شعار قسم مدونات

احفظوا أولادكم من الضياع والضلال.. علموهم حب غزة

أطفال فلسطينيون نازحون يعدّون رقائق البطاطس محلية الصنع في مخيم في رفح بجنوب قطاع غزة (رويترز)

في خضم الصراع والذي لا يكاد يتوقف ولا حتى لالتقاط الأنفاس، على النفوذ والسيطرة والهيمنة على المقدرات والثروات وقبلها وبعدها على العقول والآراء، تصبح تربية الأبناء والمحافظة عليهم وعلى عقيدتهم وقيمهم وأخلاقهم مهمة صعبة، ومسارا وعرا، ومسيرة شاقة. في عالم تسود فيه قيم العولمة وتستبد به مبادئ التوحش، ومع التغير الكبير والتطور المتسارع في تقنية الاتصالات وأجهزة التواصل وتقدم طرق الإغواء والتزيين وتفننها، "قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ" [الحجر:٣٩] ، تعددت وسائل توجيه الناشئة والأطفال وتكاثرت حتى تفوق بعضها في حالات كثيرة على الأسرة والوالدين والمجتمع والمدرسة.

إنها حرب واحدة وإن كانت بوسائل متنوعة وأساليب مختلفة، والهدف هو الهيمنة علينا وعلى ثرواتنا ومقدرات أوطاننا في صراع التدافع والذي هو سنة الخلق، والمواجهة بين الحق والباطل.

ولأن السيطرة على العقول والنفوس والقدرة على صناعة أجيال تابعة أو ما يمكن تسميته بالاستعمار الفكري، هو أقل كلفة من الاستعمار العسكري وأكثر أناقة ولباقة في مظهره وإن كان أشد فتكا وهلاكا في جوهره، نجد أن القوى العالمية والتي تدعم حرب الإبادة في غزة إن كان بالسلاح أو بالمال أو الإعلام أو المواقف السياسية هي نفسها من تشن علينا الحروب الفكرية والأجندة الجندرية والنسوية، وأخيرا تريد فرض الشذوذ الجنسي علينا وعلى أطفالنا عنوة وقهرا.

إنها حرب واحدة وإن كانت بوسائل متنوعة وأساليب مختلفة، والهدف هو الهيمنة علينا وعلى ثرواتنا ومقدرات أوطاننا في صراع التدافع والذي هو سنة الخلق، والمواجهة بين الحق والباطل والتي تمضي بقدر الله وحكمته حتى يرث الله الأرض ومن عليها، "ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ" [محمد:4]. من هنا يمكن ملاحظة هدوء كبير في جبهات الاستهداف الأخلاقي والتي تروج للشذوذ وتدمير الأسرة وتحطيم القيم على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام المختلفة، لانشغال عناصرها على ما يبدو في دعم الرواية الصهيونية في محرقة غزة والنيل من المقاومة على وجه الخصوص وأهل غزة بشكل عام.

ولأن التدمير أهون بكثير من البناء، وإشعال الحرائق أيسر من عمارة الأرض أو حتى إطفاء تلك الحرائق، وتحريك الغرائز أسهل من إيقاظ الفطر السليمة والحفاظ عليها، ومع الضغط الكبير السياسي والإعلامي للقوى الدولية على أنظمة عربية وإسلامية مغرقة في الديون والقروض وسياسيها منشغلون بحياة اللهو والترف، تم فرض أجندة غريبة وغربية في مناهج كثير من دولنا ومدراسنا حتى أصبحنا غرباء في أوطاننا، مغتربون عن قيمنا وأخلاقياتنا. فكيف الحال بأطفال صغار تحيط بهم قيم العولمة من كل حدب وصوب ويدفع به والديهم مضطرين أحيانا إلى المدارس الأجنبية ليتعلموا لغاتها كسبيل للنجاح المستقبلي ولتحقيق عائد مالي أفضل؟

تفقد الأمة الكثير من أبنائها حين يتم تغريبهم وغسل أدمغتهم وحين يرون في أعدائهم أصدقاء، ويعتقدون أن السم والذي يقدم لهم هو الشهد الصافي، فيتم اغتيالهم معنويا وفكريا كما تم ويتم تصفية أقرانهم في غزة وفلسطين وسوريا والعراق والصومال وغيرهم ماديا وجسديا.

لقد علمتنا غزة وأهلها الصابرون المحتسبون وعلمت أولادنا الكثير، وأحيت فينا قيما ظن الناس أنها اندثرت، ورأينا فيها من الآيات ما حسبه كثيرون أنه حبيس كتب التاريخ.

جاءت أحداث غزة لتدمر أساطير صنعت في عقود، وتعرى روايات زائفة تقدم كحقائق راسخة، وتهوي بما تبقى من قيم يتبجحون بها فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات والتي يبدو أنهم حصروها في حرية الانفلات والتحرر من القيم والأخلاق إلى حياة البهائم والبوهيمية، جاءت أحداث غزة أيضا لتساهم ليس فقط في دخول غربيين إلى الإسلام بل بعودة أجيال من المسلمين خصوصا الناشئة إلى قيم الإسلام ومبادئه وأخلاقياته ومثله.

من أراد أن يحصن أبناءه من الضياع والضلال والغواية واتباع الشهوات والتي تنتهي بهم بمهاوي الإدمان والمسكرات والجرائم، عليه أن يزرع فيهم الحرص على قضايا الأمة وأن يعلمهم حمل الهموم العظيمة. المرء يكبر بقدر ما تكبر همومه، ويعلوا بمقدار ما تعلوا همته وترقى غاياته، فلا يذرف الدمع على خسارة رياضية ولا حتى على خسائر مادية أو تجارية، ولكنه يعيش القضايا الكبيرة ويحملها في قلبه ووجدانه مقتنعا ومؤمنا أن له في هذه الحياة دورا عظيما ورسالة كبيرة، "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا" [الأحزاب: ٧٢].

لقد علمتنا غزة وأهلها الصابرون المحتسبون وعلمت أولادنا الكثير، وأحيت فينا قيما ظن الناس أنها اندثرت، ورأينا فيها من الآيات ما حسبه كثيرون أنه حبيس كتب التاريخ. رأينا في غزة جيل قراني فريد وشباب تخرجوا من بيوت الله في عمر الزهور يواجهون محن جشيمة ورزايا عظيمة في ثبات عجيب وصبر ورضا بقضاء الله وقدره، وقد أجرى الله على أيديهم تغييرات مست العالم بأسره وحررت شعوبنا من الأوهام، بل وحررت حتى جموع من شباب الغرب من هيمنة إعلامية وقيود سياسية وعقود من التزييف والتزوير.

فلنتذكر ولنعلم أبناءنا أنهم بإذن الله وبأمره قادرون على تغيير العالم، فنحن جميعا خلفاء الله في الأرض نحمل الخير للبشرية والهداية للإنسانية، ونعلم ونؤمن بأن مكانتنا في الدنيا ومنزلتنا في الأخرة تتحددان بقدر ما تكون غاياتنا وأهدافنا وهمومنا وانشغالاتنا، كبيرة وعظيمة وجليلة.

 

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.