شعار قسم مدونات

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا

blogsعيد

لقد أصبح مصطلح العيد في حياتنا عبارة عن عادات سنوية لا تقل أهمية عن باقي الأيام الأخرى، بينما كان في الأمس القريب يمتزج بالفرحة المكتسية بجميع أصناف السعادة، بين انتظار ممزوج بحرقة وشوق للعيد، وحسرة وندامة على رحيله، تمتزج فيه فرحة الأهالي بدموع تتمنى استمرارية لقاء الأحبة واجتماع الشمل، وبين اليوم الذي صار نقيذا لذلك تماما، فكيف تغيرت حالنا هكذا فجأة؟ عندما كنا نترقب هلال العيد قبل مجيئه بأيام، كان ترقبنا له ممزوجا بشوق وأهازيج الطفولة التي تضج بها جميع الأمكنة، سواء في ازدحام الأسواق والشوارع، أو في حتى في بيوتاتنا..

الكل يعبر عن فرحته بقدوم العيد سواء كان كهلا، أو طفلا، رغم أن للطفولة طعم مختلف عن العيد، خصوصا عندما كنا نسمع "غدا العيد" إنها الكلمة الساحرة التي كنا ننتظرها أيام طفولتنا بفارغ الصبر، لقد كانت عبارة عن بلسم لجروح أحزاننا، وفسحة لتفريغ همومنا.. حتى أنه كان لا ياتينا النوم ونحن في إنتظار فرحة بزوغ صباح يوم العيد، فكيف سننام ونحن ننتظر أجمل الأيام في حياتنا، لقد كنا نقوم بتنسيق ملابسنا الجديدة وننام بجانبها، منتظرين يوم العيد، إنه اليوم الذي كنا سنرتدي فيه الملابس الجديدة التي إبتعناها خصيصا لذلك، وسنحصل على العيدية، وأيضا زيارة الأحباب التي كانت تحتل المرتبة الأولى في قائمة أفراحنا لأنها تحمل في طياتها الكثير بدءا بالسفر، مرورا بلقاء الأحباب..

لقد أصبحنا نبتعد شيئاً فشيئاً عن سعادة العيد ولذته ومعناه الحقيقي، كل ما يمكننا أن نفعله هو أن نغوص في تلك الذكرايات التي ما تزال محفورة في أذهاننا بفرحة العيد

والأهم هو اللعب مع الأطفال في سننا، الكل يمنن على قرينه ويتباها أمامه بملابس العيد.. لقد كانت فرحة لا تقاوم كنا ننتظرها بفارغ الصبر، لكن مع إزديادنا في العمر بدأ طعم العيد يتغير، سواء بالنسبة لنا حيث إنتقلنا من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب، أو حتى لذا أطفال اليوم، لقد أصبحت البهجة بعيدة عن الكثير من البيوت؛ بسبب غياب العادات والتقاليد المبهجة، التي كنا نقوم بها عادة، لقد تغيرت مجتمعاتنا بالكامل خصوصا بعدما أن غزت وسائل التواصل حياتنا حتى صرنا ساجدنا لها، لا نلقي بالا بمن حولنا، ولا نستلذ بوقتنا، يمر علينا العيد والكل ساجد وسط هاتفه، يضحك مع نفسه، لقد شتت شمل فرحتنا.. حتى الأطفال بدورهم اليوم تغيرت فرحتهم بالعيد، تغيرت نظرتهم للأشياء، حتى وإن كانوا ينتظرون العيد كي يفرحوا به، إلا أن فرحتهم تلك تقل عن فرحتنا التي بدورها كانت تقل عن فرحت أبائنا وأجدادنا..

مع حلول كل يعيد ينقص درجة من الفرحة، كل عيد يمر علينا أسوأ من سالفه، خصوصا مع تزايد وتيرة الحرب في مجتمعاتنا الإسلامية، خصوصا العربية منها، لقد تفرق شمل الجميع، حتى أنهم لم يتفقوا على أبسط شيء، لم يستطيعوا أن يوحدوا فرحتهم بالعيد في يوم واحد، فكيف لهم أن يتوحدوا في باقي أمورهم؟ حتى وإن أردت أن تصنع السعادة لنفسك لن تجد لذلك سبيلا، فكيف ستفرح بالعيد وأنت تشاهد ما أحل بالأمة العربية من ويلات؛ حروب، قتل، نهب، اغتصاب، تجويع، تهجير.. فالوضع الذي تعيشه الأمة اليوم لم يسبق لها أن عاشته في عهودها السابقة من حالة الاستضعاف التي شهدتها في القرون الماضية.. لكن كما يقولون ليس باليد حيلة، كل ما في وسعنا هو أن نردد ما قاله الشاعر: عمر بهاء الدين الأميري:

يقولـونَ لـي: عيـدٌ سعيـدٌ، وإنَّهُ   ليـومُ حسابٍ لـو نحـسُّ ونشعـرُ
أعيـدٌ سعيـدٌ !! يالها من سعـادةٍ   وأوطانُنـا فيهـا الشقاءُ يزمـجـرُ

وقوله أيضا:

يمـرُّ علينا العيـدُ مُـرَّا مضرَّجـاً 
بأكبادنا والقدسُ في الأسْـرِ تصـرخُ
عسى أنْ يعـودَ العيـدُ باللهِ عـزّةً  ونَصْـراً، ويُمْحى العارُ عنّا ويُنْسَـخُ

أو نشتكي بشكوى الشاعر عمر أبو الريشة:

يا عيـدُ ما افْتَرَّ ثَغْرُ المجدِ يا عيد  فكيـف تلقاكَ بالبِشْـرِ الزغـاريـدُ؟
يا عيدُ كم في روابي القدسِ من كَبِدٍ  لها على الرَّفْـرَفِ العُلْـوِيِّ تَعْييــدُ؟
سينجلـي لَيْلُنا عـن فَجْـرِ مُعْتَرَكٍ 
ونحـنُ في فمـه المشْبوبِ تَغْريـدُ..

لقد أصبحنا نبتعد شيئاً فشيئاً عن سعادة العيد ولذته ومعناه الحقيقي، كل ما يمكننا أن نفعله هو أن نغوص في تلك الذكرايات التي ما تزال محفورة في أذهاننا بفرحة العيد، سواء من أجل أن نتحسر على أيامنا السابقة، أو نتمنى رجوعها، وسواء كانت بلمة الأحباب الذين كانوا يتجمعون بسرور ومحبة، أو مظاهرة الطفولة المكتسية بالبراءة.. لقد فقدنا الإحساس بصوت ذلك الناقوس الذي لا يدق في العام إلا مرتين، وحرمنا أنفسنا بالتشبث بآخر شيء يوحدنا كمسلمين، فكيف لنا أن نتشبث بما بقي من الأمور الأخرى؟ رغم أنني لا أحب أن أكون متشائما، فنتمنى  أن يكون القادم أحسن، لكن أفضل شيء سنتغنى به على حالنا اليوم، قول المعتمد إبن عباد، مع تمنينا أن لا تكون نهايتنا مثل نهايته.. فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا.. فساءك العيد في أغمات مأسورا..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.