شعار قسم مدونات

الجانب المظلم لـ"كوكب اليابان"!

blogs المجتمع الياباني

اليابان كوكب آخر وأنها الأكثر تطورا وازدهارا وأن اليابانيين شعب مثالي إلى غير ذلك من معلومات ساقها أحمد الشقيري في برنامجه خواطر 5 الذي عرض على قناة mbc ولاقى برنامجه صدى واسع بين العرب، وقد خصص ثلاثين حلقة عرضت في شهر رمضان عام 2009 وكانت حلقاته تلك مدار حديث الناس في تلك الفترة، فقد نجح الشقيري بإقناع الناس أن اليابان نموذج يجب أن نحتذي به فسلط الأضواء على بعض الجوانب الإيجابية في المجتمع الياباني، وأغفل الحديث عن الجوانب المظلمة في ذلك المجتمع، تعالوا لنسافر إلى كوكب اليابان ونرى الصورة كاملة، إليكم هذه الحقائق عن اليابان.

في عام 2016 سجلت اليابان 22 ألف حالة انتحار، وهو أقل رقم تم توثيقه من حالات الانتحار في عام واحد منذ عام 1994 ومعظم هؤلاء ينتحرون من ضغط العمل أو شعور الموظف بالفشل عندما لا يحقق ما هو مطلوب منه وهذه تعرف بظاهرة كاروشي وهي انسحاب الموظف من حياته الاجتماعية ثم العزلة والاكتئاب فالانتحار. وهناك ظاهرة أخرى تسمى بظاهرة هيكيكوموري وتعني الانسحاب المجتمعي للطالب والعزلة ثم الانتحار والسبب حجم الضغوطات التي تسببها امتحانات القبول في المراحل الدراسة مصحوبة بضغوط العائلة الكبيرة، وعند فشل الطالب في تحقيق النتائج المرجوة ينعزل عن المجتمع ويلجأ للعلاج النفسي أو الانتحار. وحسب الإحصائيات الرسمية فإن ما يقرب من 540 ألف شاب ياباني يعانون من هذه الظاهرة.

واحد من كل خمسة متقاعدين يابانيين يفضلون ارتكاب جرائم ودخول السجن وذلك لأن حياة السجن أرحم من الخارج، حيث غلاء الأسعار. وعدم مقدرة المسن الياباني على تحمل نفقات المعيشة

سجل عام 2017 أقل عدد مواليد في السنة منذ نهاية القرن التاسع عشر، بتراجع سنوي يصل إلى 400 ألف سنوياً، فبعد أن وصل عدد اليابانيين إلى 130 مليون نسمة، أصبح عددهم عام 2017 127 مليوناً. وحسب التقديرات الرسمية فإن عدد سكان اليابان سيكون عام 2060 من 85 مليون شخص تقريبا أي أن اليابانيين في طريقهم إلى الانقراض والسبب هو عزوفهم عن الزواج فلا وقت إلا للعمل حتى أصبحت نظرة المجتمع الياباني بشكل عام والفتيات بشكل خاص إلى الزواج إلى أنه مقبرة النساء، ومن وجد بعض الوقت وعنده رغبة في الجنس، فالسبل متاحة فلا دين يحرم ولا قوانين تمنع، وإذا تزوجت اليابانية فإنها تحرص على عدم الانجاب خوفا من الطرد من الوظيفة، وإذا حصل حمل فإنها تجد نفسها بين خيارين، إما ترك العمل أو الإجهاض، فهناك ما يقرب من 70 بالمائة من اليابانيات تركن وظائفهن بعد إنجاب أول طفل وفي عام 2013 تم إجهاض أكثر من 168 ألف جنين وكل عام تكون الأرقام متقاربة.

إن انخفاض أعداد المواليد سنويا، يؤدي لا محالة إلى شيخوخة في المجتمع، وبالتالي يصبح المجتمع هرما، تنقصه الأيدي العاملة، وهذا ما حدث مؤخراً، حيث بدأت اليابان باستقدام الأيدي العاملة من دول العالم الثالث، وستزداد الحاجة لهؤلاء، فيتكاثرون في وقت تتناقص أعداد اليابانيين، عندها سيحدث خلل كبير في التركيبة السكانية، وربما يصبح اليابانيون أقلية في بلادهم، كحال الإمارات وقطر؛ حيث أعداد الأجانب أضعاف عدد المواطنين.

التمييز والعنصرية ضد الأجانب، فالمجتمع الياباني لا يرحب بأي عنصر غريب عنه، فبحسب وزارة العدل اليابانية، فإن ثلث الأجانب في اليابان يتعرضون للتمييز. فاليابانيون ليسوا ملائكة كما يصورهم الشقيري، فهم في كثير من الأحيان يحتقرون الغريب، ولا يتقبلون أي شيء غريب عنهم، وهم من أقل الشعوب دخولا في الإسلام، فنسبة المسلمين بين اليابانيين هي أقل من 1 بالألف -100 ألف مسلم ياباني من أصل 127 مليون نسمة-، رغم جهود المراكز الإسلامية العاملة هناك منذ عقود من الزمن. حسب تقرير للهيئة الوطنية للشرطة، بثته هيئة الإذاعة اليابانية (NTK)، أنه تم تسجيل 915 ألف جريمة جنائية في عام 2017. فهناك جريمة قتل أو سرقة أو اختطاف كل خمس دقائق. هل أتاك نبأ الياكوزا، وتعني المافية اليابانية التي يقدر عدد أعضائها من 80 ألف إلى 110 آلاف، وهي عبارة عن عصابات مرتبطة مع بعضها بشبكة معقدة، وهذه الياكوزا لها وزنها في المجتمع الياباني، وتقف الدولة عاجزة عن السيطرة عليها، أو الحد من أنشطتها.

في تقرير على موقع (BBC NEWS) بعنوان (اليابان: لماذا يفضل المتقاعدون السجن؟) حيث يبين التقرير أن واحد من كل خمسة متقاعدين يابانيين يفضلون ارتكاب جرائم ودخول السجن وذلك لأن حياة السجن أرحم من الخارج، حيث غلاء الأسعار. وعدم مقدرة المسن الياباني على تحمل نفقات المعيشة. ولكن أين الأبناء؟ تحدثنا سابقنا عن نفور كثير من اليابانيين من الزواج وتكوين الأُسر، ومن تزوج منهم فيكتفي بعدد محدود من الأبناء، الذين يغادرونه عندما يكبرون، فروتين الحياة وساعات العمل الطويلة، تحول بينهم وبينه، ففي أحسن الأحوال يأتي الياباني لزيارة والديه في المناسبات والأعياد، فالعلاقات الاجتماعية في اليابان مفككة، وكبار السن في ذلك البلد يعانون أزمات مالية ونفسية خانقة تدفع كثيرا منهم للجريمة ودخول السجن، أو يقومون باستئجار عائلات وأصدقاء مقابل خمسين دولارا للشخص الواحد. حيث أن هناك شركات تقدم تلك الخدمات الاجتماعية. 
 
نرجع في التاريخ قليلا؛ فنرى الياباني يمتاز بالعنف والغلظة، فعقيدة مقاتل الساموراي تسيطر عليه، وقد دخلت اليابان عدة حروب مع جيرانها، وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية اجتاحت جيوش اليابان جميع مناطق شرق وجنوب شرق آسيا، وقتلوا في الصين وحدها قرابة 25 مليون مدني صيني، في عمليات إبادة تندى لها جبين البشرية، فكان الجندي الياباني يتلذذ بالإغتصاب وقتل النساء والرجال والأطفال، وتفنن في عمليات القتل، فيذبح ويقطع الرؤوس، وأحيانا يجمع العشرات من المدنيين ويدفنهم أحياء. لقد انكسرت شوكة اليابانيين في الحرب العالمية الثانية، وتجرعوا الذلة والمهانة، فوجدوا في الاقتصاد ملجأ ومنفذا لهم ليبقوا على خارطة الأمم، فاليابان عملاق اقتصادي، ولكنها قزم سياسي وعسكري، لا تملك قرارها السياسي.

والخلاصة أن اليابان بلد متقدم متطور لا ريب، ولكن ذلك التقدم المادي كان على حساب الإنسان الياباني، وهي كغيرها من دول العالم، فيها جوانب مشرقة، وفيها من المشاكل الشيء الكثير، والكثير من الإشاعات تنطلق من أبواق مأجورة تمجد وتصور اليابانيين ملائكة يعيشون في جنة عدن، فتارة يمجدون الغرب، وتارة يمجدون الشرق، وكل ذلك إعلاءً للغير وجلدا للذات وتحقيرا للنفس. إن أي بلد في العالم يتم فيه تصوير الجوانب المشرقة فقط، عندها سيُـقدم باعتباره بلداً نموذجياً، وسيكون من أرقى البلاد، فإذا ذهبت إلى مصر وصورت آثارها وشواطئها الجميلة على البحر المتوسط أو على البحر الأحمر، وجامعاتها العريقة، وغير ذلك مما يميز ذلك البلد الطيب، عندها ستقدم بلداً مثالياً بعيداً عن الواقع، حيث أن كثيرا من المصريين أقصى أمانيهم أن يهاجروا ويعيشوا في بلد آخر، فالمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية تعصف بذلك البلد، فقر وبطالة وعنوسة وأزمات وملايين المشردين… كل هذا يحول تلك الجنة إلى جحيم لا يطاق، وحال مصر ينطبق على أغلب الدول العربية، وعلى كثير من دول العالم.

(رأيت إسلاما في الغرب) و(كوكب اليابان) وغيرها من الدعوات والأباطيل تهدف بشكل أساسي إلى زعزعة الثقة بالنفس وتحطيمها، والسير وراء مخططات الغرب، ليصلوا بالمسلم إلى الانسلاخ التام عن دينه وثقافته وتاريخه وحضارته، مسلم مهزوز الثقة بنفسه، فما أسهل من السيطرة على شخص مهزوز محطم مهزوم من الداخل، عندها سيكون أبعد ما يكون عن تحقيق النصر والنهوض بالأمة، فطريق النصر والتمكين يحتاج رجالا هاماتهم عالية شامخة، ثقتهم بربهم لا حدود لها، ثقتهم بأنفسهم كثقة ربعي بن عامر رضي الله عنه عندما دخل خيمة رستم وهو يمتطي جواده ويغرس رمحه في السجاد الفاخر ليعلنها صرخة تهز أركان المجوسي المتعجرف، فيقول: نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة….، كلمات نزلت كالصواعق على نفس رستم، تخرج هذه الكلمات من عملاق يرى جيش رستم كالذباب، إنها باختصار التربية المحمدية.

فالمطلوب منا أن نتنبَّه لمثل تلك الدعوات ونغلق كل نافذة تصدر منها، ثم نتلمس واقعنا ونبحث بموضوعية عن نقاط القوة فينا فنعززها، ونعالج نقاط الضعف، ونزرع الأمل ونغرس الثقة في قلوبنا وقلوب أبناءنا، ونصنع جيلا مسلما واثقا بربه ووعده الحق، جيلاً لديه فهم راسخ ووعي كامل ويقين أننا خير الأمم. وأن البشرية كلها خسرت عندما تراجعنا، لذلك يجب علينا أن نتقدم بكل ثقة ونقود العالم إلى مرافئ الأمان. فثق بربك وابدأ بنفسك وعالج قصورها، ثم انطلق وتولَّ القيادة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.