شعار قسم مدونات

حمض بشري على هيئة زميل عمل!

blogs - university

هذه الحياة المليئة بالفوضى والظلم والحرب لم تترك فراغا إلا ولوثته وملأته بمنغص صغير يخز العقل والنفس والجسد، فبدلا من خوض الحرب مع عدو ظاهر خلف النهر، نخوض أغلب حروبنا مع بني جلدتنا في مكان يسمى العمل، هادرين طاقات جسدية ونفسية وعقلية على دبوس صغير داسته القدم أثناء سعيها خلف رغيف خبز، فأرّق المضاجع، وأضاع الهدف، وآلم وأوجع.

 

أحيانا وبعد أول خطوة في الشركة بقدمي اليمين على نية تيسير يومي، أرى وجوها مقفرة نكدة، حتى أكاد أجزم أنها تدربت على تلك الملامح طيلة الليلة الماضية، تدربت كثيرا حتى تخرج بهذا الوجه الصدئ الذي لا روح ولا ضمير فيه، ولا أعلم ما يضير الناس أن يكونوا أبسط قليلا، ما يضيرهم لو تخففوا من أذاهم.

 

في الوجه الغثاثة، ثم إذا نطق استعذت بالله، كل السواد المتكتل في الصدر وسلبيته المزمنة تطفو على تفكيره وأسلوبه، وإن خاصمته فجر، فتتسائل: كيف يسير البعض بخطوات الشيطان ثم تراه متزنا واثقا بكل ذاك القيح الحمضي فيه، حتى تشك في نفسك: إنِ العلة ما هي إلا فيك، وهو صحيح لا يشكو الصرع!

 

أشتهي أن أعود للمنزل متعبة من مهماتي فقط، من الحسابات والتدقيق والكتابة، أستمع غصبا لأغنية مزعجة على ذوق السائق، أنظر من النافذة دون التركيز في شيء

إن النفوس المريضة، لو فرشت لها الأرض وردا، لو دللتها كما تناغي طفلا في أشهره الأولى، لو حملتها كما تحمل الأم جنينها في رحمها وأخيرا لو أضأت لها العشرة شمعا منيرا، والله لن ترضى حتى تتبع ملتهم، ملة الأحماض البشرية.

 

عقر الإنسان للإنسان سام، بل ويفوق عقر الوحوش في البراري؛ اقتناص فرصة في غفلة أو سهوة أو استغلال طيبة قلب وحسن نية لينفث فيك سمه الخبيث، وما إن تتصادم معه عمدا أو عفوا، لا تعد الثواني، حتى تجده دار بين الأقسام دائرة السوء، يتأبط سيرتك ويحشوها من أذن لأذن يهمس ويغمز زورا وبهتانا، فترى مكره على هيئة مواقف ما صارت إلا في سراديب عقله -إن وجد.

 

إنك لتبذل ضعف الجهد جهدا وأنت تحاول الوصول لنقطة مريحة في التعامل معه، وذلك لأن كل كلمة وفعل وتأشيرة ودخول وخروج واتكاءة ومزحة وجد وهزل ومقصود يلفظ وملفوظ لا يقصد إلا وله تفسيره في ذهن الحمضي، فتظل حريصا ألا تعلق به وإلا تشوهت، ونزلت من المستوى الذي يليق بك للمستوى الذي يجرك إليه، فتحذر كل الحذر وأنت تسير في ممرات الاحتكاك به تخشى أن تصيبك سوء ظنونه كهارب بين الحدود يخشى أن يدوس على لغم أو أن يغوص في الوحل أو أن يقنصه سوء الحظ.

 

إلى متى ستظل تحسب ألف حساب للزميل ذو النفسية الحامضة وما عقله سوى تجويف طبل بدلا من أن تركز في العمل وكيفية تطويره أو تحسينه أو حتى في مرتبك الذي لا يكفي لشراء قميص جديد تجدد به نفسيتك التي اهترأت من كل شيء، أو في أمك أو في طفلك أو في بلدك؟ حتى أن التفكير بفريقك الرياضي المفضل مثلا أو أن تفكر بغدائكم اليوم أو كيف تقف الذبابة على السقف دون أن تسقط خير وأولى.

 

أشتهي أن أعود للمنزل متعبة من مهماتي فقط، من الحسابات والتدقيق والكتابة، أستمع غصبا لأغنية مزعجة على ذوق السائق، أنظر من النافذة دون التركيز في شيء، سوى في سيناريوهات غريبة لأحداث في عقلي -ولن تحصل أبدا- تعرض أمامي، لكنه العمل من يستبيح لنفسه حتى تلك اللحظات العبثية الخاصة، فيصرفك عن كل شيء، ولو أخذت وزنك مالا ما عوّضك حقك.

 

وكما في النهايات السعيدة التي نتمناها في كل مقال لأي مقام؛ فإن الفائدة الحقة والتعويض الأسمى من كل هذا هو صقل الشخصية، ستقابل الطيب والخبيث، والكريم واللئيم، المسكين والغيور، والعجول والكسول، والمظلوم والظالم، وعليك أن تبقى أنت الثابت على المبادئ، تطور قدرتك على العمل والتعامل في آن، مع كل لون وجنس وشكل وعقل ونفس، وبينما ذلك اتكل على الله والزم دعاءك: اللهم أجرنا من شر بني آدم، فلا شر إلا شر بني آدم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.