شعار قسم مدونات

فصل الدين عن التربية

يظن الأهل عادة أن بداية تعليم الدين مع بداية كلام الطفل وحديثه فيذكرون له اسم الله ويحفظونه آيات من كتابه، وهذه خطوات حلوة لكنها ليست الأولى. (شترستوك)

مضى على انتهاء رمضان شهر، جاهد بعضنا لاستثمار كل لحظة منه في تقريب طفله من الدين، واستمر بعضنا الآخر في التسويف إلى الآن، وبعضنا لديه أمل بما تبقى أن يسعف ما مضى، ومازال البعض يتساءل: ما الجدوى؟ لماذا أقحم طفلي بتطبيق الدين أو تعلمه قبل التكليف؟ لم لا نفصل الدين عن التربية ونتركه يختار دينه في الكبر.

وهذا البعض منا نفسه لو علم أثر الدين في تنشئة طفله وضرورته التربوية لتسهيل طريقه؛ لسبق معظمنا إليه. ففي غمرة الشتات المعرفي واختلاط المفاهيم وتشابكها يوفر الدين على التربوي عناء البحث عن مرجعية ثابتة متينة، أجدني بعد كل خلاف أبحث في النظريات التربوية وأفتش في المدارس العربية والغربية، لأصل أخيرا إلى أن هذه الخلاف حل وانتهى وله أصل وفصل في ديننا سواء تم بيانه في آية أو حديث أو موقف مر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.

الضرب ليس بأداة تربوية وفق المرجعية الأساس "ديننا"، وفي أزمة ضياع الهوية وبحث جيل الشاشات عن انتماء لذاته يأتي الدين الإسلامي يجمعنا على انتماء واحد يشبع احتياجنا النفسي الأعلى ويرفع اعتزازنا بهويتنا وانتماءنا لأفراد يشبهوننا

وهم احتاروا طويلا إن كان التأديب بالضرب أشد أثرا ونفعا على شخصية الطفل لينشأ صلبا قويا ملتزما منضبطا أم العكس، حتى وجدوا في صحيح مسلم حديث عائشة -رضى الله عنها- قالت: ما ضرب رسول الله ﷺ شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله.

فعلموا أن الضرب ليس بأداة تربوية وفق المرجعية الأساس "ديننا"، وفي أزمة ضياع الهوية وبحث جيل الشاشات عن انتماء لذاته يأتي الدين الإسلامي يجمعنا على انتماء واحد يشبع احتياجنا النفسي الأعلى ويرفع اعتزازنا بهويتنا وانتماءنا لأفراد يشبهوننا، ويقومون بما نقوم به، ويدعون بما ندعو به، ويؤمنون بالله وحده ولهم نفس مبادئنا وقيمنا.

أما الأمان، ضالة المقهور في بلادنا الإسلامية، لا سبيل لإيجاده إلا بالإيمان بالله القريب المجيب، يوقن معه أن البلاء مهما طال فإن حقه محفوظ والعدل لا بد قائم وعند الله تجتمع الخصوم، ومعية الله أمان الطفل الخائف وأهله وأمله بالخلاص ورضاه بما حل ويحل به فأمر المؤمن كله خير، يكبر راضيا متعايشا مستوعبا ومستعدا لكل أوجاع الدنيا ومصائبها مدركا أنها محطة نهايتها مغنم المؤمن.

كنت قبل بضع سنين أتجنب ذكر النار مع الصغار رغبة بالبدء بصورة محببة لإدخال الدين، لكن زاد وعيي بالنار وجهنم والعذاب حتى وجدتها أمانا للخائفين من بطش المستبدين، فصرت أقول للطفل في بلاد الحرب: أتخاف منهم حقا وهناك نار تنتظرهم أعدها الله خصيصا لمن يؤذي عباده الصالحين؟ أتخاف حقا والله يعد لهم من أنواع العذاب ما لا يحتمله بشر؟ فيضحك ويبتهج وبقبضته الصغيرة، ويشير الله أقوى منهم وأكبر، سيحرقهم جميعا وستنتصر.

يظن الأهل عادة أن بداية تعليم الدين مع بداية كلام الطفل وحديثه فيذكرون له اسم الله ويحفظونه آيات من كتابه، وهذه خطوات حلوة لكنها ليست الأولى.

أما ذكر الجنة غني عن التعزيز؛ وهو الوسيلة التربوية الأسهل في تثبيت كل سلوك صحيح، بوجود جنة عرضها السماوات والأرض ورضا الرحمن ورؤية وجهه لم تعد تحتاج جداول وملصقات.

ثم تقدير الذات، الشغل الشاغل لأخصائي مواقع التواصل يجذبون به أبناء هذا الجيل ممن يبحثون عنه هنا وهناك ولا يجدوه.

حتى يصل إليهم قوله تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" ]الإسراء:٧٠[ التقدير الذي خص الله به الإنسان، ثم "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ" ]الزمر:٩[ التقدير الذي خص الله به أهل العلم، "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ" (المجادلة:١١) وهكذا يزداد تقدير الذات عند طفلنا بازدياد وعيه.

ولو توقفت هنا في سرد ما لتقديم الدين من عظيم أثر في التربية، وتأكدت من الإجابة على سؤال بعضنا الأخير، فإني أتوقع السؤال الذي يليه: متى نبدأ بالتربية على الدين "التربية الدينية"؟

يظن الأهل عادة أن بداية تعليم الدين مع بداية كلام الطفل وحديثه فيذكرون له اسم الله ويحفظونه آيات من كتابه، وهذه خطوات حلوة لكنها ليست الأولى. فمن تعاليم ديننا أن يؤذن في أذن الطفل مع لحظات حياته الأولى ليبدأ حياته مسلما بمعية الله وحفظه، وعلى أهميتها وجمالها ليست الخطوة الأولى.

ويقول صلى الله عليه وسلم: "فاظفر بذات الدين.."  كما يقول عليه الصلاة والسلام: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه" فخطوة اختيار شريك التربية والوالدية لا بد خطوة أساس في زرع الدين بأولادنا لكنها خطوة ثانية.

نحن الخطوة الأولى، تربيتنا لأنفسنا ووعينا بالتزامنا وإدراكنا لخطايانا وانتباهنا لزلاتنا وتوبتنا وتفكيرنا بما نريد أن نورثه وما نريد أن نجنبه لأبنائنا، هو خطوة أولى تسبق الأمومة والأبوة، أن تتهيأ لمنصب راع مسؤول عن رعيته لذا فإن فصل الدين عن التربية هو فصلك عنك، فصلك عن ذاتك التي وعيت وربيت، فالدين تربية لنا والتربية تطبيق لديننا.

 

 

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.