نيجيريا.. لماذا تحولت المدارس الداخلية إلى ساحة صيد للخاطفين؟

منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، تكررت عمليات الخطف الجماعي للفتيات والفتيان في المدارس الداخلية (شمال غربي نيجيريا)، وذلك بوتيرة عملية خطف واحدة على الأقل كل 3 أسابيع.

طالبات في مدرسة في الجزء الشمالي من نيجيريا كادونا في 30 يوليو 2013
طالبات في إحدى المناطق شمالي نيجيريا (وكالات)

تزايدت عمليات الخطف للحصول على الفدية بنيجيريا في الفترة الماضية، إذ تعدى الموضوع خطف الأثرياء، وانتقل إلى فئات جديدة من ضمنها القرويون الفقراء وتلاميذ المدارس.

ففي 2014 خطفت جماعة بوكوحرام ما يقرب من 300 تلميذة نيجيرية من مدرستهن، وتظاهر المئات في عاصمة البلاد منددين بالحادثة، وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وسم (هاشتاغ) "أعيدوا لنا بناتنا"، وشاركت فيه ميشيل أوباما، زوجة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وسارع الرئيس النيجيري محمد بخاري للرد على الاختطاف الجماعي في قرية شيبوك.

ومنذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، تكررت عمليات الخطف الجماعي للفتيات والفتيان في المدارس الداخلية (شمال غربي نيجيريا)، وذلك بوتيرة عملية خطف واحدة على الأقل كل 3 أسابيع، في حين اختطفت أكثر من 300 فتاة من مدرستهن في ولاية زامفارا الشهر الماضي، وأعلن والي الولاية في الأسبوع نفسه، الذي وقع فيه الخطف، انفراج القصة وإطلاق سراحهن.

كما اختطف أكثر من 40 طفلا وبالغا من مدرسة داخلية في ولاية النيجر الشهر الماضي، وتم إطلاق سراحهم بعد 4 أيام من الحادثة.

حرفة متنامية

وفي ظل الأزمة التي يعيشها الاقتصاد النيجيري، أصبح الاختطاف حرفة متنامية، وفقا لما ذكره محللون أمنيون، إضافة إلى تقرير حديث عن الجانب الاقتصادي وراء عمليات الاختطاف، إذ إن الضحايا ليسوا فقط من الأغنياء أو المشهورين؛ بل من الفقراء أيضا وبشكل متزايد، خصوصا أطفال المدارس الذين يتجمعون بأعداد كبيرة في المدارس الداخلية.

وعادة ما يكون الجناة من عصابات قطاع الطرق، الذين يستغلون ضعف فاعلية جهاز الشرطة، إضافة إلى سهولة توفر الأسلحة في البلاد.

عناصر من الأمن النيجيري خلال عملية عسكرية، قبيل الانتخابات، في مدينة بنين ، إيدو ، نيجيريا ، 17 سبتمبر 2020
أفراد من القوات الأمنية النيجيرية خلال عملية في إحدى المدن (وكالات)

وقد تعرض المسؤولون في مناطق الشمال النيجيري لانتقادات شديدة؛ لعدم قدرتهم على حماية مواطنيهم، ويتهم كثيرون الحكومة بأنها تستغل أحيانا حوادث الاختطاف للدعاية، خصوصا عندما يتم تحرير الرهائن، في الوقت الذي اتُهم فيه مسؤولون حكوميون فاسدون بسرقة أجزاء من أموال الفدية، وفقا لمحللين وتقارير إعلامية نيجيرية، اطلعت الجزيرة نت عليها.

ويرى الباحث والخبير في الشأن الأفريقي، إبراهيم دين، أن عمليات الاختطاف تتغذى بشكل كبير على حقيقة أن أموال الفدية تكون كبيرة جدا، مشيرا إلى أن الخاطفين يتفاوضون مباشرة مع حكام الولايات، الذين لديهم إمكانية الوصول لأموال أكثر من الحكومة الفدرالية.

وأضاف دين في حديثه للجزيرة نت، أنه علاوة على ذلك، لا تتم معاقبة الخاطفين بشكل عام، وهو ما يساهم في تأجيج عمليات الاختطاف.

قصص متكررة

تقع أغلب المدارس المنتشرة في شمال غربي نيجيريا، خارج المدن والبلدات، حيث لا يوجد حضور أمني في كثير من الأحيان.

ويحكي أبو بكر منصور، والد أحد الأطفال الذين اختطفوا، أنه في وقت متأخر من ليلة الجمعة في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، سمع صوت أعيرة نارية في مدرسة العلوم الحكومية الثانوية بكانكارا، ثم هرب على إثرها الأولاد من مهاجعهم، وتسلق بعضهم سور المدرسة واستطاعوا الفرار؛ لكن الخاطفين خدعوا بقية الطلبة للبقاء بزعم أنهم رجال شرطة.

ويضيف أبوبكر، وهو موظف حكومي، أن ابنه جاربا (13 عاما) احتجز رهينة، وأنه لن ينسى أبدا يوم الاختطاف، وقال إن "حياته كادت كلها أن تنهار".

ووفق والد الطفل المختطف، فإن ما زاد من صعوبة الموقف تضارب التقارير حول ما حدث للطلاب، إذ قال زعيم جماعة بوكوحرام في رسالة مصورة إن جماعته كانت وراء الهجوم، وهو ادعاء تبين فيما بعد عدم صحته، ثم أطلق سراح الطلاب لاحقا، وخرجوا أمام كاميرات التلفزيون، وطلب منهم الرئيس النيجيري محمد بخاري بأن يضعوا الحادثة وراءهم، وأن يركزوا على دراستهم.

ويقول أبو بكر منصور إن مسألة الأمن في نيجيريا "لا تبدو على ما يرام في الوقت الحالي"، واصفا بأن الوضع الأمني في تدهور سريع.

وكانت والدة المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية النيجيرية، نغوزي إيويالا، قد اختطفت عام 2012، وطالبها الخاطفون بالاستقالة من منصبها عبر التلفزيون؛ لكن عندما رفضت وافقوا على فدية قدرها 60 ألف دولار.

وتكرر الأمر مع رئيس نيجيريا السابق، غودلاك جوناثان، والذي اختُطف عمه في 2016 ثم أطلق سراحه لاحقا.

وكان الرئيس النيجيري قد ألقى باللوم في عمليات الاختطاف على حكومات الولايات والحكومات المحلية، وقال في تغريدة له على تويتر إنه يجب على هؤلاء المسؤولين تحسين الأمن حول المدارس، مشيرا إلى أن سياستهم المتمثلة في "مكافأة قطاع الطرق بالمال والمركبات يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة".

عمليات عشوائية

ويذكر تقرير صادر عن شركة "سي بي إم" (SBM) للذكاء الإستراتيجي بشأن ما أسماه "اقتصاديات عمليات الاختطاف" في نيجيريا، أن هذه العمليات أصبحت عشوائية بشكل أكبر، وأضاف التقرير أنه تم دفع ما لا يقل عن 18 مليون دولار للخاطفين من يونيو/حزيران 2011 إلى مارس/آذار 2020.

ووفق التقرير نفسه، فإن عمليات الاختطاف التي تحصل على نطاق واسع، وخاصة للأطفال العزل، تجعل قيمة الفدية عالية بسبب الضغط الدولي، الذي يحدث من أجل إنقاذهم"، وهو الأمر الذي يكون في صالح الخاطفين.

ولا يعرف عدد الأطفال النيجيريين المحتجزين حاليا لدى الخاطفين؛ إلا أن معظم الأطفال الذين قُبض عليهم في 6 عمليات خطف جماعية حديثة وقعت في المدارس، أطلق سراحهم بعد دفع الفدية، مع استثناء حادثة قرية شيبوك، وتقدر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن 173 طفلا نيجيريا ما زالوا في عداد المفقودين.

المصدر : الجزيرة