زيارة أوباما.. والبشائر المنتظرة

زيارة أوباما والبشائر المنتظرة! الكاتب: نادية سعد الدين

undefined

تضيق توقعات الفلسطينيين من نواتج الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي باراك أوباما للأراضي المحتلة، في إطار جولته في المنطقة الشهر القادم، خلافاً للكيان الإسرائيلي الذي يجد فيها مناسبة لتجديد عهد التحالف الإستراتيجي الثنائي، بعد توتر علائقي أخير، والالتزام بأمنه، وبحث ملفات تشكل مصدر قلق بالنسبة إليه.

ويدخل في الحساب الفلسطيني لتقدير زيارة أوباما، وهي الأولى بعد إعادة انتخابه لدورة رئاسية ثانية، معطيات حصيلة السنوات الرئاسية الفائتة بالنسبة للعملية السلمية، وما ترشح عنها، حتى الآن، من معلومات، رغم تضاربها، والأهداف الكامنة وراءها في ضوء المتغيرات الجارية بالمنطقة، بالإضافة إلى الموقف الإسرائيلي من ما قد تحمله لاستئناف المفاوضات.

لم تكن الولاية الرئاسية الأولى لأوباما مرضية فلسطينياً، بل مخيبة للآمال، إزاء جمود مسار العملية السلمية وفشل الإدارة الأميركية في الضغط على الاحتلال لوقف الاستيطان

إذ لم تكن الولاية الرئاسية الأولى لأوباما مرضية فلسطينياً، بل مخيبة للآمال، إزاء جمود مسار العملية السلمية وفشل الإدارة الأميركية في الضغط على الاحتلال لوقف الاستيطان، مقابل الضغط على القيادة الفلسطينية للعودة إلى طاولة التفاوض بدون شروط مسبقة، والتصدي للطلب الفلسطيني بالعضوية الكاملة في الأمم المتحدة، في سبتمبر/أيلول 2011، عبر التهديد باستخدام "الفيتو" في مجلس الأمن، ومعارضة نظيره المقدم إلى الجمعية العامة لنيل صفة "دولة مراقب" غير عضو في المنظمة الدولية، رغم تحققه في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقطع المساعدات المالية عن السلطة، والضغط على دول عربية للقيام بخطوة مماثلة كنوع من العقاب على المسعى الأممي، وعرقلة الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه ضد الشعب الفلسطيني.

ويستقيم هذا الحال مع جبّ أوباما لمضامين خطبه، في القاهرة (2009) وأمام الجمعية العامة (2010)، التي أكدت "دعم الحق الفلسطيني في الدولة" وظلت حبراً على ورق، مقابل الانحياز المفتوح للاحتلال في فلسطين، وتبني عبارة "الدولة اليهودية"، كما في خطابه أمام دورة الجمعية العامة 2012، وتأكيد الالتزام بالأمن الإسرائيلي، الذي تجسد أثناء العدوان الأخير ضد قطاع غزة، وفي خطاب حالة الاتحاد (12/2/2013) حينما تعهد "بالوقوف إلى جانب الاحتلال في مسعاه للأمن وتحقيق سلام دائم" بدون الإشارة إلى الفلسطينيين أو حل الدولتين، وتأمين مظلة سياسية لحمايته من أي مساءلة تبقيه خارج الشرعية والقوانين الدولية مهما ارتكب من مجازر وانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني تصل حدّ جرائم الحرب، فضلاً عن "الفيتو" المستمر ضد المصالحة الفلسطينية ما لم تحقق مسعى المفاوضات، بما من شأنه أن يخفضّ سقف التوقعات الفلسطينية والعربية من تلك الزيارة، ومن نواتجها في المرحلة المقبلة.

وبرغم السنوات الأربع الجوفاء من أي تحرك جديّ للسلام، إلا أن الإدارة الأميركية حرصت على الإمساك بتلابيب ملف العملية السلمية، وتحييد دور الأمم المتحدة، عبر منع التوجه الفلسطيني نحو تدويل القضية، وغضّ الطرف عن انتهاكات الاحتلال في الأراضي المحتلة، من دون طرح رؤية لإنهاء الصراع أو امتلاك الإرادة لفرض حل متوازن، وإنما كان أقصى ما فعلته القيام بجولات وتحركات توحي باستمرار الاهتمام بهذا الملف، رغم انشغالها بالقضايا الداخلية والخارجية، وبأن العملية السلمية لم تمت، رغم مضي 22 عاماً على مؤتمر مدريد و20 عاماً على أوسلو دون تحقيق أي شيء ملموس.

ولا تشي المؤشرات الراهنة عن انفصام مع النهج السابق، إذ لا يبدو أن الإدارة الأميركية تملك، قريباً على الأقل، خطة واضحة لحل الصراع، وإنما إدارته فقط.

ومن ذلك؛ حرصت الإدارة الأميركية على تقليل حجم التوقعات من زيارة أوباما، عبر تصريحات صدرت مؤخراً بهذا الخصوص، حيث قال مستشار الأمن القومي للاتصالات الإستراتيجية بن رودوس أن "أوباما لا يسعى من خلال زيارته حل مسائل سياسية معينة (..) ولن يملي أوامر على نتنياهو في الملف الإيراني أو حيال مسألتي الاستيطان والمفاوضات، وإنما يريد التحدث مباشرة مع الإسرائيليين، وتأكيد الدعم الأمني المستمر لهم، بما في ذلك المساعدة الخاصة لتمويل القبة الحديدية الدفاعية" (الجزيرة نت 17/2/2013)، في حين تجنب المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي تومي فيتور ذكر الملف الفلسطيني عند الإعلان عن الزيارة، بينما أشار السفير الأميركي في الكيان المحتل دان شابيرو إلى أن موضوع "استئناف المفاوضات يحتل المرتبة الثالثة في جدول أعمال الزيارة بعد ملفي إيران وسوريا" (الإذاعة الإسرائيلية 12/2/2013).

وتشير المعلومات المرشحة، حتى الآن، عن زيارة الرئيس الأميركي، إلى استهدافها، في الأساس، بث رسالة طمأنة حول دعم واشنطن المستمر للاحتلال، من خلال ترميم العلاقة بين أوباما ونتنياهو، والبحث في ما يعتقده الكيان الإسرائيلي أنه يشكل خطراً على أمنه القومي (هآرتس 13/2/2013)، بتناول الملف النووي الإيراني لجسر الخلاف بين المسعى الأميركي للحل الدبلوماسي التفاوضي، والدفع الإسرائيلي تجاه الحسم العسكري العاجل، وبحث الأحداث الدائرة في سوريا ومرحلة ما بعد الرئيس بشار الأسد (إسرائيل اليوم 7/2/2013)، والتطرق لتعاظم قوة التيار الإسلامي، بالإضافة إلى بحث سبل استئناف المفاوضات.

ويسعى الاحتلال للخروج من الزيارة بسياسة إستراتيجية أميركية إسرائيلية تجاه تلك القضايا، تحقق له أهداف القوة العسكرية ومنع إيران من بلوغ القدرة الذرية، والتعاون مع تركيا والحفاظ على معاهدة السلام مع مصر والتطبيع مع أكثر الدول العربية والإسلامية، لإخراجه من عزلته الدولية، والانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (هآرتس 13/2/2013)، بما يسمح، عبر تحالف عربي وأوروبي، بإغلاق ملفات إيران وسوريا والعملية السلمية المفتوحة، والانصراف الأميركي نحو الشرق الأقصى، وفق الكاتب الإسرائيلي إليكس فيشمان، الذي يعتقد بتقاطع الأهداف الثنائية، في ظل محاولة الولايات المتحدة الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية التي تهتز على وقع المتغيرات الجارية بالمنطقة والتي فتحت الباب أمام إعادة صياغة العلاقات الإقليمية والدولية ومحاولة إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يخدم المصالح الغربية (يديعوت أحرونوت 12/2/2013).

يغلب التمني والآمال العريضة من زيارة أوباما لدى البعض، عبر سوق المبررات بموقف أميركي يحدث تغييراً في مسيرة عملية السلام المجمدة، حيث يكون أوباما في ولايته الثانية أكثر تحرراً من الضغط اللوبي الصهيوني

وإزاء ذلك؛ لا يغيب عن إدراك القيادة الفلسطينية محاذير الضغط الأميركي عليها للعودة إلى طاولة التفاوض بدون شروط مسبقة، مقابل خطوات إسرائيلية لبناء الثقة، مثل الإفراج عن دفعة من الأسرى، والانسحاب من بعض المناطق وتسليمها للسلطة وتجميد مؤقت للاستيطان، أو طرح حلول جزئية لدولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة على المساحة الخارجة من يد الاحتلال بدون القدس، باعتباره الحل المقبول عند نتنياهو، ولكنه المرفوض فلسطينياً.

وينسحب المحذور على إمكانية الخروج "بصيغة" ما لإبقاء العملية السلمية مستمرة والقطع على أي خيارات أخرى، في ظل بيئة خصبة لاندلاع انتفاضة ثالثة في الأراضي المحتلة، ولكن هذه الصيغة قد تتجاوز المطالب الفلسطينية لاستئناف المفاوضات بوقف الاستيطان والإفراج عن الأسرى ومرجعية واضحة لعملية السلام وسقف زمني محدد، بوصفها مقياس نجاح زيارة أوباما، مقابل الخطوات الإسرائيلية لبناء الثقة من أجل تسهيل استئناف التفاوض، بما لا يلبي جوهر المطالب الفلسطينية، ولا يضمن التزام الاحتلال بها، قياساً بتجارب سابقة.

غير أن الإشكالية تكمن هنا عند غلبة التمني والآمال العريضة من الزيارة، لدى البعض، عبر سوق المبررات بموقف أميركي يحدث تغييراً في مسيرة عملية السلام المجمدة، حيث يكون أوباما في ولايته الثانية أكثر تحرراً من الضغط اللوبي الصهيوني وأكثر جرأة على إجبار الاحتلال لوقف الاستيطان وبدء مفاوضات بجدول زمني محدد يفضي إلى تسوية، من خلال طرح مبادرة جديدة لاستئناف المفاوضات أو على الأقل تصور واضح لتحريك عملية السلام، يتساوق مع التحرك الأوروبي، باعتبارها مصلحة أميركية تقف وراء الزيارة الرئاسية.

ويدللون على ذلك بجملة مؤشرات سبقت الزيارة، تتمثل في اتصال وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع كل من نتنياهو والرئيس محمود عباس لبحث آفاق استئناف المفاوضات، وتوقع داني أيالون نائب وزير الخارجية الإسرائيلي عقد أوباما خلال زيارته قمة ثلاثية مع كل من عباس ونتياهو وربما رباعية مع الملك عبد الله الثاني، وإيفاد رئيس الوزراء الإسرائيلي مبعوثه الخاص يتسحاق مولخو إلى واشنطن، وبحث الإفراج الأميركي عن المساعدات المالية للسلطة.

وتشي الإشكالية عن التعويل المستمر للقيادة الفلسطينية على مسار التفاوض، باعتباره خياراً إستراتيجياً أوحد يتقدم على سواه من البدائل الأخرى، بما تبين مؤخراً في حوار المصالحة، يومي 8 و9 من الشهر الجاري بالقاهرة، عند تأجيل تشكيل الحكومة وتحديد موعد لإجراء الانتخابات إلى نهاية شهر مارس/آذار المقبل، والذي اعتبرته حماس تجميداً لملفات إنهاء الانقسام إلى حين معرفة نتائج زيارة أوباما، بما يجعل المصالحة رهينة الخارج وليس شأناً داخلياً، وأيضاً، لدى تعليق الخطوات اللاحقة للمسعى الأممي.

غير أن هذا التعويل لا يأخذ بالعنصر الإسرائيلي، في ظل نتائج انتخابات البرلمان الإسرائيلي "الكنيست"، التي جرت في 22 يناير/كانون الثاني الماضي، وأفرزت توليفة يمينية متطرفة ستجد حضورها في المشهد السياسي، وتالياً في أركان حكومة قادمة أكثر غلواً وتشدداً وتمدداً استيطانياً، بما يشي بتقويض "حل الدولتين"، الذي حذر الوزير الأميركي كيري من نفاد فرصه، وانحسار المساحة المخصصة لإقامة الدولة الفلسطينية ضمنها، بعدما تمكن الاحتلال من قضمّ زهاء 80% من مساحة الضفة الغربية، مبقياً أقل من 20% فقط للفلسطينيين، تعادل 12% من فلسطين التاريخية، فيما تمتد "البقعة" الخارجة عن يدّه ضمن ثمانية "كانتونات" غير متصلة جغرافياً، لتشكل، مع مساحة قطاع غزة، قوام الكيان الفلسطيني المستقبلي، وفق الرؤية الإسرائيلية، الذي لا يخرج بالنسبة إليها عن إطار حكم ذاتي معني بالشؤون المدنية للسكان، باستثناء السيادة والأمن الموكولين إليه.

وإذا كان نتنياهو قد استبق زيارة الرئيس الأميركي بتكرار ما جاء في مضمون خطاب بار إيلان، عام 2009، بقبول "حل الدولتين"، إلا أنه أطره بدولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف "بيهودية دولة إسرائيل" وبإجراء المفاوضات بدون شروط مسبقة (معاريف 11/2/2013).

يدرك، الجانب الإسرائيلي أن زيارة أوباما لن تغير من الواقع شيئاً، مهما كانت نواتجها، حيث لن تلزمه بما يعاكس ما تجسده يدّ الاحتلال يومياً من متغيرات استيطانية في الأراضي الفلسطينية

ولا ينمّ القبول الإسرائيلي بحل الدولتين عن إدراك متأخر، ولو كان مجزوءا، بحق الشعب الفلسطيني في الدولة، ولكنه أراد تهدئة الولايات المتحدة وتمرير الزيارة بدون مواجهة جديدة، على قاعدة كسب الوقت و"تقديم الوعود شيئاً لا ضرر منه"، حيث "سيبقى موجهاً بقناعته الشخصية التي لا تعتقد أن "إسرائيل" دولة محتلة، بل إن الضفة الغربية جزء لا يتجزأ من أرض أجداد الشعب اليهودي"، وفق الكاتب الإسرائيلي ألوف بن مئير (معاريف 16/2/2013).

يدرك الجانب الإسرائيلي قدرته على الإفلات من ضغط اللحظة التي قد تشكلها زيارة الرئيس الأميركي، والتي قد تقدم نوعاً من الدعم لنتنياهو وحكومته المقبلة، في ظل المفاوضات الائتلافية الجارية رغم المصاعب البادية بشأنها، وغداة الغارة الإسرائيلية على أهداف في سوريا، والتهديد بضرب أهداف أخرى في سوريا ولبنان.

ويدرك، أيضاً، أن الزيارة لن تغير من الواقع شيئاً، مهما كانت نواتجها، حيث لن تلزمه بما يعاكس ما تجسده يدّ الاحتلال يومياً من متغيرات استيطانية في الأراضي الفلسطينية، وإنما ستكون محاولة أخرى لإدارة الصراع وليس حله.

وأمام ذلك، لا يمكن مواجهة مخططات الاحتلال المتواصلة لتغيير الوقائع على الأرض، استيطاناً وتهويداً، وتحويل المفاوضات إلى مسار عقيم لا مخرج من دائرته المغلقة، إلا بالوحدة الفلسطينية على إستراتيجية وطنية جامعة تأخذ بشتى أشكال المقاومة، وفي مقدمتها الكفاح المسلح، بعيداً عن مشهد لقاءات الفصائل اللامتناهية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.