يا أخي كف عن النداء.. فمن تنادي!
هل سمع ميت النداء يوما؟
فيا أخي كف عن النداء
فلا عيسى بيننا يحيي ميتا ولا موسى بعصاه يشق سيناء، والقوم اتخذوا سامريهم نبيا، والثور جعلوا منه آلهة وهارون تمزق منه الأشلاء..
فمن تنادي؟
يا أخي كف عن النداء
يصرخون يزمجرون وأصواتهم تصدع إلى السماء، يعودون إلى بيوتهم، يعودون يمرحون ويلعبون ويرقصون ويأكلون، متخمة منهم البطون، والقوم هناك جياع..
صم بكم عمي فهم لا يبصرون، فمن تنادي؟
يا أخي كف عن النداء
أضنيتم قلوبنا قيحا يا أنصاف الرجال، يا أشباه الرجال
فيا أخي كف عن النداء، فهل يوما سمع ميت النداء؟
فالسامري أَصمهم، أبكمهم، وأعد لهم جيوش فرعون تلجمهم، لكنهم يا أخي تململوا وحشدوا وحلقوا وأسقطوا عليك رغيف خبز من السماء..
يا أخي كف عن النداء
فهل أشبعت جوعك يا أخي؟ هل نام الصغار؟ هل أوصدت عليهم باب دار هي من جدارين ونصف سقف؟
هل ما زال تنور أمي متقدا بحطب زيتونتنا؟ تخبز فيه خبزها الممتزج بدم الصغار والكبار
رائحةُ الطُّهر تملأُ المكان، فلحم من هذا أياسر أم عمار أم بلال؟
ارفع وليدك يا أخي إلى السماء مؤذنا من فوق ركام كعبتنا، هل رضيت ربي؟ خذ منا حتى ترضى القربان تلو القربان..
ففينا يا رب نساء ولودات ودودات، بفضلك ربي لا ينقطع الرجاء..
فيا أخي كف عن النداء، فهل يوما سمع ميت النداء؟
تحاصر يا أخي أنت من عدو، وهم بأقداحِ خمرهم يثملون، وعند فجرهم يهللون ويكبرون ويركعون، بعد أن توضؤوا بدم طفل يتيم.
فبالله أخبروني لأي رب تسجدون ومن أي كتاب تقرؤون؟ ولسان حالكم يقول: هكذا وجدنا أباءنا يفعلون!
فرغم حصارك يا أخي فأنت حر، ونحن يلجمنا ألف لجام.
فيا أخي كف عن النداء، فهل يوما سمع ميت النداء؟
غزة، أنت أول الأبجديات وآخر الأبجديات. غزة، أول الرباط وآخر الرباط. غزة، لقد ذهب من تحبين، لا تبحثي عنهم فهم هناك فوق التراب وتحت التراب، بسلام يرقدون.
فيا ابن غزة إلى أين الفرار؟ ألم تعلم أن الموت ملاقيكم أنى ذهبتم؟ فمت شامخا كما بيتك المهدوم، وابحث عن بقاياك وأحلام المساء تحت الركام.
فالموت واحد مهما تلونت أهدابه، فلا تصب لدنيا زينتها الأماني، فحسبك.
لا تساوم ولا تسالم، فهل تبصر العينان إن فقئتا ووضعت مكانهما جوهرتان؟ قالها دنقل من قبل، وهل دم الشقيق كدم الغريب؟ وهل كل الرؤوس سواء؟
وكيف وطفلك الميت على محياه ترتسم البسمات؟
كف يا أخي عن النداء، فهل يوما سمع ميت النداء؟
فما عاد القناع يستر قبحكم، فقد سقط القناع، كما دنقل قالها درويش، فلا أخوة لك يا أخي ولا أصدقاء، فقد سقط القناع يا صديقي لا قلاع، لا الماء عندك لا الدواء ولا السماء ولا الدماء ولا الشراع ولا الأمام ولا الوراء! حاصر حصارك، لا مفر
حاصروا حصاركم، وأنت يا أخي أشعل فتيل غضبك، واضرب بما تبقى منك جسدا، فأنت حر، فإما أن تكون أو لا تكون.
فأحبابك القتلى فيك ذخيرة، غمس يدك المقطوعة في دمائهم واضرب عدوك، اضرب فأنت حر يا أخي رغم الحصار.
كم أحبك ولم التقيك يوما يا ابن المخيم، أهكذا تصنع الخيام الرجال، وهل أنا أهل لحبك يا أشرف الرجال، يا أول الرجال ويا آخر الرجال.
كف يا أخي عن النداء، فهل يوما سمع ميت النداء؟
ابكِ، ولملم جراحاتك بصمت، فما عاب الرجال يوما بكاء، ابك كي نبكي بصمت معا، في ثنايا حينا المدمر، ونخبئ تحت الردم وجعا لا يطاق..
واصرخ بصوت دون صوت، لفراق من رحلوا دون عناق، فعزاؤك أنهم ماتوا نياما، ولم يتجرعوا كأس الفراق
فسلام عليكم ما سبق الطوفان من أخباركم، وسلام عليكم كلما وارى طهركم الثرى، وسلام عليكم كلما فاض منكم مسككم، وسلام عليكم كلما عز اللقاء.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.