شعار قسم مدونات

السيناريو المُمِل المتكرر في غزة!

blogs غزة

في غزة البقعة الأكثر ألماً الأشد تعاسة الأكبر هماً الأضخم جروحاً، اعتدنا على أن نعيش دور المحللين السياسيين وكأننا مخضرمين في قراءة الأحداث قبل أن تُحاك وبعد أن تقع وحين نرى نتائج ما سيحصل، فصنعنا من استراحة القهوة ملهى سياسي بحت، وجعلنا نأخذ من كل جلسة وقتاً لمناقشة الوضع الداخلي الذي يمر به القطاع. فمنذ الحرب الأخيرة على غزة عام 2014 شهدت الأخيرة جولات تصعيد متفاوتة من فترة لأخرى، بسبب مشادات بين المقاومة الفلسطينية وقيادة الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يمل من الاحتكاك والاستنزاف المستمر المدشن على رأس المقاومة لكي يجعلها تضعف أمامه وتترك زمام الأمور وتستسلم لأهواء قيادة المحتل المجرم.

فالسيناريو يبدأ أولاً بسياسة المحتل الإسرائيلي المعروفة والممنهجة للضغط على غزة، فحينما تريد أن تشعل فتيل الإجرام فلا تعرف أن هناك أناس يتنفسون من رحم المعاناة، سواء كانوا أطفال يحرمون كل يوم من طفولتهم ويسلبُ منهم حقوقهم البسيطة، أو شباب غرقوا في بحر طموحاتهم وأحلامهم التي كانوا يرجون أن تتحقق، أم رجال أو نساء أو مرضى أو شيوخ، فتتكلل جملة من الضغوطات أبرزها التقليل من مساحة الصيد إلى بضعة أميال ثم تتلواها غلق المعابر التي تعد المتنفس الوحيد للقطاع، فيزيد الضغط على المقاومة كونها هي الدرع الحامي للشعب الغزيّ فتردّ على هذا الحصار ببث رسائل تهديد، واطلاق صواريخ على غلاف غزة لكي تصل الرسالة بشكل دقيق.

استخدمت إسرائيل المنحة القطرية ورقة ضغط على غزة من خلال ربطها بوقف مسيرات العودة وادلاء معلومات حول الاسرى الإسرائيليين داخل غزة، لكن حماس رفضت كل هذا وأعلنت غضبها

ثم بعد ذلك ننتقل للجزء الثاني وهو استفزاز المقاومة الفلسطينية بضرب مواقعها وأماكن حساسة تضر بعملها، فحينئذٍ تضطر المقاومة للدفاع عن نفسها بتوسيع نطاق الضرب، فيتأذى سكان الغلاف ويصرخون بوجه نتنياهو، فتلجئ "إسرائيل" كالطفل المظلوم إلى مصر كي تدفع بتهدئة فتتضمن أنها ستتوسط بين الطرفين، فيتفق الطرفان وتعود الأمور على حالها قبل أن تفكر "إسرائيل" بالضغط. وفي اليوم التالي يأتي مبعوث الامم المتحدة في الشرق الأوسط نيكولاي ميلادينوف إلى غزة فيعمل على طمأنة قيادة حركة حماس، ومن ثم يحمل حقيبته ويذهب إلى نتنياهو الذي يكون خائباً مثل كل مرة يفكر في أن يحاول أن يختبر غزة، ويخبره أن يهدأ بكل وقاحة.

إلى هنا ينتهي السيناريو إلى أن تطرأ أحداث جديدة، كمثل مسيرات العودة السلمية والتي بدأت بتاريخ 14-5-2018 والتي خرجت على الحدود الشرقية للقطاع مطالبة بالرجوع إلى الأراضي المحتلة وكسر الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 13 عاما، فيخرج المتظاهرين كل يوم جمعة رافعين شعار تحقيق مطالبهم، فيسقطها جنود الاحتلال بنيران بنادقهم اللعينة التي اعتدنا أن تسكت النضال الفلسطيني بشتى أنواعه، فتحمّر الأرض بدماء الشهداء وتنزف الأم حزنًا على ابنها الشهيد، وتمتلئ المشفى بالمصابين، فتجتمع الغرفة المشتركة الفلسطينية فتقرر رد الاعتبار بضرب الغلاف من جديد ويعود التصعيد فيتدخل الوسطاء وتعرفون الباقي.

ثم تدخل المنحة القطرية إلى الساحة السياسية والتي قررت دولة قطر، في تشرين الأوّل 2018، تقديم مساعدات إنسانية عاجلة لقطاع غزة بقيمة 150 مليون دولار، بموجب إعلان صندوق قطر للتنمية الحكومي للوصول إلى تهدئة على الحدود مع الجانب الإسرائيلي، لكن مع الوقت استخدمت إسرائيل المنحة القطرية ورقة ضغط على غزة من خلال ربطها بوقف مسيرات العودة وادلاء معلومات حول الاسرى الإسرائيليين داخل غزة، لكن حماس رفضت كل هذا وأعلنت غضبها من خلال تكثيف البالونات الحارقة والتي أثارت غضب مستوطنين الغلاف ليبدوا استياءهم من حكومة نتنياهو والتي أضحت مشلولة عن فعل أي شيء، مما سارعت إلى ضرب مطلقي البالونات الحارقة وكذلك نقاط الضبط الميداني على حدود قطاع غزة، ومن هنا تبدأ نقطة الصراع بين الطرفين إلى أن يتم التدخل دوليا مما يجبر الاحتلال على ادخال المنحة القطرية، فارضةً شروط على إدخالها. تلك السيناريوهات يعرفها الغزيون وها هو المشهد اكتمل للقارئ العربي الحر الذي لا يقبل أن تبقى غزة تحت يدي الاحتلال الذي لا يمل من إراقة القطاع بكافة الأشكال الدموية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.