شعار قسم مدونات

سلوكنا على منصات التواصل انعكاس لواقع علاقاتنا الاجتماعية

blogs وسائل التواصل

كثير ما يلاحظ البشر تصرفات الآخرين دون تصرفاتهم.. لكن هل حصل يوما أن لفتكم تفاعلكم مع منشورات أصدقائكم على حساباتكم في منصات التواصل الاجتماعي، أو حتى تفاعل أي مستخدم بالمطلق، صادف أن كان بقربكم ولاحظتم ردود فعله؟

 

حسنا، حصل معي ذلك الموقف حين كنت أستقل باص النقل العام في طريقي إلى العمل، حين لاحظت أن من جلس لتوه بقربي، فتح هاتفه وضغط زر الاعجاب على منشور في إنستغرام، ميقن تمام اليقين أنه لم يرى محتواه، إنما فقط عرف اسم الشخص الذي نشره، من دون أن أحقق أو أدقق بمدى ارتباط صاحب المنشور، بذلك الشخص الذي جلس بقربي، أدركت من خلال رد فعله على المنشور أنهما قريبان او تربطهما علاقة قوية.

 

إن كنا لا نعارض أن تكون تلك القيم والعادات مرنة تتفاعل مع الحداثة وتتطور مع تطور العالم الواسع المحيط بنا، لكن غياب أدنى حدود الإلتزام بها، لا بد أن يدق له ناقوس الخطر

كذلك هي ردود فعلنا تجاه العديد من المنشورات التي تظهر أمامنا من خلال تلك المنصات الرقمية، فلو قمنا باختبار بسيط يجعلنا نعيد التفكير قليلا قبل الضغط على زر الاعجاب لأي منشور أمامنا، سندرك ان رد فعلنا في الغالب يكون كما فعل ذلك الشخص الذي جلس بقربي في المواصلات، ولأكون أكثر دقة في كلامي، فما لاحظته مبني على مشاهدات مقصودة، راقبت خلالها سلوك العديد من الأشخاص تجاه ما يرونه من منشورات على منصاتهم الرقمية، بما فيهم أنا.

  

ولو بدأنا بشبكة العلاقات الأضيق أو الأصغر، التي تشتمل على الأقارب من الدرجة الأولى كالوالد والوالدة والأخوة في المنزل، سنلاحظ أن فئة كبيرة من المستخدمين تفضل ألا يكون لها أي اتصال رقمي عبر صفحات التواصل الاجتماعي مع الأهل وذلك "لسلطتهم" الرقابية والتربوية على الأبناء، فغلب الشباب يجد في مواقع التواصل الاجتماعي متنفسا حرا له من دون رقيب أو حسيب.

   

أما الأخوة، تلك الحلقة المتنوعة الجامعة بين الرقابة والصداقات، فعلاقاتنا بإخوتنا في المنزل تنعكس على رد فعلنا تجاه منشوراتهم على مواقع التواصل، فمثلا لو أن العلاقة كانت طيبة وقوية في المنزل سترى أن تعامل الشخص مع منشور شقيقه دائما ما يكون إيجابيا إما بالإعجاب حتى دون رؤية المحتوى وإما بالتعليقات الإيجابية المحفزة، وفي علاقاتنا الأوسع، فهي مقسمة على حلقات ثلاث، أصدقاء مقربون، معارف في محيطنا الاجتماعي أو حياتنا اليومية، وأخيرا أصدقائنا الرقميون، أي من لا نعرفهم إلا من خلف صفحات السوشيال ميديا، حتى تلك العلاقات يقيسها عقلنا الباطن، ودون أي تردد أو تفكير، سنحسم قرارنا بكيفية التعاطي أو التفاعل مع ذلك المحتوى، دون أدنى إدراك لفحواه باستثناء العلاقة التي تربطنا بالناشر.

  

هناك سلوك آخر يظهر لدى المستخدمين عند تعاملهم مع شخصيات أو مواضيع لقيت شهرة واسعة، فمهما تدنت قيمة المحتوى أو مهما كانت بعيدة عن اهتماماتهم، تكفيهم فكرة أن المجتمع المحيط بهم يتفاعل مع الموضوع، حتى يولد لديهم شعور بأنهم جزء من ذلك المحتوى ولا بد لهم من المشاركة فيه، ويتجلى ذلك واضحا عبر التريند او الوسوم الأكثر تفاعلا على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا على تويتر، فهناك من يغرد لاهتمامه بالموضوع وفي الغليب يكونون الفئة الأقل، وهناك من يغردون لمجرد التغريد وحصد المشاهدات، والأخطر من يغردون كي لا يقال عنهم أنهم لا يعرفون.

    

لقد تحولت مجتماعتنا من المحاسبة على السلوكيات والالتزام بالعادات إلى المحاسبة على مدى التفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي ومواضيعها التي تخالف وتعارض أحيانا ما يجب أن نكون مدركين له من عادات وتقاليد تلتزم باحترام المجتمع الذي نعيش فيه، وهنا صميم الخطورة، سلوكيات وتفاعلات رقمية، في عالم افتراضي، تطغى، على واقعنا، وتمسح منه تلك الأصول والجذور التاريخية، لما ما ورثناه من قيم وعادات أصبحت بمثابة صمام الأمان لعدم تفكك المجتمع.

    

وإن كنا لا نعارض أن تكون تلك القيم والعادات مرنة تتفاعل مع الحداثة وتتطور مع تطور العالم الواسع المحيط بنا، لكن غياب أدنى حدود الإلتزام بها، لا بد أن يدق له ناقوس الخطر، ونبدء في التدقيق بسلوكيات تلك الأجيال التي ولدت أمام الشاشات ولم تدرك قيمة العلاقات الحقيقية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.