الأديب العراقي علي حسين عبيد: لم أتخلص من "لعنة الحرب" وقصصي محاولة لتوثيق مآسيها

صور الأديب العراقي علي حسن عبيد: الجزيرة/العراق
الأديب العراقي علي حسين عبيد أصدر روايتين ومجموعات عديدة من القصص القصيرة وفازت روايته "جثة بلا وطن" بإحدى جوائز مسابقة توفيق بكار للرواية العربية (الجزيرة)

في كل نصوصه ثمة جنوح نحن الواقعية ومشاغل الإنسان، وتؤرقه موضوعات الموت والحرب، فهو قد خاضها في الثمانينيات وزاد الغزو الأميركي هذا الأرق وأضاف إليه هموما أخرى.

إنه الأديب العراقي علي حسين عبيد الذي فازت روايته "جثة بلا وطن" بإحدى جوائز مسابقة توفيق بكار للرواية العربية بتونس في ديسمبر/كانون الأول 2022.

علي حسين عبيد عضو في اتحاد أدباء العراق والعرب ونقابة الصحفيين وجمعية العلوم السياسية، أصدر روايتين "طقوس التسامي" (2000)، و"جنائن الوهم" (2021)، وأصدر من القصص "كائن الفردوس" (2001)، و"الأقبية السرية" (2009)، و"لغة الأرض" الفائزة بجائزة الطيب صالح لعام 2020، وكذلك "معزوفة ماروخا" (2023)، فضلا عن كتاب نقدي "ثقافة الجدران" 2014، والتقته الجزيرة نت وكان هذا الحوار..

  • ما الذي جاء بك إلى الأدب؟ 

هناك أكثر من شخص وأكثر من سبب أدخلوني في رحاب الكلمة، على مستوى الأشخاص، أولهم أبي "القصخون" (راوي القصص المحترف) الأقرب للروح، فكل من استمع لحكاياته الشفاهية أصابه سحر "القص"، وقد زرع حكاياته الكثيرة والطويلة في مخيلة وذاكرة ابنه، لدرجة أنني بعد 50 سنة وأكثر من بث هذه الحكايات لا زلت أتذكر أدق تفاصيلها، والشخص الثاني هو أخي الأكبر عبد الرزاق حين كتبت بيتا شعريا وأنا في الصف الخامس الابتدائي وعرضته عليه، فقال لي: أنت شاعر ومخلوق للكتابة، ومن حينها رافقت الكلمة كتابة وقراءة وشغفا ورافقتي حتى الآن.

على مستوى الأدب، فإن الذي استدرجني على حين غرة إلى السرد هو عبد الرحمن منيف هذا العملاق الذي لا يضاهى في السرد العربي إلا ما ندر، فحين قرأت في الإعدادية روايته "شرق المتوسط" تماهيت معها إلى درجة شعرت أنني بطلها (رجب)، وعانيت ما عاناه من ملاحقة وعذاب نفسي وجسدي لا يتحمله إلا الكبار، لهذا يمكن أن أجيب باطمئنان بأن أبي وأخي وعبد الرحمن منيف أدخلوني في مملكة السرد.

  • في قصصك الكثير من الواقعية والتناغم بين الحدث والواقعية، هل هو ابتعاد عن الرمزية والقص الحديث؟

قد أكون مخطئا إذا أخبرتك أنني لا أستطيع كتابة أي حادثة لم أعش تفاصيلها بنفسي ولم أعانِ منها وأكتوي بعذابها الفعلي، لهذا لا أجد في الرمزية تلك النار التي يكتوي بها الكاتب بصورة مباشرة، نعم تدل فنون الرمز والإيحاء والخيال على حبك السرد، لدرجة أن بعض الروائيين يجعلك تشعر بأنه يكتب حياته وسيرته، لكن الأمر أجده يختلف معي، لا أستطيع كتابة ما لم أعشه بنفسي، وإذا أجبرت نفسي على ذلك فتخرج القصة أو الرواية خاوية وباردة وتغص بالافتعال والإقحام، لكن هذا لا يعني عدم وجود كتّاب لهم القدرة الهائلة على تصوير تجارب لم يعيشوها وكأنها تجاربهم الشخصية.

  • في مجموعتك القصصية "لغة الأرض" الفائزة بجائزة الطيب صالح محاولة لإدراك ألم العالم.. هل الأثر لما يمر بالعراق كان هو المرتكز؟

أكثر من 3 أرباع قصص المجموعة مضامينها مأخوذة من تجارب حقيقية حدثت في الحروب العديدة التي عاشها العراقيون، ومعظم قصصها عبارة عن أحداث عشتها أنا وعائلتي وواجهنا فيها الموت أكثر من مرة بشكل مباشر، ومات أحد الشباب من أقاربي أمام عيني ولم أستطع إنقاذه لأن الرصاصة ثقبت رأسه ولم يرفس أكثر من رفستين أو 3، ثم همد جسده إلى الأبد.

** داخلية فقط ** صور الأديب العراقي علي حسن عبيد: الجزيرة/العراق
علي حسن عبيد مع روايته "لغة الأرض" (الجزيرة)

آخرون ماتوا افتراسا أكلتهم الذئاب في الصحراء التي فروا إليها من بيوتهم بسبب الحرب، وآخر مات غرقا أيضا بسبب الفرار من الحرب، إذن فالموت في الحرب لا ينحصر بالرصاصة التي تثقب الرأس أو الصدر، فالأنواع الأخرى للموت هي حصيلة الحرب أيضا وحدثت بسببها، فقصص "لغة الأرض" هي محاولة لتوثيق القليل من مآسي العراقيين.

  • ثمة ثنائية في أغلب كتاباتك هما الحرب والموت، وهو أمر كذلك موجود لدى جيلك الثمانيني، هل ترى أن هاتين الثيمتين لم تغادرا مخيلة وتفكير هذا الجيل؟

نحن عشنا ريعان الشباب في أتون الحرب، الجيل الثمانيني في العراق، كانت أعمارنا إبان الحرب الأولى لا تتجاوز العشرينيات، وهذه المرحلة العمرية هي الأكثر حيوية في عمر الإنسان، والتي يفترض أن يعيش فيها أجمل أحداث حياته، لكننا عشنا في شبابنا الحرب بأبشع صورها، ولذلك معظم كتاب جيل الثمانينيات السردي العراقي لا زالوا يحملون على ظهورهم وفوق كواهلهم بشاعة الحرب التي لا تزال صورها عالقة في رؤوسنا دونما رحمة.

  •  عمَ تتحدث روايتك "جثة بلا وطن" الفائزة بجائزة توفيق بكار؟

إنها لعنة الحرب التي لم أستطع التخلص منها، ويبدو أنها سترافقني إلى آخر لحظة من حياتي، تبدأ هذه الرواية بقصة شاب يموت غدرا في إحدى حروب المدن والشوارع، وهو ليس طرفا في القتال مثلما هو حال معظم العراقيين الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على خوض حروب هم ليسوا طرفا فيها، بل هم أبعد الناس عن صناعتها سياسيا أو رسميا.

وكالعادة، تضج هذه الرواية بمشاهد ومواقف الموت لدرجة أن هذه اللفظة تصبح مقربة لكثرة وجودها في نسيج السرد، لكن حقيقة وجودها هي التي تخفف من تحامل القارئ على الرواية، كما أنه يتفاعل مع الموتى إنسانيا، وكما ترى حتى في كلامي هذا هنالك حضور طاغ لتدمير الحياة، علما أنني لست إنسانا يائسا أو متشائما، بل على العكس أنا رأس يحتفل بالحياة ويعشقها، لكنها تبقى مغمسة بموتى الحروب.

  •  نرى أن أثر الحرب قد زاد بعد الغزو الأميركي، هل هناك مصير مشترك بين الحياة والحرب بالنسبة لك؟

الغزو الأميركي ضاعف حضور الموت بين العراقيين، ولم يكن الحل المناسب لهم، فما فائدة أن تتخلص من الموت بالموت الأكثر همجية ولا إنسانية؟ لهذا تبقى السياسة قاصرة في رؤيتها وفي معالجاتها، ولا سيما السياسة المريضة التي لا تنظر إلى الجميع بعين واحدة لا تفرق بين البشر، أما ربط مصير الإنسان بالحرب والحياة وجعله متأرجحا في ما بينهما فهذا لا يحدث إلا في الحروب الشريفة أو العادلة، ولا أدري إذا كانت هناك حروب عادلة في عالم اليوم.

  • هناك ملامح في كتاباتك فيها هدوء حذر عن الحب والمرأة، هل هو خوف مجتمعي أم علة المأساة أقوى؟

الحذر من المجتمع هو العلة الكبرى التي يعاني منها الكتاب العراقيون والشرق أوسطيون والمسلمون، والخشية من التابوهات المعروفة قائمة بيننا نحن الكتّاب شئنا أو أبينا، ومن يخرج عن المسار المحدد سوف يجد نفسه مذبوحا بطريقة أو أخرى، فلا حرية مع سياسات الحكومات التي تخاف على عروشها، أما الكتابة عن الحب والمرأة فإننا ملزمون بالكتابة عن أجمل أيقونتين في الحياة، فكلما أريد أن أشعر بقيمة الجمال الحقيقي أكتب عن الحب والمرأة، وهذا تمثله العديد من كتاباتي وأتذكر منها "منحوتة العشق"، وهي إحدى قصص مجموعتي "لغة الأرض" التي كرمتها جائزة الطيب صالح.

  •  أنت تكتب القصة والرواية وأحيانا الشعر وكاتب مقالات رأي وتعمل صحفيا، هل في داخلك حرائق للكتابة؟

لا تحدث حرائق الكتابة إلا عندما تكون صادقا ومهتما ومتفاعلا بشكل حقيقي مع ما تكتب، أنا أكتب الكثير، ولكن ليس كل ما أكتبه ينطوي على حرائق، بل هناك الكثير منه بارد إلى حد لا يصدّق، وأستطيع أن أجزم لك أن حرائق الكتابة أجدها في ما نسبته 10% من كتاباتي بمجملها، أي الكتابة الإبداعية والصحفية وسواها، قليلة تلك الكتابة التي تنتج عنها حرائق في الروح والقلب، بالنسبة لي على الأقل، ومع ذلك أجد نفسي محظوظا على نسبة الـ10% من الكتابة الفعالة الصادقة الحارقة.

  •  الأدب الحديث -سواء في العراق أو الوطن العربي- أدب غاضب على واقعه، ألا ترى أنه انعكاس للواقع السياسي أم هو احتجاج على هذا الواقع؟

إذا تكلمنا عن الأدب العراقي لا بد أن نضع النقاط فوق حروفها، وهذه مسؤولية لا أظن أننا قادرون على تجاوزها أو إهمالها على الأقل بحسب رؤيتي الشخصية، فهنالك أدب عراقي محابٍ، أي أدب يحابي السياسة وصناع القرار والعاملين في الميدان السياسي لغرض إحراز مصالح ومنافع معروفة، وهذا الأمر ليس وليد المرحلة الحالية، بل هنالك جذور له، أما عربيا فليس الحال بأفضل مما يحدث في العراق أدبيا، ولكن هل يوجد أدب غاضب كما قلت؟ الجواب: نعم، هو موجود، وهو انعكاس للفشل الذريع في إدارة بلداننا وأنفسنا وثرواتنا، إننا باختصار نعاني من نواقص قد يصعب حصرها.

المصدر : الجزيرة