دعاة أزهريون وصوفيون ومستقلون.. من يملأ فراغ الإسلاميين في مصر؟

كان من تداعيات انقلاب 2013 انزواء جماعات الإسلام السياسي عن المشهد في مصر (مواقع التواصل)
كان من تداعيات انقلاب 2013 انزواء جماعات الإسلام السياسي عن المشهد في مصر (مواقع التواصل)

بعد ذروة صعود عايشتها جماعات الإسلام السياسي في مصر، عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011، التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك بعد 30 عاما في السلطة، انزوى أغلبها عن المشهد؛ لأسباب ارتبطت في مجملها بتداعيات انقلاب يوليو/تموز 2013 حين تمت الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي.

ويعتبر البعض ذلك التاريخ إيذانا بأفول نجم التنظيمات الإسلامية في مصر، وذلك بفعل الإجراءات السياسية والأمنية والعسكرية، التي اتخذها النظام الجديد بهدف إبعادهم سياسيا، ومعها حملات أمنية وإعلامية وثقافية، حيث باتت رموزهم وقياداتهم إما في السجون أو المنافي، بينما اختار الناجون أن يلوذوا بالصمت لتجنب مصير مشابه.

وتشكّل في أعقاب ذلك مشهد ديني جديد، تصدره عدد من الدعاة ورجال الدين، الذين قدموا من خارج إطار التنظيمات الإسلامية التقليدية، وينحدرون في مجملهم من المؤسسة الدينية الرسمية، الأزهر الشريف، وبعض من الصوفية الطرُقية.

وهو ما أثار تساؤلات حول مدى نجاح هؤلاء في ملء الفراغ الناجم عن تغيب تلك القوى بعد عقود من الحضور والوجود النشط في المساجد، وفي فضاءات الدعوة بشكل عام.

فراغ ممتد

على الرغم من وجود حزب النور السلفي بعيدا عن هذا السياج، الذي ضُرب على الحركات الإسلامية، غير أنه عايش هو الآخر تراجعا ملحوظا رغم موالاته للسلطة الجديدة، وذلك لعدم قدرته على الوقوف بمفرده أمام التحولات، التي شهدتها البلاد وانعكاساتها عليه، وهو ما عززه الموقف الإقليمي والدولي المناهض لحركات الإسلام السياسي والتيارات السلفية، وذلك وفق وصف عبده إبراهيم الباحث في العلوم السياسية، للجزيرة نت.

هذا الفراغ الذي لم يستطع حزب النور الاستفادة منه، تمدد فيه عدد من الدعاة والوعاظ المنحدرين من المؤسسات الدينية الرسمية أو من خارجها، مع مراعاتهم لمحظورات المرحلة وحساسيتها الأمنية، إما توظيفا لها أو خوفا من تبعاتها.

كما أدت مؤسسة الأزهر وعلى رأسها شيخها أحمد الطيب دورا رئيسا في رسم ملامح خارطة المشهد الديني الجديد، إضافة إلى عدد من الوجوه الدعوية والوعظية الجديدة سواء أكان أولئك الذين يرتدون عباءة الأزهر أو المنتسبين إلى الصوفية الطرقية.

محمد حسان
الداعية السلفي محمد حسان انزوى عن المشهد رغم أن حزب النور السلفي كان مؤيدا لانقلاب 2013 (مواقع التواصل)

ما الذي تغيّر في 10 سنوات؟

في هذا الصدد يقول الأكاديمي المصري، خيري عمر، إن الحركات الإسلامية كانت قبل عام 2013 على نوعين نقيضين، فحركة الإخوان المسلمين على سبيل المثال لم تستطع توفير شخصية عامة في تلك المرحلة، وكان كل من يعرف من مشايخها أو الجهات الدعوية العاملة فيها محدودي الانتشار ومقتصرين على تغطية المجالات الخاصة بالجماعة.

وفي حديثه للجزيرة نت، يتابع عمر أنه على النقيض كانت الحركات السلفية وغيرها واسعة الانتشار في المساجد، وكان هناك عدد من الشيوخ أو بعض المشايخ الذين يظهرون في القنوات الفضائية بشكل كبير، ويحظون بمتابعة كبيرة، ما جمع حولهم قطاعا كبيرا من الأتباع؛ لكنهم في مجملهم كانوا يدورون في إطار السياسة العامة للدولة وتوجهاتها.

ويرى الأكاديمي المصري أن التوجهات السياسية ما بعد 2013 كانت تميل إلى إمكانية طرح أسئلة أخرى تتعلق بمستقبل المجال العام بالنسبة للإسلاميين، وبالتالي فإن الفراغ الذي نتج بعد 2013 لم يكن كبيرا أو مختلفا في تكوينه عما كان قبلها، مع خلاف جوهري يتمثل في أنه غير مسموح للإخوان بالعمل والوجود مع إجراء تحولات في الخطاب السلفي وإعادة إبراز شخصيات أخرى.

تأسيس مشهد ديني جديد

كان من الطبيعي أن تتقاطع رغبة بعض الدعاة والوعاظ وأقرانهم في الإسراع نحو شغر تلك المساحة الناجمة عن غياب الإسلاميين، مع توجهات السلطة الجديدة التي باتت تميل بعد 2013 إلى أن تكون هناك شخصيات مستقلة أو مختلفة، تعيد تأطير الفكر الديني أو القناعات الفقهية الخاصة بالدولة، وفق وصف خيري عمر.

لذا كان من الطبيعي أن ينتج عن ذلك ظهور دعاة إسلاميين محسوبين على المؤسسة الدينية الأزهرية، وآخرين ينحدرون من الصوفية الطرقية، بيد أن اللافت الذي عكسته هذه الخطوات المتوثبة، يتمثل في أمرين مهمين.

أولهما: أنهم عكسوا حيوية البعد المجتمعي الديني لدى شرائح طبقية مختلفة ومتنوعة في الشارع المصري، وحين غابت عنه فواعل إسلامية تنظيمية قديمة سارع الشارع بإنتاج الجديد والالتفاف حوله، ما برهن على أن الدين ما يزال تأثيره قائما حتى اللحظة، وإن غابت قوى تحل أخرى محلها بفعل الرغبة المجتمعية.

وثانيهما: أن الدعاة الجدد المنحدرين من مدارس شتى نجحوا في أن ينتشروا بشكل كبير من خلال توظيفهم للسياقات السياسية، بدون الاصطدام بها، وذلك من خلال القفز على الشكل التقليدي القديم المتمثل في الاستحواذ على المساجد والزوايا وما شابه، حيث كانت وسائل الإعلام بتنويعاتها المختلفة هي ورقتهم الرابحة في هذا المجال.

ويفسر عرابي عبد الحي، الباحث في الجماعات الإسلامية، الحاجة إلى هذا التأسيس ما بعد 2013 بمواجهة التحولات السياسية وتبعاتها على الحالة الدينية المجتمعية، وصعود موجات المدّ الإلحادي واللاأدري لا سيما في الشرائح الشبابية، إلى جانب بروز ظاهرة النفور من الدين وطقوسه.

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف عرابي أن ذلك استدعى إعادة قراءة المشهد الديني، ومن ثم إعادة فرز نخب جديدة ورؤى مغايرة تعيد الدين مرة أخرى إلى الواجهة، ولكن بعيدا عن الرؤى التنظيمية القديمة للإسلاميين ومتحررة عنهم، وهو ما شجع هؤلاء الدعاة والوعاظ وحفزهم للخروج وتصدر المشهد الديني.

 

هل تم ملء الفراغ؟

يمكن رصد عدد من الأسماء، التي أثارت حضورا لافتا في السنوات الأخيرة، ابتداء من الشيخ الأزهري عبدالله رشدي (إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية)، الذي يخوض معارك عدة وسجالات كبرى مع القوى العلمانية والليبرالية المختلفة سواء من خلال البرامج المتلفزة أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، والدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة، وكل من الشيخين خالد الجندي وسالم عبدالجليل (وكيل وزارة الأوقاف السابق) وبرامجهما المتلفزة والشيخ جابر بغدادي (الداعية الصوفي) وغيرهم كثير.

ويقول خيري عمر إن محاولات الأزهر في هذا الشأن يمكن أن تطرح كأحد الفواعل الرئيسة في تغطية المجال الثقافي والاحتياجات الثقافية للجماهير، بمعنى أن مجال النزاع السياسي كان يتعلق فقط بالحركة الإسلامية، وأن خروجها من المجال الثقافي العام كان متقاربا فيما قبل 2013 وما بعدها.

وأضاف أن هذه المجموعات الجديدة يمكنها أن تملأ جزءا مهما من الفراغ الثقافي والفكري والروحي، شريطة أن تكون مستقلة، وألا تسعى في الدخول إلى نزاعات سياسية أو غيرها.

ويلتقط الباحث في العلوم السياسية، عبده إبراهيم، الخيط نفسه، ليؤكد للجزيرة نت أن السياق الجديد، الذي فرضته الأوضاع السياسية بعد 2013، أتاح الفرصة للاتجاهات الإسلامية البعيدة عن السياسة مثل الصوفية للحضور والظهور، ومن ثم ملء الفراغ، وتوقع عبده أن تمتد هذه الفترة لسنوات أخرى.

فيما رفضت الباحثة والكاتبة الصحفية صالحة علام هذه الرؤية، واعتبرت أن محاولة ملء الفراغ يصعب الحكم بنجاحها، فهي أشبه بمحاولة الاحتماء بالدين عبر اللجوء إلى هذه الشخصيات، الذين باتوا يتمتعون بشهرة كبيرة، وربما يكون الملء في أوساط الشباب وصغار السن فقط.

وفي حديثها للجزيرة تؤكد علام أن لدى الناضجين وكبار السن رأيا مغايرا، ما يجعل مسألة نجاحهم في ملء الفراغ أمرا فيه نظر؛ لأن المسألة خاضعة للفكر والإستراتيجية وليست للانتماء للشيخ أو الطريقة، وفق وصفها.

المصدر : الجزيرة