شعار قسم مدونات

رحلة الإبداع من دمشق إلى هوليود

blogs جهاد عبدو

في زمننا هذا من الطبيعي أن يكون، وقوفك مع الحق والتعبير عن رأيك تجاه مسألة طغى الشر فيها على الخير، عُرضة لكثير من المتاعب وسيوفر لك بيئة خصبة، لِخلق المزيد من الأعداء الذين يُخالفونك الرأي والفكرة، عِلماً أن هؤلاء الأشخاص وصلوا لمرحلة الاقتناع بمنطقية رأيك وصحته، ولكن النفوس الملوثة لا تبوح بالمنطق والأخلاق.

 

لم يَكُن يعلم الفنان الدمشقي جهاد عبده، أن التعبير عن رأيه تِجاه ما يَحصل في وطنه الأم سوريا، سَيُكلفه الكثير من الألم والتعب في حياته، وعلى كافة الأصعدة وخاصة انجازاته الفنية، هجرته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وعَمله في بيع الزهور وتوصيل وجبات البيتزا لدى شركة دومينيز بيتزا، ومن بعدها عمله في شركة أوبر كسائق توصيل، لم يُثني الفنان السوري عن أهدافه في مواصلة السعي هنا وهناك للعودة إلى مهنته الأساسية، تلك المهنة التي أعتاد السوريون أن يشاهدوه فيها، في مسلسل نهاية رجل شجاع وإخوة التراب وبقعة ضوء وحمام القيشاني والهاربة وجرن الشاويش.

 

تَجربة نجاح ألهمت الكثير من السوريين حول العالم، وجسدت معاناة اللاجئ السوري، الذي تَرك خلفه كُل شيء، فكيف إن كان هذا الشخص فناناً تاركاً خلفه أعمالاً فنية

وصَف الفنان عمله بالمهن العادية، كفرصة للتعرف على المجتمع الأمريكي عن قُرب، والخوض في تجربة السوريين الذين عملوا خارج حدود وطنهم وكانت لهم بدايات صعبة في دول اللجوء، في ال 55 من عمره، يخوض الفنان السوري تجربة ومغامرات، أغلب السوريين الذين تركوا وطنهم، ويكدحون ليلاً نهاراً لتأمين قوت يومهم ومتطلبات حياتهم في دول اللجوء، قال هنا جملته المشهورة "وأنا في الـ 55 من عمري نجحت في تحطيم الأنا التي نحملها في دواخلنا كفنانين في دول وعوالم لا تحترم الإنسان ولا تقدس العمل"

  

من دمشق إلى هوليود، مُختصر قصة نجاح الفنان السوري "Jay abdo" بعد أن غير اسمه، وسيطرت عليه معالم الإرباك والحيرة، لحظة مُغادرة بلاده مجبراً، ومُلبياً لدعوة زوجته الفنانة التشكيلية فاديا عفاش، بالهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ليبدأ مشواره الفني من جديد، أسس لمجموعة متنوعة من الأفلام العالمية، إلى جانب أشهر ممثلي ونجوم هوليود، ولم يتردد المخرج والمنتج الأمريكي فيرنر هيرزوق من الاتصال به، والتواصل معه بعد مشاهدة الفيديو الإعلاني لمسيرته الفنية، قائلاً: لقد شاهدته ورأيته الأنسب لتمثيل الشخصية إلى جانب نيكول كيدمان.

  

تمثيل دور البطولة إلى جانب الممثلة العالمية نيكول كيدمان في فيلم ملكة الصحراء، كان خاتمة المعاناة والتعب الذي رافق جهاد عبده منذ لحظة وصوله إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واصفاً هذه الفرصة بالشيء الخيالي، واجتماع للقدر والمهنية في آن واحد، بالإضافة لمشاركته في العديد من الأفلام العالمية، مثل فلم "المولود البكر" ومجسم من أجل الملك" "وعالقبلة" ومواجهاً مكة" والعديد من الأفلام المرشحة للأوسكار، عندما سأله أحد المدربين خلف الكواليس ما هو أصعب دور لعبته أو تجربة أداء وكيف أثرت العوائق في طريقة أدائك؟ كان هنا جوابه واقعياً، بأنه قادم من مكان تعود فيه على لعب دور البطولة في المسلسلات، أو المركز القوي في الأدوار الثانوية، وأعتقد أن الدراما السورية شاهدة على ذلك في عدة مسلسلات أضاف إليها لمسته الخاصة.

  

مُغامرة الفنان وتفانيه وإصراره ودعم زوجته له، وسقف الحرية العالي الممنوح له في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل عام والسينما الهوليودية بشكل خاص، كانت عوامل طبيعية لنجاحه وتميزه في أعماله الفنية، وبدايات طريقه نحو العالمية، تَجربة نجاح ألهمت الكثير من السوريين حول العالم، وجسدت معاناة اللاجئ السوري، الذي تَرك خلفه كُل شيء، فكيف إن كان هذا الشخص فناناً تاركاً خلفه أعمالاً فنية، أخذت من عُمره الكثير والقليل، ليثبت للعالم أن الفن رسالة محتواها الإبداع، ظهرت في صورة أعماله الفنية، والمشاهد التمثيلية خلف الكواليس تحضيراً واستعداداً لإحدى أفلامه الجديدة في هوليود.

 

أظهر فلم الجزيرة الوثائقي بعنوان "جهاد في هوليود" تفاصيل كثيرة في شخصية الفنان جهاد عبده وزوجته فاديا عفاش، فهناك الكثير من الحب والتعاون والانسجام، رغم الصعوبات التي حلت بهم، كما أظهر الفلم حالة من الصداقة والدعم المتبادل بينهما ربما لم يلاحظها البعض، ولكن كانت واضحة في نظرات عيونهم واهتمامهم وسؤالهم المتكرر عن بعضهم البعض وعن حال السوريين وكيف يمارسون حياتهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.