابل، حيث كانت ملامح الفرحة ترتسم على وجوه اللاعبين وأوليائهم وهم يمارسون رياضة صارت أكثر من أي وقت مضى تستهوي ذوي الهمم وتساهم في تنمية قدراتهم البدنية والذهنية على حد سواء".

مها عون الله بطلة تونس مع والدتها عقب تتويجها بالميدالية الذهبية لبطولة تونس للبوتشيا
مها عون الله بطلة تونس مع والدتها عقب تتويجها بالميدالية الذهبية لبطولة تونس للبوتشيا (الجزيرة)

ويضيف: "مشاهد التعبير عن الفرحة عقب الفوز والتتويج، وصور احتضان الأب أو الأم للأبطال فرحا بالانتصار دليل على أن رياضة البوتشيا لها أبعاد أكبر من أن يتم اختزالها في نشاط رياضي، لن ندخر جهدا لنبعث الفرحة في نفوس هؤلاء رغم الصعوبات المادية التي تعوق تطور اللعبة".

وتستعد اللجنة البارالمبية لانتقاء عناصر من المتوجين في البطولة بهدف تكوين نواة أولى لمنتخب تونس للبوتشيا والمشاركة به في بطولة أفريقيا بمصر يوليو/تموز المقبل، وهي بطولة تأهيلية للألعاب البارالمبية "باريس 2024".

وتُعِد تونس نحو 16 ناديا تنشط ضمن مسابقة البوتشيا، أما عدد اللاعبين المجازين، فهو نحو 100 لاعب سيتم اختيار 6 منهم لتمثيل تونس في بطولة أفريقيا الشهر المقبل.

تاريخ البوتشيا وقوانين اللعب

وتُمارس البوتشيا داخل قاعة رياضية متخصصة، ويبلغ طول الملعب عادة 12 مترا وعرضه 6 أمتار، وهي لعبة تشبه كثيرا الكرة الحديدية وتُلعب جلوسا على كرسي متحرك بكرات مصنوعة من الجلد وفي حجم الكرات الحديدية حيث يتولى اللاعب رمي الكرة باتجاه أخرى بيضاء بنفس الحجم، على أن يتم احتساب النقاط كلما كانت الرمية أقرب إلى الهدف (الكرة البيضاء) كما توجد مسابقات للفردي وأخرى للزوجي (لاعبان من كل فريق).

وتنقسم البوتشيا -وهي رياضة ظهرت في اليونان- إلى 4 اختصاصات بحسب درجة الإعاقة، علما أن قوانين الاتحاد الدولي للبوتشيا تسمح في الصنف الرابع الخاص بالإعاقة العميقة جدا بأن يتلقى اللاعب مساعدة بسيطة من شخص آخر وفق مقاييس يحددها الحكام.

يشار إلى أن البوتشيا أصبحت منذ الألعاب البارالمبية نيويورك 1984 رياضة بارالمبية رسمية، كما أن الاتحاد الدولي للعبة يشرف على تنظيم بطولة العالم منذ أول نسخة في بلجيكا عام 1986 وحتى النسخة الحادية عشرة التي احتضنتها البرازيل عام 2022 وشهدت مشاركة 170 لاعبا ولاعبة من 41 بلدا.

المصدر : الجزيرة