شعار قسم ميدان

كأس أمم أفريقيا 2021.. هل حان الوقت لإعادة تعريف الاستحقاق؟

مع إسدال الستار على كأس أمم أفريقيا 2021، اتضح مجددا أن البطولات المجمعة للمنتخبات الوطنية تملك سحرها الخاص في حشد المشاعر وتأجيجها. إذا كنت واحدا من الجماهير المصرية، فإنك لا تحتاج إلى شرح ما سبق، فقد بدأت البطولة بلا مبالاة مُبرَّرة، ومع تقدُّم الفراعنة، تحوَّلت اللا مبالاة إلى حماس -يُذكِّرك بالأيام الخوالي- انتهى بحزن ممزوج بالفخر بعد خسارة المباراة النهائية.

لكن لأننا نعيش في عالم غير مثالي، فإن المشاعر نفسها التي تُعبِّر عن جمال وتأثير كرة القدم هي نفسها التي تجعلنا أمام عدد لا نهائي من الآراء والتعليقات التي قد تدفعك إلى الجنون، ولعل أكثرها جنونا هو ما يتعلَّق بالاستحقاق.

تحوَّل الأمر إلى مبارزة بين الجماهير لمحاولة منح الاستحقاق لأحد الفريقين على حساب الآخر. يقول أحدهم إن "فريقي قام بما عليه"، دون أن يتساءل لوهلة: ألم يقم المنافس بما عليه؟ يمكن للبعض أيضا أن ينسب بعضا من الاستحقاق إلى "سر الدعاء والسجدة"، دون أن يسأل نفسه -على سبيل المثال- ماذا لو كنا نلعب في البطولة العربية، أو كان خصومنا يدعون ويسجدون أيضا؟

مع تأجُّج المشاعر، يصبح الوقوع في هذه الدائرة المُفرَغة من الأسئلة والردود أمرا حتميا، لن تنجو منه إلا إن فتحت الباب على مصراعيه لمناقشة واسعة تتضمَّن المزيد من المعطيات والعوامل، وهذا هو ما سنفعله الآن؛ سنراجع معا كأس أمم أفريقيا 2021، وسعداء الحظ الذين سنُناقش منحهم "صكوك الاستحقاق" هم طرفا النهائي، وكارلوس كيروش، مدرب منتخب مصر، وأخيرا، الكاميرون، البلد المستضيف.

"استحقاق" مصر والسنغال

دعنا نبدأ بالمشهد الختامي بين مصر والسنغال، حيث رفعت الأخيرة أول كأس لها في بطولة كأس الأمم. تجاوز رفاق صلاح في الأدوار الإقصائية كوت ديفوار ثم المغرب ثم الكاميرون، بينما تجاوزت السنغال الرأس الأخضر ثم غينيا الاستوائية ثم بوركينا فاسو، وهنا ومع كامل التقدير لتفوُّق أسود التيرانغا في النهائي، لكن مشوار الفراعنة يضمن لهم الاستحقاق.

لكن إذا أمعنا النظر، سنجد أننا وقعنا في فخ الدائرة المُفرَغة التي حذَّرنا منها سابقا، فمصر حصلت على طريق أصعب بعد وقوعها في المركز الثاني بالمجموعة، بينما استفاد رفاق ساديو ماني من احتلال المركز الأول، وترتَّب على ذلك أن تكون مباريات مصر بعد مباريات السنغال، فتحصل الأخيرة على يوم راحة إضافي، إلى آخر تلك النتائج. (1)

المذهل هنا أن طرفَيْ النهائي قد نُزع عنهما الاستحقاق نزعا في دور المجموعات، بعد أداء باهت هنا وهناك. في مصر، تنامى لعلم الجماهير أن "كيروش"، المساعد السابق للسير أليكس فيرجسون، كان حارسا للمرمى وكذلك مساعده الأول في الجهاز، وهو ما يجعل قدراتهما التدريبية محل شك. ثم تطوَّع أحد أعضاء اتحاد كرة القدم المصري بإطلاع الجماهير على الشرط الجزائي لعقد المدرب البرتغالي، ليتأكَّد الجميع أن الرجل يُخطِّط للفشل لأنه يريد ملء جيوبه بالمال. أما في السنغال، فقد وصفت الصفحة الرئيسية لجريدة "Dakar Times" المدرب "أليو سيسي" بالعدو الأول للمنتخب. (2)(3)

مرَّت الأيام، ووصل المدربان إلى المباراة النهائية، لتأكيد أن الاستحقاق لا يُمنح بالانطباع الأول، وبإمكانك التأكُّد من ذلك من الكاتب "مايكل كوكس" في شبكة "ذي أثليتيك" (The Athletic). كتب "كوكس" في أثناء يورو 2020 ليُذكِّرنا بالنمط المتكرِّر مؤخرا، حيث الأداء الهجومي اللافت في دور المجموعات لا يعني امتلاك وصفة النجاح. في الفترة بين عامَيْ 2004-2018 (8 بطولات دولية)، لم يُقنِع البطل أحدا في دور المجموعات -من حيث الأداء- باستثناء إسبانيا (9 نقاط) في يورو 2008، رفقة المدرب الراحل "لويس أراغونيس". (4)

"استحقاق" كيروش

معظم الفِرَق التي تصل إلى النهائي تشق طريقها تدريجيا وبنمط أداء متصاعد، وعندما يتهوَّر أحدها ويُقدِّم أداء جيدا منذ اللحظة الأولى، يساورنا الشك، وكأن الشك مكتوب على الجميع سواء قدَّموا أداء جيدا أو باهتا، ومع هذا الشك نجد أنفسنا قد وقعنا مرة أخرى في الدائرة المُفرَغة، باحثين عن الإقناع ومن ثم الاستحقاق، من أجل الحُكم على أداء الفِرَق والمدربين بالتبعية.

بالنسبة للبرتغالي "كارلوس كيروش"، فقد قدَّم نفسه بوصفه أحد أكثر المدربين إثارة للجدل في بطولة كأس أمم أفريقيا 2021، ليس فقط باعتراضه الحاد على الحَكَم "باكاري جاساما" في نصف النهائي، لكن لأنه حصل على النتائج دون أن يقنع، وفقا لعدد من وجهات النظر، التي ندرك أن بعضها صدر عن مجموعة من مُثيري الترند على شاشات التلفاز. (5)

ولكن إذا تجاوزنا هؤلاء وحاولنا النظر إلى ما قدَّمه منتخب مصر مع "كيروش"، فإن المعطيات تضعنا في موقف مُرتبك. أولا لأننا نحكم على الأداء وفقا لمتطلباتنا وليس قدراتنا، ومن ثم لن نرى من المدرب أي شيء يستحق الإنصاف. فالجميع يريد أن يلعب كرة قدم هجومية مبادرة، لكن هل تسمح قدراتك بذلك؟ والأهم، هل هذا المدرب هو الشخص المناسب لفعلها؟

تتكوَّن مباراة كرة القدم من عدة مراحل لعب، لدينا الضغط العالي والمتوسط، ثم الكتلة المنخفضة (low block) في الدفاع، أما في الهجوم فلدينا البناء ثم التقدُّم، ثم الثلث الأخير، وما بينهما توجد التحوُّلات الهجومية والدفاعية. تتباين الفِرَق من حيث التصرُّف في كل مرحلة لعب، ويتنوَّع المدربون وفقا لعدد المراحل التي يُتقنونها، وبالتبعية قدرتهم على تدريب فِرَقهم على تنفيذها.

عند التعاقد مع مدرب ما، فإن التعاقد يعني موافقة ضمنية على أفكاره، وبالتالي شكل وأسلوب الفريق معه، وهنا تأتي مشكلة "كيروش"، حيث يُنتظر منه اللعب بشكل معين وفقا لتطلُّعات بعض الجماهير، المدفوعة بالمبالغات التي تطول مستويات اللاعبين الموجودين في البطولات المحلية. ومع أي محاولة لشرح إجادة منتخب مصر مع المدرب البرتغالي لبعض مراحل اللعب (الضغط المتوسط والدفاع بكتلة منخفضة على سبيل المثال)، لا يستمع أحد، مُطالبين الرجل بتنفيذ أفكار غيره، وإن لم يفعل، يُوصَم بالعناد.

هذه المعطيات، رغم بداهتها، لا تُطرَح من الأساس، ليترتَّب عليها نزع الاستحقاق عن البرتغالي ونسب النجاح إلى الروح والعزيمة، والفشل لعناد المدرب، لكن في حقيقة الأمر، فإن منتخب مصر أظهر علامات جيدة للتحسُّن على الصعيدين الفردي والجماعي، لكن إن كنت مُصمِّما على انتقاد "كيروش" وجهازه، فدعنا ندلك على الطريق.

ضربات الحظ

وسط تراشق الآراء تحت تأثير أدرينالين المباريات، يضيع الكثير من المنطق، حتى ذلك الذي كان بإمكانه دعم فكرتك. إن كنت تبحث عن الانتقاد ودحض كل ما يقوم به فريق وجهازه الفني، عليك أن تدعم آراءك غير المنطقية ببعض المنطق، ولو على سبيل التغيير، وبالنسبة لمنتخب الفراعنة فقد كانت نقطة قوتهم هي أكثر نقطة متاحة للنقد.

أثار أداء المنتخب المصري في ركلات الجزاء الكثير من الانتباه والاهتمام، حيث سُلِّطت الأضواء على زجاجة "محمد أبو جبل"، المدوَّنة عليها أماكن تسديد لاعبي الخصم، وقد نجح الأمر أمام كوت ديفوار في دور الستة عشر، ثم الكاميرون في نصف النهائي، قبل أن تفقد "التعويذة" فعاليتها في المباراة النهائية.

المشكلة هنا أن منتخب مصر كان يُحضِّر جيدا برصد أماكن تسديد لاعبي الخصم، ثم يختار التسديد ثانيا عند الفوز بقرعة التسديد. بمراجعة مقاطع الفيديو المتاحة، فقد حدث ذلك أمام كوت ديفوار والسنغال. لكن الخبرات السابقة تخبرنا أن ذلك ليس هو الخيار الأفضل دائما. (6)(7)

كتاب "twelve yards" لـ "بين ليتلتون"

بعد نهائي اليوروباليغ لموسم 2020-2021 بين مانشستر يونايتد وفياريال، كتب "بين ليتلتون" مؤلف كتاب "twelve yards"، الكتاب الذي يتحدَّث عن ضربات الجزاء والترجيح، عن ملاحظته فوز مانشستر بقرعة التسديد، لكن الكابتن برونو فيرنانديز اختار التسديد ثانيا، ثم أعاد الكاتب والمُدوِّن الرياضي "ريان أوهانلون" التغريد موضِّحا أن حظوظ الفريق الذي يُسدِّد أولا في الفوز تصل إلى 60%، ثم أعاد "مايكل كوكس" التغريد أيضا واصفا اختيار "برونو" بـ"schoolboy error"، أي خطأ لا يرتكبه إلا تلميذ، مع لوم الجهاز الفني لعدم إبلاغ اللاعب. (8)

خلاصة الأمر أننا أمام ضربات تُسمى بضربات الحظ، وكل جانب يحاول تحييد الحظ ولو بنسبة ضئيلة من أجل الفوز، وهنا يأتي دور "مذاكرة" الخصم ورصد أماكن التسديد، ومراقبة وضعيات جسد اللاعبين، وصولا إلى اختيار التسديد أولا أو ثانيا، حيث يرى البعض أن الأول يملك أفضلية الضغط على الثاني، إذا نجح في التسجيل، أما الثاني فلا يملك تلك الأفضلية، لكن منتخب مصر راهن بوضوح على المتألق "أبو جبل"، دون أخذ سيناريو برونو فيرنانديز في الاعتبار.

كان يمكن لضربات الجزاء أن تكون واحدة من النقاط الجديرة بالنقاش لمحاولة تقييم منتخب مصر أو تحديد بعض نواقص تلك التجربة، لكن هذا لم يحدث، بسبب الانشغال بمحاربة المراهنين على الفشل.

"استحقاق" المستضيف

إذا كان كل ما سبق يتعلَّق بكرة القدم وتفاصيلها، فإن نسخة أمم أفريقيا لعام 2021 حملت لنا مشهدا مؤلما يُمثِّل أسوأ جوانب اللعبة، بل الحياة بأكملها. وقد قرَّرنا اختيار هذا المشهد لنزع الاستحقاق عن البلد المستضيف، الكاميرون، التي نظَّمت واحدة من أسوأ البطولات المجمعة.

أحيانا، ولأننا نعيش في القارة السمراء، نتجاوز عن بعض المشكلات التنظيمية الناجمة عن ضعف المرافق، لكن بالتأكيد ذلك لم يكن مقبولا في ظل جائحة كورونا، لأن المستوى الصحي أمر غير قابل للتجاهل. وبالفعل، ظهرت الإصابات في عدد من المنتخبات، ووصل المشهد إلى ذروته في مباراة الكاميرون وجزر القمر، عندما استعانت الأخيرة بالمدافع "شاكر الهدهور" ليحرس عرينها وتودِّع البطولة بأداء مُشرِّف.

قدَّمت المباراة نفسها مشهدا أكثر ألما عندما توفي 8 أشخاص وأُصيب 38 بجروح إثر حادثة التدافع عند بوابة المدخل الجنوبي لملعب "أوليمبيه" قبل المباراة، ليغلق الملعب مؤقتا قبل أن يُفتَح بعد 10 أيام لاستضافة مواجهة نصف النهائي بين الكاميرون ومصر. (9)

كانت هذه المباراة هي الأولى في ملعب أوليمبيه بعد الكارثة، ومع ذلك لم يكن هناك دقيقة صمت ولا شارات سوداء حول قمصان اللاعبين. شُغِّلت موسيقى مبتهجة طوال الوقت، وتحدَّث مذيعو الملعب عن المباراة القادمة دون توقُّف للتنفس أو التفكير.

لاحظ الصحفي "دانيال ستوري" هذه المشاهد، وأضاف إليها ما كتبه الحساب الرسمي للبطولة على تويتر عندما أخبر متابعيه أن "الملعب يبدو مذهلا قبل مواجهة الليلة!"، مؤكِّدا التصميم الواضح على عدم السماح لأحد بالتفكير في المأساة أو ذكرها بأي شكل.

رجَّح "دانيال" أن ذلك جزء من إستراتيجية الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، حيث هدفهم الأول هو حماية سُمعة كرة القدم في القارة، وهذا يعني غسل أيديهم من المأساة، وعدم ذكرها حتى لا تُوصَم البطولة بها، ليُقدِّموا لنا أحد أكثر المشاهد خِسَّة في تاريخ كرة القدم، مُستغلِّين انشغال الجميع في حربهم على منح صكوك الاستحقاق بين الفائز والخاسر.

دعنا نُذكِّرك مرة أخرى أننا كنا أمام 120 دقيقة على ملعب "الكارثة المنسية"، تفوَّق فيها منتخب السنغال بوضوح على منتخب مصر، الذي خاض مباراة زائدة (6 أشواط إضافية في 3 مباريات إقصائية متتالية) عن منافسه، فضلا عن فارق الجودة الواضح. كلاهما حصل على طريقه السهل أو الصعب بسبب مركزه في دور المجموعات، وبالتالي لا مكان لأي نظرة استعلائية تمنح الاستحقاق لمنتخب بعينه بغض النظر عن الأداء. فتجاهُل المعطيات أمر مفهوم في ذروة المشاعر، لكن بعد تخطي هذه المرحلة والتفكير بهدوء، فإن تعريف الاستحقاق سيظل واضحا دون حاجة إلى إعادة تعريفه.

____________________________________________________

المصادر:

  1. مشوار مصر والسنغال حتى النهائي – The Analyst
  2. تصريحات عضو مجلس اتحاد كرة القدم المصري عن الشرط الجزائي – Filgoal
  3. جريدة سنغالية تهاجم مدرب المنتخب "أليو سيسي"
  4. "من السهل نسيان ذلك، لكن الفائزين بالبطولات الأخيرة نادرا ما يتألقون في مرحلة المجموعات" – مايكل كوكس
  5. جدل كيروش مع الحكم باكاري جاساما في مباراة نصف النهائي – Masrawy
  6. ضربات جزاء مباراة مصر وكوت ديفوار – دور الستة عشر بكأس أمم أفريقيا 2021
  7. ضربات جزاء مباراة مصر والسنغال – نهائي كأس أمم أفريقيا 2021
  8. تغريدة "بين ليتلتون" عن ضربات جزاء نهائي اليوروباليج بين مانشستر يونايتد وفياريال
  9. تفاصيل مأساة ملعب "أوليمبيه" في كأس أمم أفريقيا 2021
  10. مقال "دانيل ستوري" عن ملعب نهائي كأس أمم أفريقيا 2021 – inews
المصدر : الجزيرة