شعار قسم مدونات

طوفان الأقصى يجدد الحركات الإسلامية

عملت حركة حماس على إقامة مخيمات صيفية للأطفال باسم طلائع التحرير تتبع لكتائب القسام (الصحافة الفلسطينية)

إن الخذلان الرسمي والشعبي الذي تتعرض له غزة ما هو إلا نتاج تقصير الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي في دورها وانكفائها على مشاكلها وصراعاتها الداخلية، فالخيارات التي اجتهدت فيها الحركات بعد الربيع العربي لم تؤتي أكلها في جل الدول العربية بعدما وصل أغلبها إلى الحكم.

أما خيار معارضة الأنظمة الذي تبنته الحركات قبل الربيع العربي أفرز سلسلة من الاعتقالات والاقصاء لقادتها وأفرادها رغم ما شكله من حاضنة شعبية لهم وهو ما أوصلهم للحكم بعد الربيع العربي في عديد الدول، فبعضها ذهب إلى خيار المداراة والتنازلات الذي أغرقها في وحل الأطماع والمناصب والتبرير للحكومات، فقدمت خدمة للأنظمة وأحدثت شرخا بينها وبين الشعوب لأنها لم تقدم شيئا يحقق الكرامة والرفاهية للمواطن وأصبحت غير قادرة على حشد الجماهير لفقدان مصداقيتها،  حتى لنصرة مؤثرة للقضية المركزية، إلا تحت ما تسمح به الأنظمة.

أما الحركة الأم في مصر الإخوان المسلمون التي ثبتت على مواقفها ووصلت إلى الحكم ولم تغريها المناصب والامتيازات لم تستطع الحفاظ عليه، لعدم اكتمال سنن الله في التمكين، ولم تكمل الإعداد المطلوب من قوة المال والإعلام والنفوذ لترجح كفتها في ميزان الحكم، لكن إقصائها أضر بكل الحركات الإسلامية وبالقضية الفلسطينية كثيرا وما فعله محمد مرسي الرئيس المصري الشهيد من خلال موقفه لم تستطع فعله كل الحركات الإسلامية ولا الأنظمة الحالية. فلا خيار المصادمة نجح ولا خيار المداراة نجح.

عندما نقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نجد أن كل مراحل المشروع من التأسيس إلى الجماعة إلى المجتمع إلى الدولة، كان خيار المقاومة حاضرا لم يغيب إطلاقا حتى من ناحية تربية الفرد.

في وسط هذا التيه جاء طوفان الأقصى الذي رسم الطريق وجدد الفكرة التي أنشئت عليها الحركة الإسلامية، وهي المقاومة، وتختلف المقاومة من قطر إلى قطر، فحماس حوربت بالسلاح فكان خيار المقاومة العسكرية هو الخيار الوحيد الأضمن لطرد المحتل مع خيار المداراة السياسية مع الأحزاب المحلية ومع محيطها الإقليمي والأقطاب الدولية لخدمة مشروعها التحرري.

وخيار المقاومة السياسية والإعلامية والمجتمعية في الدول العربية والإسلامية لأنها قوة أساسية للحكم، فعندما نقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نجد أن كل مراحل المشروع من التأسيس إلى الجماعة إلى المجتمع إلى الدولة، كان خيار المقاومة حاضرا لم يغيب إطلاقا حتى من ناحية تربية الفرد، لقد كانت مقاومة شهوات النفس خيارا ضروريا لتنشئ السياسي الصالح حتى لا يقع في مستنقع الغنائم بعد النصر كما قال عمر بن الخطاب: "أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم"، فبدأت المقاومة السياسية والمجتمعية للثقافة الغالبة في قريش (فليدع ناديه سندع الزبانية)، (كلا لا تطعه واسجد واقترب). ثم المقاومة العسكرية بعد تأسيس الدولة (وأعدوا لهم)، ثم مقاومة المنافقين في المدينة (جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم)، والمقاومة الإعلامية (قال النبي لحسان: اهجهم وروح القدس معك). واتخذ من المداراة السياسية في صلح الحديبية خيارا ذكيا لمقاومة مشروع قريش على المدى البعيد ولخدمة المشروع الإسلامي إستراتيجيا فسماه القرآن فتحا مبينا، ولم يتنازل النبي إلا لمصلحة المشروع لا لأي مغنم أو امتياز شخصي، وأتيحت له فرصة المداراة السياسية عندما كان ضعيفا في قريش وعُرض عليه أن يكون حاكما على مكة مقابل أن يتنازل عن مشروعه ولكنه رفض، وكان بمقدوره أن يداري قريش ويصبح حاكما عليهم ويفرض سيطرته على النظام والحكم وينشر الإسلام.

لكن هذه هي السنن والقوانين المرحلية في تمكين المشروع الإسلامي الذي يؤسس للمجتمع قبل الحكومة وللأمة قبل الدولة حتى لا تكون الأمة تابعة للدولة ولا الدولة مسيطرة على الأمة فيفقد المشروع الإسلامي دوره في تعبيد الناس لله.

الحركات التي وازنت بين المقاومة والمداراة السياسية وجدت نفسها غير قادرة على الاستمرار طويلا لعدم امتلاكها وسائل القوة التي تمتلكها الأنظمة من مال وإعلام ونفوذ

وكانت المقاومة مبدأ ذو قيمة أخلاقية عقائدية حتى لا يرتهن المشروع لأي جهة أرضية فخيار المداراة المطلق يورث تنازلا بعد تنازل حتى في مبادئ أساسية للمشروع الإسلامي، والقارئ لتجارب الحركات الإسلامية التي اتخذت من المداراة خيارا إستراتيجيا تجد أن قادتها ومناضليها وقعوا في مستنقع البحث عن الغنائم فوصلوا إلى الحكم ولم يقدموا شيئا لشعوبهم، وكان حالهم السياسي كحال سابقيهم من الأنظمة، ووجدوا أنفسهم حركات وظيفية فقط ليس لها قوة ولا حتى وزن في الحكم تستطيع به معارضة الأنظمة الحاكمة فأورثت صراعات داخلية في صفوفها، وعزوفا كبيرا لدى شبابه.

وهذه سنن التاريخ، فسقوط الدول الإسلامية السابقة ما كان إلا بسبب الانغماس في الترف والبحث عن الغنائم بدل التضحية والجهاد وقد لخص هذا مقولة الدكتور عبد الحليم عويس في كتابه "دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية": "إن الذين يسقطون في هاوية البحث عن الغنائم لا يمكن أن ينجحوا في رفع راية عقيدة أو حضارة".

وحتى الحركات التي وازنت بين المقاومة والمداراة السياسية وجدت نفسها غير قادرة على الاستمرار طويلا لعدم امتلاكها وسائل القوة التي تمتلكها الأنظمة من مال وإعلام ونفوذ، فما ساعد حركة حماس على التطور والاستمرار هو توفير القوة التي تحمي سياستها وهو خيار عبر عنه مؤسسها الشيخ أحمد ياسين "استراتيجيتنا السياسية أنه لن تكون هناك قوة سياسية مالم تكن هناك قوة تدافع عنها".

وبلا شك تكون الحركات الإسلامية أخذت الدرس وتعلمت التجربة من إخفاقاتها ومن نجاحات طوفان الأقصى، الذي سيجدد للوعي الداخلي لدى الحركات الإسلامية بأن لا خيار لنجاح المشروع الإسلامي إلا بالمقاومة السياسية مع مداراة مرحلية تستند إلى قوة تحمي المشروع السياسي، حتى لا يكون المشروع وظيفيا وإنما مستقلا سيدا تابعا للفكرة الإسلامية التي أسس عليها.

فالآن ومع التغيرات الهائلة التي أفرزها الطوفان يبقى على الحركات الإسلامية أن لا تحدث تغيرا فقط في إستراتيجياتها المستقبلية، وإنما عليها أن تحدث تجديدا في الإستراتيجية قريبة وبعيدة المدى حتى تواكب ما أحدثه الطوفان، وإلا تخرج بخفي حنين، فمن لا يتجدد يتبدد، ومن لا يتقدم يتقادم.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.