شعار قسم مدونات

الهواتف الذكية وفن حماية القضية

blogs هاتف

أن تقتني هاتفًا نقالاً، تتفننُ عبره في اقتناصِ الصورة، ونشرِ الجمال، وإتقانِ الغوصِ في أعماقِ المجروحين، هو بحدِ ذاته مقاومة، فكم من صاحبِ جوالٍ أرعبَ عبر صوره وكلماته جيشَ الاحتلال الإسرائيلي الذي يدعي بأنه لا يُقهر.

  

أجل الهاتف النقال مقاومة لمن يُحسن استخدامه كسلاحٍ قويٍ يُشهره في وجهِ أعدائه ممن يُريدون الإطاحةَ بمشروعِ إعلامه المقاوم فهم وإن أغلقوا مقراتنا الإعلامية وحاربوا معداتنا وصادروها وتفننوا في تضييقِ الحصار المالي علينا لم يعدموننا من استحداثِ طرقٍ ووسائل نُرعبهم فيها، فكم من صورةٍ اختصرتْ كلامًا، وكم من كلمةٍ أوجعتْ وأبكتْ وأرعبتْ وألحقتْ الأذى في قلوبِ أعداء الأمةِ العربية والإسلامية في ظل معركة الأدمغة وصراع العقول التي لا يجبُ أن نستهينَ بها فالمقاومة الإعلامية يجبُ أن تستمر وتضرب بقوة، إلى أن يشاء الله بتحقيقِ وعده في زوال الكيان الإسرائيلي وتحرير أراضينا المغتصبة بعودة فلسطين المحتلة عام ثمانية وأربعين إلى عمقها التاريخي وجذورها الراسخة.

 

مخطئٌ من يظنُ أن المعركة الإعلامية لم تؤتي ثمارها المنشودة، فلولا الإعلام وتأثيره على الساسة لما ابتهجنا كفلسطينيين بتحرير المختطفين الأربعة من السجون المصرية، ولما تمكنا من التأثير إيجابيًا على إرادة الجماهيرِ بل واحتضان القاعدة الشعبية الذين نُعولُ عليهم لما يُمثلوه من ثقلٍ وهيبة على كافة المستويات. 

  

جزء من معركتنا هي معركة تأثيرٍ وتأثر، معركة تعبئة وتنظيم، معركة إرادة وإدارة، معركة حرية وكرامة، معركة ثورة وحرية، معركة مقاومة حتى الرمق الأخير

إنه الجمهور الذي يحتضنُ المقاومة ويُحيها، الجمهور الذي لا يجبُ أن يغيبَ عنه القادة، بل ولا يجب أن نُغيبّ القادة عن الجماهير تحت مسميات وادعاءات واهية، فالجمهور والقادة وجهان لمعنى واحد فهما يلخصان الكرامة والسياسة والوحدة والحقوق بل يلخصان البقاء والتشبث، وهو ما يحققه في هذه المرحلة الإعلام الجديد الذي لا يحتاجُ إلى كثيرِ وقتٍ وجهد، بل يحتاجُ إلى أدواتٍ بسيطة يجب استثمارها في نشرِ الفضائل والقيم والأخلاق بل ورفع المعنويات، وصولاً إلى الهدف المنشود، وهو غزو العالم كله بإسلامنا وقيمنا ووحدتنا، فانتشارُ التأثير الإيجابي عبر الهواتف النقالةِ لا يجبُ أن يكون سببًا للتخلي عن حق جنود مهنة المتاعب في إعادةِ فتح القنوات الفضائية المغلقة، لاسيما تلك التي تتبنى نهج الحقيقة وفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

  

 

إن الذكاء يجبُ أن يكون مقرونًا بالمزيد من الحنكة والحكمة فإن عابوا على جيلِ الفيسبوك والتويتر إضاعته للوقتِ عبر المنابر الإعلامية، فإن لهذا الجيل كل الحقِ في إسقاط الحكومات الفاسدة بل وتحريك ثورات الربيع العربي، وإعادة البوصلة نحو أهدافها الأصيلة والمتينة عبر تفعيلِ الحراك الشعبي في كل دول العالم، من أجل نصرةِ الضحايا والمستضعفين على طريق تحرير الإنسان والأرض والمقدسات، فلا يُعقل أن يُقلل أحد من حجمِ حملات التوعيةِ والتعبئة التي تُطلقها المؤسسات والوزارات المختلفة فلهذه الحملات الدور الرائد في تحقيق التوازن وضبط إيقاع المجتمع وإعلاءِ الحقيقة، الحقيقة التي لا يجبُ أن يغيبها أحد لأنها قوية كقوة السيف في تبديده للزيف.

 

فجزء من معركتنا هي معركة تأثيرٍ وتأثر، معركة تعبئة وتنظيم، معركة إرادة وإدارة، معركة حرية وكرامة، معركة ثورة وحرية، معركة مقاومة حتى الرمق الأخير، بل معركة عنفوانٍ ومقاومة حتى النصر والتمكين وتحرير فلسطين كامل فلسطين، هي معركة كرٍ وفر، هي معركة حاسمة بين الحق والباطل، فلِم ننكرُ على بعضنا البعض الحق في غزو عقول العالم ونحن جالسون خلف مكاتبنا بل وفي بيوتنا، لنغزوهم بكلماتنا التي هي طلقاتنا النارية، أجل طلقاتنا النارية، كم من كلمةٍ قتلتْ، وكم من كلمةٍ عذّبت، وكم من كلمةٍ استفزت، وكم من كلمةٍ استنهضتْ، وكم من كلمةٍ أقالتْ، وكم وكم؟ وكم من سؤالٍ أو استفسارٍ أخلّ في موازين القوى، إذ يحدث أن يُقال أحد المسئولين لأنه طلبّ الكشف عن مصير المختطفين الأربعة في السجون المصرية؟ ويبقى الفرق بين الكم والكيف في إحداث الفرق.

 

ممتعة وجميلة هي الصحافة، وإن كانتْ مهنة البحث عن المتاعب، وإن كانَ سالكها يعيشُ في وجعٍ وألمٍ، ذلك لأن الدنيا بكلِ عذوبتها لا تُقارن أمامَ روعةِ الانتصار للضحايا، بكشفِ أوجاعهم، لا بهدفِ فضحهم، بقدر ما يكونُ الهدف إثارة قضاياهم، لاستفزاز المسئولين كي يشعروا بهم، ليجدوا حلاً عادلاً لمعاناتهم، حل لا يغيبُ الحقيقة ويدفنها بقدرِ ما يبرزها، لتبقى القدسُ بل لتبقى المقدسات حاضرة في الأذهان والقلوب والعقول والأفئدة، مقدساتٌ لا تتحرر عبر الآلة العسكرية فقط، بل عبر التأكيد على هوية غزة وعراقتها غزة التي تقولُ لكل العالم هنا الإبداع، هنا الكلمة، هنا الطلقة، هنا من لا شيء، نصنعُ كل شيء، ونهدي العالم كل شيء، فالقدسُ مهجة الدنيا، وعنوانُ الإنسان، وهل أزهي وهل أبهى من القدس؟

 

انتصروا لقدسكم، انتصروا لكرامتكم، ثوروا ضجوا، قولوا لا، انتفضوا، افعلوا كل شيء، لكن إياكم والانتحار، لأن الانتحار يُشددُ الحصار، وتعلموا أن تدخروا أحلامكم ليومٍ يجعلُ الله لكم فيه شأن عظيم، عولوا على أنفسكم وعلى هواتفكم النقالة، فرُبّ هاتفٍ نقال نقلَ صاحبه من ظلام الواقعِ إلى هيبةِ الفضاء والانفتاح الراقي، اكتبوا عن كل شيء، وأتقنوا فن جذبَ الجمهور، فالعصرُ هو عصر ثقافة الموبايل أو الهاتف النقال بما يحمله من تحدٍ وإبداعٍ وإنجازٍ وعطاء، ورُبَ ضارةٍ نافعة، سقطَ الاحتلال وبقيتْ غزة بكل الطرقِ تقاوم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.