أذابت جليد العاصفة الثلجية.. مبادرات إنسانية تنقذ مصريين عالقين بشوارع إسطنبول

توزيع الحساء الساخن في شوارع إسطنبول لمساعدة العالقين بسبب العاصفة الثلجية (وكالة الأناضول)

إسطنبول- رغم الأجواء شديدة البرودة في مدينة إسطنبول التركية إثر عاصفة ثلجية هي الأشد منذ سنوات، غير أن العلاقات الإنسانية الدافئة بين المصريين هناك أذابت جليد الغربة عبر حملة تضامنية لإنقاذ العالقين في الطرقات.

حالة نفير عام شهدتها مجموعات المصريين وحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت المبادرات الشخصية لاستضافة العالقين في الطرقات لساعات طويلة منذ مساء أول أمس الاثنين، وتقديم المساعدة للتخفيف من الأزمة التي شلت المدينة التركية وأثارت ردود فعل غاضبة.

تجمع المصريين في تركيا، هي مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وتحتوي على قرابة 230 ألف مشترك، شهدت تدفق المنشورات من قبل الأعضاء لعرض المساعدة في الطرقات والاستضافة في المنازل القريبة.

 

الإنسان ينتصر

وللاقتراب أكثر مما حدث في الليلة التركية العاصفة، التقت "الجزيرة نت" بعدد من المصريين العالقين في شوارع إسطنبول، وكذلك آخرين ممن أطلقوا مبادرات للمساعدة.

يقول عبد الرحمن محمد الشاب المصري الموجود في إسطنبول "كتبت منشورا عرضت فيه استضافة أي من الشباب العالق في الطرقات والقريب من محل سكني، لأني شاهدت فيديوهات كثيرة لطرق مغلقة، وأعرف أن هناك الكثير لم يتمكنوا من العودة لمنازلهم".

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف محمد "كان لا بد من استغلال قرب سكن بعض المصريين من الطرقات الرئيسية للمدينة في استضافة العالقين، ولاقت مبادرتي تفاعلا كبيرا من الشباب والأسر المصرية، ووجدت مبادرات كثيرة، ومنشورات من أشخاص يضعون أرقام هواتفهم وعناوين سكنهم ويعرضون استضافة القريب إليهم".

ولم يستغرب عبد الرحمن تفاعل المصريين القوي مع تلك المبادرات، قائلا "هذا ليس بالغريب عن المصريين المعروفين بالشهامة، كما أن تقديم المساعدة في الغربة شيء مهم للغاية".

لحظات صعبة

الشاب المصري إسلام صلاح -الذي عاش لحظات صعبة عالقا وسط الثلوج- يحكي بتأثر قائلا "في طريقي لمنزلي كانت الطرق مغلقة، ركبت حافلة تسير في طريق مخصص لها بعيدا عن السيارات، لكنها أخذت ضعف الوقت المعتاد للوصول لأقرب نقطة لسكني، وعند النزول وجدت الطريق مغلقا تماما والثلج بارتفاع كبير ولا يستطيع أحد الحركة".

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف صلاح "نشرت في مجموعة خاصة على الفيسبوك مقطع فيديو للطريق وأنني لا أستطيع الوصول لمنزل، وعلى الفور وجدت اتصالات كثيرة من شباب، ولكن بعضهم كان يسكن بعيدا عني، إلى أن تواصل معي صديق واستضافني في منزله".

وحول شعوره في تلك اللحظات في غربته، قال "الوضع كان صعبا للغاية وإحساس أنك بمفردك ولا أحد بجانبك، شعور سيئ للغاية، وبدأت في تذكر حال المعتقلين في السجون المصرية، في هذا الطقس السيئ خاصة أن والدي وشقيقي قيد الاعتقال".

واستدرك "إلا أن الاتصالات التي أتتني جعلتني أشعر مرة أخرى بأني وسط أهلي وأصحابي".

 

 

 

عاصفة أبكتني

بدوره، يروي الشاب المصري أحمد عصام تجربته مع العاصفة الثلجية وعدم استطاعته العودة لمنزله، فيقول "كنت في أحد المجمعات التجارية الكبيرة بالمدينة، وعند خروجي وجدت الأوضاع في الخارج سيئة للغاية، الطرق مغلقة، والعاصفة شديدة، ولا أستطيع التحرك".

وأضاف في حديثه للجزيرة نت، "كتبت على حسابي على فيسبوك طلبا للمساعدة، وبالفعل وجدت حالة تفاعل قوية، حيث تلقيت اتصالات عدة من أشخاص لا أعرفهم يعرضون استضافتي في منازلهم حتى تنتهي العاصفة، وآخرون للاطمئنان".

واستكمل "كنت أبكي من ألم البرد الشديد، وفي هذه اللحظة ومع كم التعاطف الكبير شعرت أنني بين أهلي وفي بلدي مصر، وأن الله أرسل إلى هؤلاء لكي يطمئن قلبي في هذه الغربة".

شهامة لا تفرق

شهامة المصريين في الغربة، لا تفرق بين شاب وفتاة، الجميع هب لنصرة أبناء وطنه، فمن جهتها، عرضت الشابة المصرية أسماء الصيرفي عبر صفحتها على موقع فيسبوك استضافت الفتيات والسيدات العالقات على الطرقات المغلقة، قائلة "هكون سعيدة جدا باستقبالكم لحين تحسن الأوضاع".

وفي حديثها للجزيرة نت، قالت الصيرفي "هذه الأجواء والعواصف الثلجية غير معتادة بالنسبة لنا كمصريين، لأن مصر دائما تتسم بجوها المعتدل، وكثير منا لم يتأقلم على هذا الوضع".

وأضافت "بعد مشاهدة الصور والفيديوهات للعالقين، شعرت بالعجز التام خاصة مع عدم القدرة على مساعدة إخواننا اللاجئين وأطفالهم يموتون من شدة البرودة في المخيمات الحدودية، وأقل شيء استطعت أن أساعد به أن استقبل الفتيات والنساء العالقات بالطريق".

وأكدت أن مبادرتها لاقت تفاعلا واسعا، وبالفعل تواصلت مع بعض الفتيات العالقات وحضر بعضهن لمنزلها في تلك الليلة العاصفة.

استجابة إنسانية

أحمد عجمي، كغيره من عشرات الشباب المصريين الموجودين في إسطنبول، تحرك بعاطفة كبيرة لإغاثة العالقين بالطرق، واستجابة للمبادرات التي نادت بفتح منازلهم واستضافة أبناء وطنهم.

يقول عجمي في حديثه للجزيرة نت، "فكرت بشكل جدي في الأمر، حيث أسكن في شقة وبها غرفة فارغة ومجهزة يمكن أن تستوعب شخصين أو 3 أشخاص، فما المانع من استضافة أشقائي العالقين في هذه الأجواء السيئة ولم يتمكنوا من العودة لمنازلهم".

وحول شعوره بأهمية الأمر قال "في البداية لم يكن الأمر يتعدى كتابة منشور على الفيسبوك، ولكن عند التفكير من منظور آخر وهو إيواء أخ لك في غربة وفي ظرف سيئ، شعور مختلف جدا وإيجابي ويعطي طاقة ويجدد الروح، وأننا سند وعون لبعضنا البعض، وليس لأننا بين أبناء وطن واحد وحسب، ولكن كمسلمين مأمورين بذلك".

وأكد على استجابة أحد الشباب لمبادرته وكان عالقا بالطريق بالقرب منه لأكثر من 5 ساعات، حيث جاء إلى منزله وقضى معه ليلة أمس.

 

 

ويبلغ عدد المصريين في تركيا نحو 34 ألفا، وفق الإعلان الرسمي لإدارة الهجرة التركية في يناير/كانون الثاني الجاري، يتمركز معظمهم في مدينة إسطنبول.

وفي محاولة منه لإدارة الأزمة الناتجة عن العاصفة الثلجية التي ضربت المدينة، أصدر والي إسطنبول "علي يرلي كايا" قرارا بتعطيل العمل بجميع المؤسسات الحكومية والتعليمية أمس الثلاثاء 25 يناير/كانون الثاني لحين تعامل البلدية مع الأزمة وفتح الطرق المغلقة بالثلوج.

كما أعلن والي إسطنبول عن فتح 71 جامعا في عموم المدينة لإيواء العالقين وناشد جميع العالقين بالتوجه لأقرب جامع كبير.

المصدر : الجزيرة